بقلم: ستانلي وايز: ذي ورلد بوست
لقد كانت حالة تاريخية غريبة ان يكون إسم احد الدبلوماسيين الأمريكان الذين شاركوا في تأسيس معاهدة حلف شمال الاطلسي (أخيل). كرئيس مكتب شؤون غرب اوروبا في وزارة الخارجية الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية ونائب رئيس مجلس شمال الاطلسي، لعب ثيودورأخيل دوراً ريادياً في كتابة مسودة المعاهدة والتي صممت لمنع الإتحاد السوفيتي الذي كان يروم التممد من الهجوم المسلح على اوروبا الغربية. بدخول احد عشر بلداً للحلف الذي أسسته الولايات المتحدة في العام 1949، نما الحلف ليشمل بلدين آخرين هما اليونان وتركيا في عام 1952 ليشمل اليوم 28 عضواً.
من الصعب التفكير في صعوبة تصور خيانة أحد أعضاء المنظمة لبقية الحلفاء لغاية يومنا هذا، حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليس لديه آلية رسمية لإقالة أي عضو إذا اتخذ موقفاً سيئاً، حتى أنه ليس لديه تعريف يحدد (الموقف السيء). مع ذلك وبعد قرابة ثلاثة عقود من انهيار الإتحاد السوفيتي، فإن أعضاء حلف شمال الأطلسي لديهم نفس التعهد تجاه بعضهم البعض والمعروف بـالمادة 5، والذي وافقوا عليه في عام 1949 بأن: الهجوم على أي دولة عضو سيتعتبر هجوماً على بقية الدول الأعضاء ويجلب جواباً فورياً ومشتركاً. لقرابة حوالي سبعة عقود، هذا المزيج من العوامل كان عقب أخيل المحتمل في حلف شمال الأطلسي (ناتو): بأنه في يوم من الأيام، سيتم دعوة الأعضاء للدفاع عن عضو مارق والذي لم يعد يشارك قيم المتحالفين ولكن سلوكه يضع (التحالف) في خطر حين يخلق سيناريو كابوسي للنظام العالمي.
بعد 67 عاماً حل ذلك اليوم: تركيا التي كانت لنصف قرن الحليف القوي في الشرق الأوسط حينما كانت تثبت بأنه يمكن لأمة ذات اغلبية مسلمة ان تكون علمانية وديمقراطية، قد ابتعدت كثيراً عن حليفاتها في حلف شمال الاطلسي بحيث أنها تُعرَف بشكل واسع بأنها بدون ادنى شك تدعم داعش في سوريا في حربها ضد الغرب.
منذ وصول الرجل الإسلامي القوي رجب طيب اوردوغان الى السلطة في عام 2003، إتخذت تركيا موقفاً سلطوياً قاسياً، فقد احتضنت الإرهابيين الإسلاميين من مختلف المشارب، وأخذت تدخل في حروب لا قدرة لها على إنهاءها في طول المنطقة وعرضها بضمنها حرباً ضد 25 مليون كوردي يحاربون داعش، في سوريا والعراق وحرب باردة انقلبت ساخنة مع روسيا، والتي اسقطت طائرتها على عجل في تشرين الثاني. مع إرتداد تلك الحروب الى الداخل – حيث انفجارات القنابل في مدنها والأعداء على حدودها – يطالب القادة الترك بدعم غير مشروط من حلف شمال الاطلسي، حيث قال رئيس الوزراء احمد داود اوغلو يوم السبت انه يتوقع “دعم حليفنا الولايات المتحدة لتركيا بدون محاذير او تحفظات.”
ولكن هذا قليل جداً و متأخر جداً. على حلف شمال الأطلسي عدم الدفاع عن تركيا – بدلاً عن ذلك ينبغي عليها البدء فوراً في تقرير إذا كانت القائمة الطويلة والمتزايدة من التجاوزات التركية ضد الغرب، وبضمنها دعمها للإرهابيين الإسلاميين لها ما يبررها. وإذا فعلوا ذلك – وبالتأكيد عليهم فعل ذلك – فان الهيئة العليا لصنع القرار لدى التحالف، مجلس شمال الاطلسي، عليه طرد تركيا رسمياً من حلف شمال الأطلسي نهائياً قبل ان تتسبب عدوانيتها وعدوانها المستمر في جر المجتمع الدولي الى حرب عالمية ثالثة.
