قراءة في كتاب سحر الواقع The Magic of Reality
عالم البايولوجي البريطاني / د. ريتشارد داوكنز
مقدمة :
شاهدتُ مؤخراً على قناة
DW
(دويتشه فيله العربية),فلماً علميّاً مُختصراً عن تجارب أجراها العُلماء في السنوات الاخيرة لإختبار ذكاء بعض الحيوانات .والتركيز على كيفية إستخدامها لمواد وأدوات مختلفة . ومقارنة النتائج مع بدء إستخدام الإنسان للأدوات !
تضمّن الشريط تجارب على بعض أنواع القرود (تُساعد بعضها) بإستخدام صناديق فارغة تضعها فوق بعضها ,لتجعلها سُلماً للوصول الى الموز .
ونوع آخر من القرود هو الشمبانزي ,قام بتركيب عصا من جزئين ليزيد من طولها لتفي بالغرض (جلب طعام يصعب الوصول إليه) !
وتجربة عن غراب (وهو واحد من أذكى الطيور) ,يقوم بإستخدام حجر يضعه على مكان مُحدّد في قفص ليضغط على عتلة تقوم بدورها بفتح باب القفص ليصل الى طعامٍ معيّن وُضع هناك كمكافئة له !
وتجارب عديدة على الكلاب وكيفيّة تقبّلها للنظام والأوامر البشرية !
وكثير من هذه الأمثلة التي تجعل المشاهد العادي مُتسمّراً في مكانه, مُتعجباً من ذكاء هذه المخلوقات التي كنّا نظنّها غير قادرة على التفكير !
الأجمل من ذلك هو عمل العُلماء الدؤوب بلا ملل ,في كلّ خطوة .
فهم يجرّبون مراقبة الحيوان ساعات طويلة (أحياناً أيام) واضعين كاميراتهم لتُسجّل كلّ حركة وسكنة ونَفَسْ وصوت للحيوان !
ثم يعيدون نفس التجربة لكن بعد تغيير شيء بسيط فقط ,كأن يقربون وضع الحَجر (في حالة تجربة الغراب) قرب فتحة القفص ,لينتبه الغراب الى مايمكن أن يساعده في مهمته بالحصول على الطعام !
لا أنوي الإطالة في هذه المقدمة .فقط وددتُ جلب إنتباهكم الى الفرق بين طريق العِلم وسلوك العُلماء ,مقارنة بالطريق الآخر (الأديان) الذي إكتفى رجالهِ (بالنقل من دون العقل) للتراث الأصفر !
بحيث حتى لو ظهر من بينهم رجلٌ رشيد (كالمصري إسلام البحيري)
يريد محاكمة النصّ (عندما يكون مُخالف لكل نواميس الطبيعة والذوق وغير قابل للتصديق كُليّاً) ونقاش سيرة الرجال الذين دوّنوه .تقوم الدُنيا عليه وتجتمع كلّ طواغيت التطرّف لمحاكمتهِ !
فكيف ستنهض بلادنا البائسة في ظلّ عدم وجود قوانين تحمي الفكر والعقل البشري من التجريم والتكفير ؟
الآن أستمر معكم في قراءة هذا الكتاب العِلمي النافع ,في هذا الجزء الثامن مواضيع علميّة متفرقة ذات علاقة بحياتنا وبالكون أجمع !
***
ص 101 / لماذا الليل والنهار / الشتاء والصيف ؟
تخضع حياتنا لهيمنة إيقاعين رئيسين ,أحدهما أبطأ كثيراً من الآخر !
الإيقاع السريع هو التبادل اليومي لليل والنهار الذي يتكرّر كلّ 24 ساعة !
الإيقاع البطيء هو التبادل السنوي بين الشتاء والصيف ,الذي له زمن تكراري يزيد قليلاً عن 365 يوم !
هناك مئات الأساطير في جميع بقاع العالَم تخّص هذين الإيقاعين !
معظم تلك الأساطير تشترك في ملمح عام هو التالي :
تقع حادثة معيّنة أو خطيئة كبرى من البشر ,فتحتجب الشمس عن الظهور
لكن بعد مدّة معيّنة تحدث حادثة أخرى تعيد الشمس الى طبيعتها !
