حسم الجدل من جهة سيّدتنا مريم العذراء- ثالثًا وأخيرًا
بقلم: رياض الحبيّب؛ خاص- كلام الأول
بحثت في قِسْمَي المقالة الأوّل والثاني بعض المفاهيم التي خصّت سيّدتنا مريم العذراء. وسأبحث في هذا القسم (وهو الأخير) مفاهيمَ أخرى. فأوّلًـا: أرى الغالبية من المسيحيّين متفقين على تسمية العذراء {والدة الله} وعلى دوام بتوليّتها وعلى شفاعتها- من النوع التوسُّليّ. فالمقصود بوالدة الله هو أنّ العذراء مريم هي والدة كلمة الله المتجسّد بشخص يسوع المسيح إبن الله (أي المنبثق من الله) ولا يُقصَد بها والدة الذات الإلهية إطلاقًا. وبالمناسبة؛ ظنّ الجهلاء باللغة أنّ ابن الله هو ابنه بالجسد- حاشا- شأن الله في ذلك شأن الإنسان، بدون أن يرجعوا إلى الكتاب المقدَّس أو إلى أيّ كتاب مسيحي مُعتمَد مسيحيًّا للتفسير أو أيّ موقع الكتروني مسيحي مختصّ. فغابت عنهم معاني كلمة الإبن (أو البنت) المتنوّعة وخصوصًا في اللغة العربيّة؛ مثالًـا: إبن النيل وبنت الرافدين وابن السبيل وبنت الشفة وأبناء النور وبنات الضَّادِّ… إلخ. إنما الله في المسيحيّة واحد بثلاثة أقانيم هم الآب والإبن والروح القدس (متّى 19:28) وهؤلاء الثلاثة هم واحد (رسالة يوحنّا الأولى 7:5) فلا يمكن فهْمُ شخصية الله بدون الأقانيم الثلاثة؛ الأقنوم الأوّل: الذات الإلهية الدالّـة على وجود الله. والثاني: إبن الله الدّالّ على كلمة الله وفكر الله. والثالث: الروح القدس وهو روح الله. بل لا يمكن للمسيحي تصوّر إلهه بدون ذات أو وجود وبدون عقل أو فِكر وبدون روح. كذلك الإنسان المخلوق على صورة الله كشَبَهِهِ (تكوين 26:1) خواصُّهُ ثلاث: الذات والعقل والروح. وفي الإنجيل بتدوين البشير لوقا تعبيرٌ كافٍ ووافٍ بلسان أليصابات أمّ يوحنّا المَعْمَدان، يوم حَظِيَت بزيارة من العذراء، هو: {فمِن أين لي هذا أن تأتي أمُّ رَبِّي إليَّ؟}- لوقا 43:1
وبالمناسبة؛ قال مارتن لوثر (1483– 1546) عن مريم العذراء في إحدى مقالاته: (كانت بتولًـا قبل الحَبَل والولادة وظلّت بتولاً حَتَّى الوِلادَة وبَعْدَهَا. هذه الأقوال الّتي أؤمن بصحّتها تدعم، بكلّ تأكيد، الحقيقة القائلة أنَّ مريم هي والدة الله) والمزيد في الرابط المدوّن أوّلًـا في هامش المقالة. ويسرّني بالمناسبة أيضًا أن أردِّد الترنيمة التالية والتي حفظتها من الطقس البيزنطيّ: {يا نصِيرة المسيحيِّين التي لا تُخْزى. ووسيطتَهم الدائمة لدى الخالق، لا تُعْرضِي عن أصواتِ الخطأةِ الطّالبين إليكِ. بل بما أنّكِ صالحة، بادِري إلى معونتِنا- نحن الصّارخين إليكِ بإيمان- هَلُمِّي الى الشَّفاعة. وأسرِعِي إلى الابتهال. يا والدةَ الإله. المُحامِية دائمًا عن مُكرِّمِيكِ} ويمكن الإستمتاع بسماعها (دقيقتين) عبر الرابط التالي
http://www.youtube.com/watch?v=S9Ed_EP-AjM