هذا هو الإجراء الذي طال انتظاره. لقد قلت قبل خمسة سنوات ان “اوردوغان الإسلامي حتى النخاع، أعلنها مرة وعلى رؤوس الإشهاد بأن “المساجد هي ثكناتنا، والقباب خوذنا، والمآذن حرابنا والمؤمنون جنودنا” يظهر أنه يرى نفسه القائد الإسلامي للعالم الإسلامي بعد الربيع العربي. لقد امضى الثلاث عشرة سنة الماضية في تفكيك كل جزء من المجتمع التركي الذي كان يصنع منه مجتمعاً علمانياً وديمقراطياً، وأعاد ترتيب البلاد مثلما كتبت كارولين كليك من مركز سياسات الامن مرة “بإتجاه الهجين الناتج من اوتوقراطية بوتين والحكومة الدينية الايرانية.” في الخريف الماضي، ذهب بعيداً لحد الإشادة بالسلطات التنفيذية التي منحت في يوم ما لادولف هتلر.
تحت قيادة اوردوغان، عدد الصحفيين الذين اعتقلهم حليفنا في الناتو كان اكثر مما اعتقلهتم الصين، اعتقل آلاف الطلبة بجريمة حرية التعبير، واستبدل المعاهد العلمانية بالمدارس الاسلامية. واظهر دعمه علانية لحماس والإخوان المسلمين واتهم الحليف القديم اسرائيل بإرتكاب “جرائم ضد الإنسانية،” انتهكت تركيا حضراً للسلاح على غزة، اشترت نظام دفاع جوي (وتقريباً صواريخ) من الصين في تحدٍ سافر لحلف شمال الأطلسي، ورفضت استخدام امريكا قاعدتها الجوية لشن هجمات اثناء حرب العراق وبعدها ضد الارهابيين الإسلاميين في سوريا. وعندما كان التحالف الغربي يحاول جاهداً المساعدة في صد مقاتلي داعش في بلدة كوباني بغرب سوريا منذ سنتين، كانت الدبابات التركية تجلس ساكنة عبر الحدود.
في الحقيقة، هناك ادلة قوية (جمعت من قبل جامعة كولومبيا) بان تركيا كانت “تساعد ماكنة حرب داعش تكتيكياً. “هناك ادلة تظهر بان تركيا، كما تقول توقعات الشرق الادنى (نير ايست اوت لوك) “سمحت للجهاديين من جميع انحاء العالم بالتدفق على سوريا من خلال الاراضي التركية؛” وأن تركيا كما يقول الصحفي تيد غالن كاربنتر “قد سمحت لداعش بشحن النفط من شمال سوريا الى تركيا لبيعها في الأسواق العالمية؛” وان ابن اوردوغان شارك مع داعش في بيع ذلك النفط، وهو “شريان حياة داعش المتمرسة في القتل”؛ وانه سمح لشاحنات الإمدادات بالعبور بحرية من تركيا في طريقها الى مقاتلي داعش. هناك “ادلة على مساعدات مباشرة،” كما تقول فوربس، “تزويد المعدات، جوازات السفر، التدريب، الرعاية الصحية، ويمكن اكثر من ذلك للإسلاميين المتطرفين؛” وإستناداً الى سفير امريكي سابق فإن حكومة اوردوغان ، قد عملت بصورة مباشرة مع جبهة النصرة التابعة للقاعدة في سوريا.