لكن ما الذي يؤّدي حقّاً الى حدوث الإيقاعين ؟
يتضحُ الإيقاع الفصلي من دوران الأرض مرّة في السنة حول الشمس ,
على مسافة تبلغ 93 مليون ميل !
بينما يتبيّن الإيقاع اليومي من دوران الأرض حول نفسها مرّة بعد أخرى مثل كرة تدور حول محورها !
الوهم الذي نشعر به من حركة الشمس النسبيّة في السماء ,يشبه الوهم الحاصل في محطة القطارات عندما نشعر فجأةً بأنّ قطارنا بدأ يتحرّك ,
بينما يكون في الواقع القطار الآخر على الرصيف المُقابِل ,هو الذي تحرّك في الإتجاه المُعاكس !
قد يكون من الصعب توضيح الفرق بين الحركة الظاهرية والحركة الحقيقيّة .لكن سيكون ذلك متيسراً لو بدأ قطارك حركته بجلبة واضحة !
إنّما يتعذّر ذلك لو تحرّك القطار بنعومة ويُسر بالغين !
وعندما يجتاز قطارك قطاراً يسير بسرعة بطيئة فقد تخدع نفسك أحياناً بالإعتقاد أنّ قطاركَ لايزال ساكناً ,بينما الآخر يعود للخلف ببطىء !
يحدث الأمر نفسه مع الشمس والأرض !
الشمس لا تتحرّك فعليّاً في سمائنا من الشرق الى الغرب !
مايحدث في واقع الأمر أنّ الأرض ,شأنها في ذلك شأن كلّ شيء في الكون (بما فيها الشمس نفسها لكنّنا نستطيع التغاضي عن ذلك) تدور وتدور وتدور !
من الناحية التقنيّة نقول أنّ الأرض تدور في حركة مِغزَليّة حول محورها (الذي يمكن تخيّله بشكل خط مستقيم يمّر خلال كوكب الأرض من القطب الشمالي الى القطب الجنوبي) !
الهواء الذي نتنفسهُ يدور معنا ,فإن لم يكن يدور لشعرنا به كريحٍ عاصفة !
لأنّنا ندور بسرعة تصل الى ألف ميل/ساعة (هذه عند خط الإستواء) .
ويتضّح أنّ سرعة الدوران تقّل بقدرٍ محدود كلّما إقتربنا من القطبين ,ذلك لأنّ الأرض التي نقف عليها ليست على شكل دائرة تامة حول محور !
ونظراً لكوننا لانستطيع الإحساس بالحركة المغزليّة لكوكب الأرض كون الهواء يدور معنا (هذا يشبه حركة القطارين) ,فالوسيلة الوحيدة لمعرفة أنّنا نتحرّك هي أن ننظر الى الأشياء التي ليست في حركة مغزلية معنا ,
أشياء مثل النجوم والشمس .فما نراهُ هو الحركة النسبيّة ,أيّ كأنّنا واقفين والشمس والنجوم هي التي تتحرك !
هنا يبرز السؤال التالي : إذا كانت الأرض تدور بحركة مغزلية بسرعة ألف ميل بالساعة ,فلماذا عندما نقفز عالياً في الهواء لا نسقط في مكان مُختلف ؟ الجواب تجده عندما تكون داخل قطار يسير بسرعة 100 ميل بالساعة ,ثمّ تقفز وتنزل في نفس مكانك ! هذا لأنّ كلّ شيء يتحرّك معك الى الأمام بالمعدّل نفسه !
بالطبع لو تغيّرت سرعة القطار فجأةً خلال قفزاتك ,فسوف تنزل في نقطة مختلفة ,كون معدل السُرَع إختلفت في هذه الحالة !
***
ص 110 / طريقة عمل الساعة والتقويم الزمني !
الليل يفسح المجال للنهار ,والنهار يفسح المجال لليل حسب جزء العالم الذي تصادف وجودنا فيه ,إن كان يدور لمواجهة الشمس أو العكس إن كان يدور لإظلام جزئي في حالة دراميّة !
الفرق بين الليل والنهار يتسم بالإثارة ,حتى أنّ معظم الحيوانات يُمكن أن تنمو بقوّة إمّا في الليل ,أو في النهار ,وليس في كليهما !