ثانيًـا: لعُرس قانا الجليل أهميّة كبيرة ومفاهيم عدّة؛ لعلّ أوّلها: {وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل، وكانت أمُّ يسوع هناك. ودُعِيَ أيضا يسوعُ وتلاميذه إلى العرس} يوحنّا 2: 1-2 كان يوحنّا الإنجيلي من تلاميذ المسيح؛ ما ذكَرَ في بشارته وجودَ أبناء لمريم أو بنات ولا إخوة أشِقّاء ليسوع أو أخوات وإلّـا لكان أصحابُ العرس دعوهم جميعًا إلى العرس إلى جانب أمِّ يسوع وتلاميذه. ولعلّ الثاني: حين نستمرّ في القراءة نجد تاليًا أي يوحنّا 2: 3-5 {ولما فرغت الخمر، قالت أمُّ يسوع له: ليس لهم خمر. قال لها يسوع: ما لي ولك يا امرأة! لم تأتِ ساعتي بعد. قالت أمُّهُ للخُدَّام: مهما قال لكم فافعلوه} فنستنتج أنّ ساعة بدء أولى مُعْجزات يسوع لم تأتِ بعد، لكنّه سَمِعَ لأمِّه (وهذا دليل على شفاعة مريم العذراء ودليل أيضًا على احترام يسوع لأمِّه) وحين قالت أمُّ يسوع للخدّام أن يفعلوا ما يقول لهُم يسوعُ كانت واثقة بأنّ يسوع يُطيعُ أمَّه ولن يخذلها ولن يخذل أحدًا. ولعلّ الثالث: لقد رآى عدد من دارِسي اللاهوت ودارساته رؤية أبعد؛ هي أنّ العذراء قد اشتركت في مشروع الخلاص الإلهي سواءٌ بقولها للملاك {أنا أمَة الرّبّ. ليكُنْ لي كقولك- لوقا 38:1} وبحَثِّها يسوع على بدء عمل المعجزة الأولى في عرس قانا الجليل (يوحنّا 2) وبرعاية يسوع الطفل والصّبي والسير معه في طريق الفداء إلى نهاية المطاف. علمًا أنّ مشروع الخلاص، الذي أصبحت العذراء شريكة به، قد اشترك به أيضًا شعبُ الله والأنبياء والكتبة وتلاميذ يسوع ورسله وخُدّامُه وخادماته والمُبشِّرون به والمُبَشِّرات، لكنَّ الفادي والمُخلِّص هو واحد: يسوع المسيح له المجد. ولعلّ الرابع: كانت الخمرُ التي صَنَعَ يسوعُ في عرس قانا الجليل خمرًا جيّدة (إشارة إلى العهد الجديد) لكي يصحو بها الذين أمسوا سكارى بالخمر الدُّون (إشارة إلى العهد القديم) ولم يصنعها يسوع لكي يسكر الناس- حاشا- والدليل على صحّة هذا الإستنتاج هو أنّ رئيس المُتَّكإ قد صحا من سُكره إذ تنبّه إلى الخمر الجيِّدة- يوحنّا 10:2
ثالثًـا: شكرًا جزيلًـا للرّوح القدس على إلهام قداسة پاپا روما پيوس التاسع بإقرار عقيدة الحبل بلا دنس عام 1854 (أي أنّ الطوباويّة مريم العذراء حُفِظت معصومة مِن كلِّ دنس الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الأولى من الحبل بها، وذلك بامتياز ونعمة خاصة من الله القدير بالنظر إلى استحقاقات يسوع المسيح فادي الجنس البشري- نصّ العقيدة) والهدف مِن العقيدة هو تبرئة العذراء من أيّة علاقة بالخطيئة. فنقلًـا عن مقالة في موقع الأب الدكتور أغسطينوس موريس بقلمه- أنقله بسرور وبتصرّف واختصار: [هناك بعض الآيات التي فسَّرَها علماء الكتاب المُقدَّس واللاهوت على أنها تدعم هذه القضية منها؛ الآية الأولى: “أجْعَلُ عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها فهو يسحق رأسك وأنت ترصُدين عَقِبَهُ” – تكوين 15:3 أي أن انتصار مريم (حوّاء الجديدة) على الشيطان ما كان ليتمَّ كاملاً لو أن مريم كانت يوماً ما تحت سلطانه- حاشا- فكان عليها أن تدخل إلى هذا العالم بدون الخطيئة الأصلية