في حين تتظاهر تركيا بإتخاذ عمل عسكري ضد داعش، ومع هوسها بالأكراد، فقد قامت بقصف مدفعي شديد لوحدات حماية الشعب التابعة للكورد السوريين الذين يطردون جنود داعش من شمال سوريا. الاكراد هم اكبر مجموعة عرقية على الارض بلا وطن – 25 مليون مسلم سني يعيشون حيث تلتقي الحدود في كل من سوريا والعراق وايران وتركيا. شنت تركيا حرباً دموية اهلية لثلاثة عقود ضد 14 مليون من الاكراد – يقول حزب العمال الكوردستاني ان تلك الحرب كلفت حياة 40 الف شخص. آخر عملية سلام فشلت عندما قامت تركيا بإستهداف حزب العمال الكوردستاني، ساحباً جنوب شرق البلاد ثانية الى الحرب وما يقلق اوردوغان اكثر هو ان اكراد سوريا وتركيا سيوحدون قواتهم عبر الحدود التركية مباشرة. الكورد كما هم الاتراك ينظر اليهم من خلال عدسة من كانوا وليس من هم الآن. في عام 1997، اقنعت تركيا الولايات المتحدة بوضع حزب العمال على قائمة المنظمات الإرهابية، ويدعي اردوغان ان اكراد سوريا مذنبون بسبب علاقتهم بحزب العمال. ولكن في الحقيقة، فان وحدات حماية الشعب عملت عن كثب مع الولايات المتحدة ضد الإرهابي داعش وغيرها من الجماعات المتشددة، حتى ان الواشنطن بوست اشارت الى اعضاءها بـ(القوات بالوكالة للولايات المتحدة)، الاكراد سواء كانوا في سوريا او العراق او تركيا، وبكل المعايير هم المقاتلين الاشرس والاشجع على الأرض في الحرب على داعش، في كل من العراق وإيران، واكثر من ذلك فان المجموعة تمثل بديلاً للإسلامية الجهادية، وتجسد ما تم وصفه بـ(مستوى من تساوي الجنسين واحترام للعلمانية والأقليات وصيغة معاصرة ومعتدلة، وان تصور كهذا للإسلام، على الاقل يمكن ان يقال عنه بانه نادر في المنطقة.
حاولت الحكومة التركية إلقاء اللوم في التفجيرات الأخيرة في انقرة على وحدات حماية الشعب في محاولة لإقناع الولايات المتحدة في معارضة الكورد. اردوغان اليائس حاول العزف على إخلاص الغرب، واتهم الولايات المتحدة بأنها ستخلق بحراً من الدم في المنطقة بدعمها للاكراد، واصدر تحذيراً: وطالب بان الوقت قد حان للامريكان ليختاروا بين تركيا والاكراد.
انا لا استطيع ان اوافق اكثر من ذلك: حان الوقت للولايات المتحدة لإختيار الكورد على تركيا اردوغان.
المعارضون يجادلون بان الكرد غير مستعدين لنقل المعركة ضد داعش إلى ما وراء حدودهم، ولكن هذه تعطي الولايات المتحدة فرصة حقيقية. في مقابل محاربة داعش في جميع المنطقة فان تحالفاً دولياً يمكن ان يقدم للكرد دولتهم الخاصة بهم. الدولة الكردية ستكون حليفاً مهماً للولايات المتحدة في المنطقة وستلعب دوراً مهما في ملء فراغ القوة الذي الذي ظهر في الشرق الاوسط. بمساعدة الولايات المتحدة ستتمكن الدولة الكردية من استيعاب اللاجئين السوريين الذين ارهقوا نظام الهجرة في تركيا واوروبا. على المدى البعيد، ستلعب الدولة الكردية دور الشريك المناطقي المهم لإستقرار المنطقة وستؤسس لمثال قوي لنجاح الديمقراطية. بكلمات اخرى، ستلعب كردستان الدور الذي كانت تلعبه تركيا.
لقد قيل ان الفرق بان تكون اخيلاً وان تكون اخيلاً تقريبا هو الفرق بين الحياة والموت. يمكن لحلف شمال الاطلسي ان يستمر بدون عقب اخيل: لقد حان الوقت لطر تركيا وللأبد.
ستانلي وايس، مدير ابحاث ومؤسس منظمة مديري الاعمال للامن القومي في واشنطن، له كتابات واسعة في مواضيع محلية ودولية لثلاثة عقود.