ينام البشر والطيور خلال الليل ويمارسون نشاطهم في النهار.بينما العكس يحدث مع القنافذ والنمور الامريكية (جاكوار) والعديد من الثدييات !
كذلك (وبنفس الطريقة) للحيوانات وسائل متباينة للموائمة مع التغيّرات بين الصيف والشتاء .فثمة أعداد كبيرة من الثدييات ينمو لها غطاء طبيعي كثيف أشعث لمواجهة الشتاء ,وتتخلص منه في الربيع !
الكثير من الطيور والثدييات تهاجر أحياناً امسافات هائلة لتقضي الشتاء قريباً من خط الإستواء ,ثم تهاجر عائدةً الى خطوط العرض العليا في أقصى الشمال أو الجنوب خلال الصيف !
وهناك وسيلة أخرى لدى بعض الحيوانات لتتجنب فارق الحرارة بين الصيف والشتاء هو السبات !
ولفهم الأسباب العِلمية لفارق الحرارة على سطح كوكبنا بين الصيف والشتاء ,نحتاج فهم بعض الامور العامة عن النظام الشمسي !
***
ص 112 / الى المدار !
لماذا تبقى الكواكب في مدار مُعيّن حول الشمس ؟
تمّ فهم ذلك لأوّل مرّة على يد أحد أعظم العلماء شهرةً هو السير إسحق نيوتن في القرن السابع عشر عندما أوضح أنّ كلّ المدارات محكومة بالجاذبية .نفس قوة الجاذبية التي تجذب التفاح الساقط نحو الأرض لكن بمقياس أكبر .(بالمناسبة القصة التي تقول أنّ الفكرة واتت نيوتن عندما إرتطمت تفاحة برأسهِ قد تكون غير حقيقيّة) !
على قمة جبل شاهق جداً ,قرب البحر .. تخيّل نيوتن مدفع يقذف إطلاقاتهِ إفقياً بإتجاه البحر .هكذا بدأت قصة الجاذبية معه !
كلّ قذيفة يتّم إطلاقها يبدو أنّها تبدأ حركتها إفقيّاً ,لكنّها في الوقت نفسه تسقط بإتجاه البحر ! والجمع بين الحركة فوق البحر والسقوط في البحر يُسفر عن مُنحنى تام هابط يصل ذروته في بقعة مُعيّنة !
هنا من الضروري أن نفهم أنّ القذيفة تكون في حالة سقوط على الدوام ,
حتى في الجزء الأفقي من المنحنى (بل من اللحظة التي تغادر فيها فوهة الماسورة) .بمعنى أنّها لاتسير أفقيّاً في وضعٍ مستوٍ لفترة ,ثمّ تُغيّر رأيها فجأةً فتسقط مثل شخصية كارتونية !
الآن لنتخيّل (ولبضعة مرّات) ,أنّنا بصدد مدفع أضخم من الأوّل وبقوّة أكبر بكثير من السابق ,بحيث يصل الحدّ الى إندفاع القذيفة للسفر في مسار طويل حقّاً قبل سقوطها في البحر !
الآن يبدأ إنحناء الأرض في التعبير عن الإحساس بوجوده !
لا تزال القذيفة في حالة سقوط في إجمالي الزمن ,لكن نظراً لكون سطح الكوكب منحنٍ ,فكلمة أفقي تكتسب الآن معنى غريب لحدٍ ما !
نعم ماتزال قذيفة المدفع تتبع مساراً مُنحياً تاماً كما في السابق .لكن نظراً لكونه ينحني ببطء تجاه البحر ,والبحر نفسه ينحني بعيداً عنه لكون الكوكب مستدير ! لذلك يلزمنا وقت أطول كي تسقط قذيفة المدفع في بقعة في البحر .فالسقوط مستمر طيلة الوقت لكنّهُ سقوط حول الكوكب !
***
ص 113 / الساتالايت !
لاحظ الطريقة التي يدور بها هذا الجدل والى أين سيوصلنا !