وبالمناسبة؛ قال القديس مار أفرام السُّرياني (306-373): {ٳمرأتان بريئتان بسيطتان كُلَّ البساطة، مريمُ وحوّاءُ، كانتا في كُلِّ شيء متساويتين، غير أنَّ حوّاءَ صارت سَبَبَ موتِنا أمّا مريمُ صارت سبب حياتنا} وقال القديس أغسطينوس (354-430 م): {إنَّ على البشر أن يعرفوا أنفسهم خطأة، باستثناء العذراء مريم، التي هي أبْعَدُ مِن أن يدور الكلام عليها في موضوع الخطيئة، بسبب قدر المسيح} آمين
والآية الثانية: “السَّلامُ عليكِ يا ممتلئة نعمة، الرَّبُّ مَعَكِ”- (لوقا 28:1) والممتلئة نعمة هي بمثابة إسم مريم الخاص وتاليًا صفتها المميّزة، أي أنَّ النعمة تجعل الشخص مَرْضِيًّا عنه تماماً أمام الله وأقرَبَ إلى الله من الآخرين، وعلى هذا الأساس نؤكِّد شفاعة السيّدة العذراء، فحال الإمتلاء بالنعمة يخالف تماماً حال الخطيئة. ونجد في بعض الترجمات عبارة “المُنعَم عليها” وهذا اللفظ يجعلنا نتساءل عن زمن بداية هذا الإنعام وعن هذا الٳمتلاء بالنعمة، فلا بُدَّ مِن أن يمتدَّ ليشتمل على حياة العذراء كُلِّها منذ اللحظة الأولى. فنجد مثالًـا قول أليصابات لمريم “مباركة أنت في النساء ومبارك ثمرة بطنك” لوقا 42:1 وهنا يظهر تفضيل الله الخاص لمريم كما يظهر التساوي في المباركة بينها وبين ثمرة بطنها (المسيح) ونجد أيضًا في رسالة القديس بولس: “لأنّ الذين سَبَق فعَرَفهم سَبَق فعَيَّنهم ليكونوا مشابهِين صورة ابنه ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين. والذين سبق فعيَّنهم فهؤلاء دعاهم أيضًا. والذين دعاهم فهؤلاء برَّرَهم أيضًا. والذين برَّرَهم فهؤلاء مجّدَهُم أيضًا” – روما 29:8-30 إذاً العذراء هي في فكر الله منذ القِدَم وممتلئة نعمة منذ الحَبَل بها وليس في ساعة ولادتها ولا في ساعة حبلها من الروح القدس بمُخلِّص العالم يسوع المسيح. وبالمناسبة؛ تقول الآية- النبوءة عن العذراء: “كالسَّوسنة بين الشَّوك كذلك خليلتي بين البنات” كذلك: “كُلُّكِ جميلة يا خليلتي ولا عَيْبَ فيكِ” – نشيد الأنشاد 2:2 و 7:4 وبالمناسبة أيضًا؛ كتب في هذا راهب إيطالي من القرن الثاني عشر (ٳسمُهُ إدمر) فأوجز بقلمه العقلي الكلمات التالية “قدر، لائق، إذن فعل” قائلًـا: {إنَّ الله قادرٌ على إعفاء مريم العذراء (أو وقايتها) مِن دنس الخطيئة الأصلية. وكان من اللائق بمكانة مريم كأمٍّ للفادي أن تكون كذلك، إذن فعَلَ الله ذلك} والخلاصة: هذه