محمد صلاح
يقول المثل «وقوع البلاء ولا انتظاره» وتبدو الحالة المصرية في ظل الأزمة السياسية الطاحنة والشارع الملتهب وكأن الناس دائماً ينتظرون بلاءً سيحل بهم، إذا اعتبرنا أصلاً أن ما هم فيه ليس بلاءً. وما جرى في تونس أمس جعل المصريين على يقين بأن الدور آتٍ عليهم لا ريب إذا ظلت أزمتهم من دون حل أو مقدمات لحل!
قد تكون وسائل الإعلام الرسمية المصرية أو الخاصة اهتمت أكثر بالقمة الإسلامية ووقائعها، ليس لطبيعة الموضوعات المطروحة فيها، أو لحجم الزعماء الذين شاركوا فيها، فما أكثر المؤتمرات الإسلامية والعربية التي عقدت في القاهرة أو في أي عاصمة أخرى، وما أكثر الخطب والكلمات التي ألقيت على مدى عقود من دون أن تحرك ساكناً أو تغير واقعاً أو تحسن مستقبلاً، وإنما كان الاهتمام تقليداً أو بحكم التعود، أو لكون القمة عقدت في ظل ظروف أمنية ومصاعب «لوجستية» غير مسبوقة، لكن الشارع في مصر بدا مهتماً بموضوع آخر يتجاوز حتى زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لمصر أو تداعياتها، بدءاً من الحفاوة الرسمية، أو الانتقادات الأزهرية له، أو الاعتداءات الشعبية عليه، ولو كانت فردية. كانت قلوب المصريين وعقولهم في تونس.
يقول المصريون منذ انطلاق ثورتهم في 25 كانون الثاني (يناير) العام 2011، إن تونس تسبق مصر بخطوة بل إنهم يصدقون ذلك بحكم ما جرى هناك ثم هنا! والمعنى مفهوم، لأن الثورة المصرية أسقطت نظام حسني مبارك بعدما أطاحت الثورة التونسية حكم بن علي، وكذلك لأن كل انتخابات أو استفتاءات مصرية بعد الثورة تفوق فيها الإسلاميون، كما حال تونس، ولأن الارتباك والفوضى والأزمات السياسية ضربت مصر بعدما عانى منها التونسيون أولاً، ولأن أداء الإسلاميين في السلطة في مصر لم يختلف كثيراً عن أداء «إخوانهم» في تونس. الآن يسأل المصريون أنفسهم: متى تبدأ عندنا مرحلة الاغتيالات السياسية؟ نعم، فجريمة اغتيال المعارض اليساري التونسي شكري بلعيد المنسق العام لحزب الوطنيين الديموقراطيين الموحد أمس، مثلت بالطبع فاجعة للتونسيين، وأثارت مخاوفهم من تطورات الأزمة السياسية هناك بعدما بدأت مرحلة التصفيات الجسدية، وصحيح أن الحدث قوبل باهتمام إعلامي وسياسي في أرجاء المعمورة، لكنه مثّل بالنسبة الى المصريين صدمة كبرى، فالعرض الأول دائماً يكون في تونس، وبعده يأتي موعد العرض في مصر!
لم يتوقف اهتمام المصريين بالحادثة عند خبر إلغاء الرئيس التونسي المنصف المرزوقي مشاركته في قمة منظمة التعاون الإسلامي التي التأمت أمس في القاهرة، مقرراً بشكل مفاجئ العودة إلى بلاده بعد مقتل بلعيد، فالأمر بالنسبة إلى المصريين يتجاوز الاهتمام الرسمي بمؤتمر يعقد في عاصمتهم ومن حضر ومن غاب من القادة، كما يتخطى التعاطف مع الشعب التونسي أو الحالة التونسية، وكذلك مشاعر الشفقة على مصير هذا البلد العربي، ولكنه امتد ليضرب قلوبهم ويقلب عقولهم ويجعلهم لا ينتظرون الفرج وإنما البلاء!
صحيح أن بعض المعارضين المصريين يعتبر أن موت الناشطين السياسيين أصحاب المواقف الواضحة والصريحة ضد حكم «الإخوان» قنصاً أثناء مشاركتهم في التظاهرات الاحتجاجية هو عملية قتل منظم وتصفية جسدية لهم بعدما تحول الأمر إلى ظاهرة في الأسابيع القليلة الأخيرة، لكنها جرائم محل تحقيق إلى أن تظهر نتيجته، كما أن ملابسات «استشهاد» هؤلاء ترتبط بوجودهم ضمن جموع في أماكن مختلفة، وتختلط بالصدامات التي تقع بين المحتجين وقوات الشرطة. لكن أكثر ما يخشاه المصريون ويعتقدون أنه سيدخل البلاد حرباً أهلية لا محالة، أن يتم استهداف الناشطين المعارضين، أو حتى المؤيدين، بعمليات قتل وإرهاب منظم وأن تكون واقعة اغتيال بلعيد في تونس النسخة الأولى مما سيجري إنجازه في القاهرة في وقت قريب، طالما ظل التسخين قائماً، والتحريض غالباً، والاحتقان سائداً، وطالما زادت المسافات بين الحكم (الرئيس حزباً وجماعة) من جهة، وبين المعارضين جميعاً باختلاف أطيافهم السياسية من جهة أخرى. فالعنف عند «الاتحادية» أو على مشارف «التحرير» زاد بزيادة العناد من جانب السلطة، والشهداء سقطوا واحداً بعد آخر عندما انسدت أفق الحلول السياسية، وبعدما اعتمد الحكم الحلول الأمنية وحدها.
ولا يمكن أن نغفل أن من بين أهم أسباب سخونة الأجواء في مصر المطالبة بقصاص لم يتحقق، إضافة إلى عشرات الأسباب الأخرى المعروفة للجميع، وإذا انفلت العيار ووقعت الواقعة لن تكون هناك مطالب بالقصاص وإنما عمليات لتحقيقه.
* نقلا عن “الحياة” اللندينة