نحنُ الآن نتخيّل مدفعاً يبلغ من القوّة حدّاً يمكنه إبقاء القذيفة في حالة دوران حول الأرض حتى تعود الى نقطة إنطلاقها .إنّها لاتزال في حالة هبوط ,لكن مُنحنى هبوطها يُماثل إنحناء الأرض ,حتى أنّه يأخذ مساره مباشرةً حول الأرض ,دون أن يقترب بأيّ درجة من البحر !
أصبحت قذيفة المدفع الآن في مدار وستداوم على الدوران حول الأرض لزمن لانهائي ,بفرض عدم وجود مقاومة للهواء تتسبب في إبطاء السرعة.
(لكن مقاومة الهواء موجودة في الواقع) !
سوف تستمر القذيفة في حالة الهبوط ,لكن منحنى الهبوط التام طويل المدى .هذا سيتواصل مساره حول الأرض مرّة بعد أخرى .وسيكون كأنّهُ نموذج لقمر صغير .في الواقع تلك هي حقيقة عمل الساتالايت !
إنّها أقمار صناعيّة تكون دائماً في حالة هبوط ,لكنّها لاتسقط أبداً !
تلك الأقمار التي تُستخدم في بثّ المُكالمات الهاتفيّة البعيدة أو الإشارات التلفزيونية ,تكون في مدار خاص يُسمّى مدار المحطة الأرضيّة !
هذا يعني أنّ معدّل دورانها حول الأرض قد تمّ ترتيبه ببراعة ليُماثل تماماً نفس مُعدّل دوران الأرض حولَ محورها !
بمعنى أنّها تدور حول الأرض مرّة كل 24 ساعة !
المقصود بهذا لو تأمّلتَ القول ,أنّ تلك الأقمار تلحق دائماً فوق نفس الموقع تماماً على سطح الأرض .ذلك هو السبب في كونك تستطيع توجيه طبق الساتالايت بدّقة نحو قمر صناعي مُحدّد يبّث الإشارة التلفزيونيّة !
***
ص 114 / الفرق بين الكتلة والوزن !
عندما يكون جسم ما (مثل محطة فضاء) في مدارٍ معيّن ,فإنّه (يهبط) طيلة الوقت .وكلّ الأجسام في محطة الفضاء سواءً مانراها خفيفة أم ثقيلة الوزن تكون في حالة هبوط بنفس المُعدّل .وهذا موضع مناسب نستطيع التوّقف عنده لحظة لشرح الفرق بين الكتلة والوزن !
جميع الأجسام الموجودة في محطة فضائيّة أثناء دورانها تكون عديمة الوزن .إنّما لاتكون عديمة الكتلة !
الكتلة تعتمد على عدد البروتونات والنيوترونات المحتواة في الجسم !
أمّا الوزن فهو تأثير قوّة الجاذبيّة على كتلة الجسم !
على سطح الأرض نستطيع إستخدام الوزن لقياس الكتلة ,لأنّ تأثير قوّة الجذب تقريباً مُتعادل في كلّ مكان !
لكن نظراً لكون الكواكب الأخرى (الأكبر كتلة),يكون تأثير جاذبيتها أكبر,
بالتالي يتغيّر الوزن عليها إعتماداً على الكوكب نفسه !
معناها تبقى كتلة الجسم كما هي أيّاً ما كان الكوكب ,بينما يتغيّر وزن الجسم حسب جاذبية ذلك الكوكب !
لذلك في المحطة الفضائية نجد أنّ كتلة معيّنة عديمة الوزن لأنّها (ومعها الميزان) في حالة هبوط بنفس المُعدّل (أو ما يُسمّى السقوط الحُرّ) ,حتى أنّها لاتبذل ايّ ضغط على آلة الموازين ,وهنا يُسجّل مؤشر الميزان تلك الكتلة على أنّها بلا وزن !
ولمن مازال لم يفهم الفرق بين الكتلة والوزن فالمثال التالي سيفي بالغرض
في محطة الفضاء تكون كتلة قذيفة مدفع مثلاً ,أكبر بكثير من كتلة بالونة
(كما هو واقع الحال بينهم على سطح الأرض) !
لكن وزن كليهما في محطة الفضاء سيكون متساوي ويقرب من الصفر !
***
ص 116 / القطع الناقص والجاذبية الهاربة !