العقيدة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسِرِّ الخلاص الذي هو بمثابة خلق جديد، لأنهُ فِعْلٌ بهِ جَدَّدَ الله العالمَ بعد عبور سَدِّ الخطيئة وأنّ الحبل بلا دنس هو الخطوة الأولى في هذا الخلق الجديد] انتهى. عِلمًا أنّ الكاتب أوجز اعتراضات على هذه العقيدة بأربعة بنود، لا يتسع مجال هذه المقالة لذكرها ولا يتسع للردّ عليها، من جهة الكاتب ومن جهتي. فتحيّة للأخ الكاتب وشكرًا على تعب محبّته
أمّا من جهتي فأتمنّى على الأحبّاء، المختلِفين على هذه العقيدة، مناقشة وجهة النظر المذكورة بانفتاح على الآخر الذي اختلفوا معه، ما قبل توجيه أيّ حُكم مُسَبَّق، من خلال التفكّر في قداسة الله التي يؤمِنون أنّها بلا حدود وبالتمعُّن في مفهوم القداسة والتدقيق أيضًا. إنها في نظري حقيقة وليست عقيدة فحَسْب {فإنّهُ هكذا يقول العَلِيُّ الرفيعُ ساكن الأزل الذي قدُّوسٌ اٌسمُه: في العَلآء والقُدس أسكن. ومع المُنسحِق الرُّوح المتواضِع لأحْييَ أرواحَ المُتواضِعِين وأنعِشَ قلوبَ المُنكسِرين}- إشَعْيَاء 15:57 كذلك: {بتسْبيحِ الرَّبِّ يَنطِقُ فمِي وليُبارِكْ كُلُّ بَشَرٍ اسْمَهُ القُدُّوسَ إِلى الدَّهْرِ والأبَد}- مزمور 21:144 وهو المزمور الـ 145 في العبرانيّة. لذا وذاك وباختصار شديد: لا يمكنني تخيّل الله القدّوس ساكنًا هيكلًـا دنِسًا أو تخيّل كلمتِهِ (المسيح) ساكنًا رحمًا مَسَّتِ الخطيئةُ صاحِبَتَهُ من قريب أو بعيد، أيًّا كان نوع الخطيئة. وهذا الخيال يتفق مع الوارد في الرسالة إلى روما- الأصحاح الثالث- ولا يختلف مع قول الوحي الإلهي: {الجميعُ أخطأوا وأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ الله- روما 23:3} فمِن العقلانيّة أن يُفهَمَ من قوله {الجميع} ما عدا المسيح لأنه قدّوس وما عدا أمّ المسيح لأنّ الكلمة القدّوس لا يمكن أن يتخذ جسدًا مِن جسد مَسَّتهُ الخطيئة أو جَسَدٍ وَرِث الخطيئة. إذ أعَدَّ الله كلّ شيء للفداء والخلاص بإتقان مُحْكَم:- الشعب الذي اختار أن يأتِيَ منه المُخلِّص والأنبياء والكهنة والكتبة، إلى درجة تحديد السِّبط (يهوذا) والنسل (داود) والمكان (بيت لحم)- راجعْ لطفًا سِفر ميخا 2:5 والأسفار: متّى 6:2 ولوقا 1: 26-38 ويوحنّا 42:7
عِلمًا أنّ پاپا روما المذكور قد أقرّ هذه العقيدة بتاريخ الثامن من كانون الأوّل-ديسمبر 1854 أي قبل ظهور العذراء بتاريخ الحادي عشر من شباط- فبراير 1858 (تاريخ الظهور أوّل مرّة من ثماني عشرة مرّة، آخرُها في 16 تمّوز-يوليو من العام عينه) للصبيّة برناديت (1844– 1879) وهي في سنّ الـ 14 في مدينة لورد الفرنسيّة (أنظر الرابط المدوّن ثانيًا في هامش المقالة) مُعَرِّفة عن نفسِها: {الحَبَل بها بلا دنس} بعدما سألتِ الصبيّةُ (أي برناديت- القديسة في ما بعد) السيّدةَ عن اسمِها أربع مرّات وبطلب