العالم الألماني الكبير (جوهانز كيپلر) الذي كان على قيد الحياة قبل نيوتن مباشرةً ,أوضح أنّ المسار المُنحني للأجسام التي تدور حول أجسام أخرى في الفضاء ليس دائريّاً تماماً ,إنّما له شكل آخر يعرفه علماء الرياضيّات منذُ عصور اليونان القديمة ,على أنّه قطع ناقص
ellipse
يقرب من شكل البيضة !
ملاحظة: شرح هذا يطول لذا سأتجاوزه ,فالغرض منه أن نفهم ,أنّ مُعظم الكواكب تتخذ مدارات حول الشمس بشكل قطوع ناقصة شبه دائرية !
***
ص 121 / المُذنّب هالي !
المُذنّب الأكثر شهرة (هالي)
Hally ,
نستطيع رؤيتهِ فقط عندما يكون في أقرب نقطة من الشمس !هو يعكس ضوء الشمس ويأخذه مداره (الذي هو على شكل قطع ناقص) بعيداً عن كوكبنا جداً .بحيث يعود الى جوارنا مرّة واحدة فقط كلّ 75 الى 76 عام !
ولقد شاهدته بنفسي (يقول ريتشارد داوكنز) عام 1986 ,وأريته آنذاك لطفلتي (جوليت) وهمستُ في إذنها (دون أن تفهم ما أقول بالطبع ,لكنّي بصورة يصعب السيطرة عليها همستُ لها على أيّة حال) ,بأنّني لن أرى هذا المشهد مرّة ثانية على الإطلاق !
لكن أتمنى أن تسنح لها فرصة ثانية لتراه عندما يعود عام 2061 !
بالمناسبة فإنّ ذيل هذا المذنّب هو خط طويل من الغبار لكنّه لايندفع خارجاً خلف رأس المُذنّب كما قد نظّن .بدلاً من ذلك فإنّهُ (ينفجر) بواسطة تيّار من الجُسيمات الدقيقة قادمة من الشمس ,نطلق عليها إسم الرياح الشمسيّة !
لذلك فإنّ ذيل المُذنّب على الدوام يتجه بعيداً عن الشمس ,بصرف النظر عن المسار الذي يتخذه المُذنّب ! وثمّةَ إفتراض مُثير كان مقصوراً من قبل على قصص الخيال العِلمي لكنّهُ وضع الآن موضع التنفيذ من مهندسي الفضاء اليابانيين .هو إستخدام الرياح الشمسيّة في دفعِ سفينةِ الفضاء المُجهّزة بـ (عمليّات الإبحار) العملاقة !
ومثل اليخوت المُسافرة في البحار عند إستخدامها للرياح الحقيقية ,فإنّ اليخوت الفضائية العاملة بالرياح الشمسيّة ,من الناحيّة النظريّة قد تمدّنا بوسيلة إقتصاديّة للغاية للسفر الى عوالم بعيدة !
***
ص 122 / نظرة من جانب واحد الى الصيف !
الآن بعد أن فهمنا ماهيّة المدارات يمكننا العودة الى التساؤل حول السبب في أنّ لدينا شتاءً وصيفاً !
بعض الناس يعتقدون خطأً أنّ فارق الحرارة بين الصيف والشتاء يحدث بسبب كوننا قريبين من الشمسِ في الصيف ,بعيدين عنها في الشتاء !
ذلك تفسير جيّد لو كان للأرض مدار مثل مدار(بلوتو) .في الواقع كلاً من الشتاء والصيف في بلوتو ,أكثر برودة بكثير من أيّ حالة تمر بنا !
(كان المؤلف قد تحدّث عن مدار وحالة بلوتو المختلفة عن الأرض)
مع ذلك فإنّ مدار الأرض غالباً دائري الشكل ,وبالتالي لايُمكن لإقتراب الكوكب من الشمس أن يكون سبباً في تغيّر الفصول !
جدير بالذكر أنّ الأرض تكون بأقرب نقطة من الشمس فعلياً (البريهليون) في شهر يناير ,بينما أبعد نقطة (الافيليون) تحدث في يوليو !
لكن المدار المُتخّذ شكل القطع الناقص والذي يكون (أقرب كثيراً للشكل الدائري) يؤّدي الى عدم وجود فارق ملحوظ !
حسناً ..ماسبب التغيّر إذاً من الشتاء الى الصيف ؟
ثمّةَ شيء مختلف تماماً .فالأرض تدور حول محور وهذا المحور مائل !
وهذا الميل هو السبب في الفصول التي لدينا ,ولننظر كيف يحدث هذا .
محور الأرض يشبه محور العربة ,يمّر مباشرةً خلال الكوكب ويبرز عند القطب الشمالي والقطي الجنوبي !
الآن لنفكر في مدار الأرض حول الشمس على أنّه عجلة كبيرة جداً ,
يمّر بها محورها ,وفي هذه المرّة يدور المحور خلال الشمس ويبرز عند القطبين الشمالي والجنوبي للشمس !
أصبح لدينا محورين ,ويمكن أن يكونا متوازيين تماماً بحيث لا يكون للأرض أيّ مَيل .في هذه الحالة ستبدو شمس الظهيرة متجهة مباشرةً الى خط الإستواء .ويكون طول الليل والنهار متساوٍ في أيّ مكان ,ولن تكون هناك فصول ,وتظل حرارة خط الإستواء مرتفعة على الدوام .بينما تقّل الحرارة كلّما إبتعدنا عن خط الإستواء بإتجاه أحد القطبين !
لكن واقع الحال أنّ المحورين (محور دوران الأرض حول نفسها ومحور دوران الأرض حول الشمس) ,ليسا متوازيين !
فالمحور الاوّل في وضع مائل بالنسبة للمحور الثاني .وهذا المَيل مقداره
(23,5 درجة) .وهذا يُفسّر لنا وجود الشتاء (عندما يكون جزء الكوكب مائلاً بعيداً عن الشمس) ,بينما الصيف (عندما يكون مائلاً بإتجاه الشمس).
ملاحظة: إنحراف المحورين في كوكب أورانوس يصل الى 90 درجة !
وهذا المَيل نفسه يُفسّر سبب عدم غروب الشمس عن القطب الشمالي للأرض خلال منتصف الصيف ,لكنّها لاتكون عمودية بالطبع .وتبدو كأنّها تدور في شكل حلقي حول السماء نظراً لدوران الارض ,لكنّها لا تغطس بكاملها فيما وراء الأفق !
وهذا مايحدث أيضاً في أنحاء الدائرة القطبيّة .فإذا وقفتَ شاخصاً على الدائرة القطبيّة لنقُل على قمّة مرتفعة (شمال غربي آيسلندة) منتصف يوم صيفي ,فسوف ترى الشمس تنزلق مُسرِعة على طول الأفق الشمالي في منتصف الليل ,إنّما لا تغرب تماماً !
ثمّ تتحرّك حلقيّاً حول أعلى موضع لها (لاتكون بالغة الإرتفاع) في منتصف النهار !
(أخشى أن يأتي الآن زغلول النجار ليقول أنّ كلّ ذلك وأضعافه موجود لدينا كإعجاز علمي يستطيع هو وحده إستنباطه ,ويستدل على ذلك بالآية التي تقول أنّ الشمس تغرب في عين حمئة) !
إنتهى الجزء الثامن !
***
الخلاصة :
القراءة العِلميّة تساعدنا في فهم كلّ شيء يدور حولنا على كوكبنا الأزرق
فهم تلك الأشياء ينفعنا كثيراً في إتخاذ القرار الصحيح وتحسين تفاصيل حياتنا ,بدءً من الأكل والنمو والصحة والتكاثر ,وإنتهاءً بالعمل والنهوض الحضاري والرفاهيّة والإستمتاع بتفاصيل هذه الحياة .
أنا أعلم عن كثب أنّ ذلك يُشكّل فارقاً في طريقة المعيشة ودرجة السعادة . كوني قد جرّبتُ كلا الطريقين المتناقضين :الدين والعِلم !
***
رابط موضوع المقدمة : أدوات تستخدمها الحيوانات للتكيّف مع بيئتها !
http://www.wasse3.com/2011/09/tool-use-by-animals/
تحياتي لكم
رعد الحافظ
20 أغسطس 2015