من كاهن المدينة. فأكَّدت السيّدة العذراء حقيقة الحَبَل بها بلا دنس بنفسها وبطريقتها. والجدير ذكره بالمناسبة هو قيام عالم بريطاني في حقل الإيثولوجيا (عِلم السلوك الحيواني) يُدعى ريتشارد داوكنز (المولود سنة 1941 في نيروبي- كينيا) بزيارة عام 2006 إلى لورد التي اشتُهِرت بمزار سيّدة لورد (العذراء) فشاهد داوكنز باستغراب وتعجّب حجّاجًا يزورون المكان بالألوف ومن أديان مختلفة سواء من الأصحّاء والمرضى- وفق شريط منشور على يوتيوب أعدّه العالِم نفسه بالإنگـليزية. وقد تُرجم إلى العربيّة تحت عنوان: أصل الشرور، الفصل الأوّل: وَهْم الإله- وقد تساءل في بداية الشريط: (ما الدليل على وجود أيّة معجزة؟) ثمَّ عَلِمَ من أحد خدّام المزار بحصول 66 معجزة مُوَثَّقة. وبحصول ألفي حالة شفاء بدون تفسير. مع بَرَكات روحيّة شهد لها كثيرون. فصرّح داوكنز أخيرًا: (يزور المكان سنويًّا ثمانون ألف شخص منذ قرن ونصف ولم تحصل سوى 66 معجزة فإحصائِيًّا لا يُقدِّمُ هذا العددُ دليلًـا على وجود معجزة) فقلتُ- مع احترام مؤهّله العلمي: تكفي لإثبات أيّة قضِيَّة شهادتان مُوثَّقتان أو ثلاث. وأمامي، حتى تاريخ تصريح داوكنز، سِتٌّ وستّون وثيقة وألْفا حالة شفاء
أخيرًا؛ قيل لي: دَعْكَ من ذلك كلِّه ووَجِّهْ نظرَكَ صوب المسيح المُخلِّص الذي {ليس بأحد غيره الخلاص- أعمال 12:4} فقلت: أتَّفقُ معك تمامًا، كما أترك لك الحقّ في تكريم مَن تشاء مِن أحبّائك. لكنْ دعني وشأني لُطفًا فأعبد ربِّي وإلهي كما أشاء وأكرِّم أيًّا مِن مُختاريه ومن أحبّائي كما أشاء. فإنّي دعوتُ الرَّبَّ يسوع دعوة خاصّة لكي يتعشّى معي (رؤيا 20:3) كما دعوتُ أمَّهُ العذراء وتلاميذه والرُّسُلَ وسائرَ مُختاريه الذين لهم في قلبي منزلة مُميَّزة. تعشَّينا جميعًا أطيب عشاء. فأتمنّى عليك ألّـا تتناسى وجود أمِّ يسوع هناك، في قانا الجليل، قبلما دُعِيَ يسوع وتلاميذه إلى العرس- آمين
* * *
1. http://en.wikipedia.org/wiki/Lutheran_Marian_theology
١ : إن الكثير من ألإشكاليات التي قد يجدها البعض عند قراءته للكتاب المقدس ليس سببها الكتاب المقدس نفسه بل
سببها الترجمات التي لم توفق في إيجاد البديل الصحيح المطابق لنص الكلمة والمعنى ، مما أوجد إرباك عند بعض
القراء وخاصة ممن يتقيدون بالنص الحرفي لأنه كما هو معروف عند الكثير من الدارسين للكتاب المقدس أن هناك
العديد من النصوص هى حرفية وأخرى رمزية وأخرى تجمع بين ألإثنين ؟
٢ : كما لايخفى على الباحثين المنصفين من أن هناك مدارس عديدة في مجال تفسير الكتاب المقدس منها المدرسة الحرفية ، والمدرسة الرمزية ، والمدرسة التوفقية التي قد تجمع بين المدرستين ، كما هنالك المدرسة التعبيرية ( أو ماتسمى بالمدرسة ألإجتهادية ) التي تعتمد على رأي وفكر وإجتهاد الباحث ؟
٣ : كما الحال في تفسير أيات القرأن ، فمن دون الرجوع إلى المدرس التفسيرية ألأولى مثل إبن كثير وصحيح مسلم وصحيح البخاري وغيرهم لا نكون منصفين في الحكم عليه ؟
٤ : ويبقى جوهر ألإيمان عند كل إنسان هو مدى صدقه في إعتقاده وفي حسن سلوكه ؟
٥ : ويبقى مسك الختام للجميع دوام محبتي والسلام ؟
سلام المسيح ونعمته معكم أخي الغالي س. السندي. أشكرك في البداية على مرورك الكريم واهتمامك وعلى مداخلتك التي يسرّني أن أجيب عليها متفقًا معك من جهة ومختلفًا بمحبة واحترام من جهة أخرى
أوّلًـا: لقد قرأتُ شخصيًّـا غالبية الترجمات العربية للكتاب المقدس؛ منها ترجمة فاندايك والترجمة المشتركة والترجمة الكاثوليكية وترجمة كتاب الحياة وترجمة العلّـامة السُّرياني يوسف داود الموصلي والترجمة البولسية للعهد الجديد فلم أجد اختلافًا في المعنى بين واحدة وأخرى. فأتمنى عليك اختيار آية واحدة من الكتاب المقدس كلِّه تدلّ على الإختلاف الذي أشرتَ إليه ليكون ما تفضّلت به مُوثَّـقًا ومُقنِعًا. كما أتمنى عليك أن تكتب لي ثلاثة نصوص يؤيّد الواحد منها ما ذهبت إليه في كلامك التالي (لأنه كما هو معروف عند الكثير من الدارسين للكتاب المقدس أن هناك العديد من النصوص هي حرفية وأخرى رمزية وأخرى تجمع بين الإثنين) لطفًـا
ثانيًـا: أتفق معك على وجود دراسات لاهوتية متخصِّصة- وليست مدارس- معنيّة بالدراسات الحرفية والرمزية وغيرها. وهذه الدراسات تقع ضمن مناهج دراسية مقررة في الكليّات والمعاهد لطلبة الفلسفة واللاهوت، الهدف منها التعمّق في الكتاب المقدس
ثالثًـا: أخي العزيز؛ هناك فرق شاسع بين الكتاب المقدّس وبين القرآن من جهة الإختلاف. فالإختلاف المسيحي- المسيحي هو على معنى النصّ الواحد والثابت ولا يوجد اختلاف على الأصل. فأصل النصّ الذي استقت الترجمات العالمية كلها منه- وليست العربيّة فحسب- هو واحد وهو الأصل اليوناني. أمّا درجة فهْم النصّ فتعتمد على عوامل عدّة؛ لعلّ أهمّها: 1. إرشاد الروح القدس للقارئ-ة ليفهم معنى النص في الكتاب المقدّس 2. ثقافة القارئ العامّة التي تحدد مستوى استيعابه معنى النص 3. قدرته على التأمّل في بُعْد النصّ وتحليله وأحيانا ما يحتاج القارئ المنصف إلى الإطّلاع على التفاسير المعتمَدة مسيحيًّـا
أمّا القرآن فالكارثة الأولى هي الإختلاف على الأصل بين المصاحف وبين القراءات المتعددة وتاليًا: أيّ الأصول هو المحفوظ في اللوح المزعوم؟- راجع لطفًا سلسلة مقالاتي: هكذا قرأت القرآن ولا سيّما 5 سورة الفاتحة. ذلك بالإضافة إلى كوارث أخرى؛ كالناسخ والمنسوخ والكلمات الأعجميّة في القرآن المزعوم أنه (بلسان عربي مُبين) والكلمات التي ما لها تفسير مقنع ولا سيّما التي في أوائل بعض السُّوَر مثل كهيعص
الرب يسوع يبارك حياتك وتعب محبتك
مع التحية وأطيب التمنيات