ج 2 / سقوط الإسلام السياسي ونهوض العقل العربي !

لوحة الجورنيكا لبيكاسو

لوحة الجورنيكا لبيكاسو

(قراءة في كتاب سقوط العالَم الإسلامي ,للمفكر المصري حامد عبد الصمد)

مقدمة :
العلاقة الجذريّة بين الإسلام والعرب واضحة لا تحتاج للتعريف !
ليس فقط لكون الإسلام إنبثقَ من بين ظهراني العرب وأرضهم .لكن لأنّ اللغة العربية التي هي لغة القرآن وكتب التراث الأصفر ,هي (بأعتراف المشايخ) صعبة الفهم حتى على العرب أنفسهم ,بحيث يتّهمون 99% منهم بعدم الفهم ,بل الجهل في قراءة

النصوص التأريخيّة وتفسيرها !
وبالتالي تبقى حيرتي الأزليّة في هذا الصدد قائمة :
كيف يندفع (غير العرب) كالفرس ,الهنود ,الأتراك ,الأكراد ,الأمازيغ
وحتى الشيشان ,الى إعتناق الإسلام ,ثمّ التشدّد في تفسير نصوصه بطريقة قد تقود لاحقاً الى أن يُصبح بعض هؤلاء ذبّاحين محترفين ؟
من جهة ثانية ,فأنا ما زلتُ عند إعتقادي بأنّ ما حدثَ في مصر في 30 يونيو 2013 بخروج تلك الملايين من الشعب المصري النبيل (سواءً كانوا حقّاً 30 مليون أو حتى 3 مليون) لعزل الرئيس الإخواني (محمد مرسي) وحزبه وعشيرته من حُكم مصر في تلك السنة السودة بكلّ المعايير ,هو بداية النهاية للإسلام السياسي في كلّ مكان !
تفسير ذلك عندي :أنّ ما يسقط في مصر لا يقوم في غيرها !
وفي هذا الخصوص لديّ إعتراف صغير أقدّمه للشباب المُسلم خاصةً :
في صغري مارستُ العبادات الإسلامية والتردّد على المساجد وسماع خُطب الواعظينا .أكثر ما دفعني لذلك أصوات (قرّاء القرآن) المصريين الفطاحل ,أمثال :محمد رفعت والحصري ومصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد والآخرين .ناهيك بالطبع عن الفنّ والأدب والثقافة المصرية عموماً,جمالها وسلاستها التي تسلب القلب والعقل معاً من المشاهد العربي البائس !
الآن أستمر معكم في قراءة كتاب سقوط العالم الإسلامي !
***
ص 36 / معاييرنا المزدوجة !
على طول الخط ,نسمع جماعات الإسلام السياسي تبكي وتشتكي من ظُلم الآخرين (الكفّار) لنا .ولا مرّة إعترفوا أو ناقشوا إمكانيّة كونهم يفعلون أسوء من ذلك .لقد نسينا أنّ مَنْ يُطالب الآخرين بإحترام مقدساته لا بد أن يكون هو نفسه مثالا لإحترام مقدسات الآخرين !
اُنظر حولك عزيزى القارئ المسلم ثمّ فتّش فى ضميرك أولاً كيف تنظر إلى بقرة الهندوسي وتمثال بوذا والأناجيل الأربعة وكتاب أقدس البهائي؟
هل فكرت مرّة أنّ إسلوبك فى الكلام عن مقدساتهم قد يجرح مشاعرهم؟
***
ص 37 / فقدان الثقة بالنفس :ماذا حدث,كيف وصلنا إلى الحضيض؟
في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية بين القرن الثامن والقرن الحادي عشر الميلادي ,كانت تسود حالة من الثقة بالنفس .لم يلتفت المسلمون حينها لنقدٍ أو ذم غير المسلمين .بل أنّ الخليفة العباسي كان يُنظّم في بلاطه مسابقات للهجاء ينتقد فيها شعراء اليهود والمسيحيين والمسلمين ديانات بعضهم ,دون أن يخشى أحداً منهم سيف التكفير والقتل !
لم يكن المسلمون يعاملون الأقليات على أنهم خطراً مُحدقاً .بل إستفادوا من خبراتهم وأعطوهم فرصاً لتحقيق ذواتهم .فكان لذلك أثراً بالغاً في تطور الثقافة والعلوم الإسلامية .إنتشرت فى تلك الفترة الحانات والأشعار الإيروتيكية وحتى أشعار الزندقة ,دون أن يخشى المسلمون على دينهم . أمّا اليوم فقدْ فقدَ المسلمونَ تلك الثقة بالنفس .صاروا ينظرون بعين الحذر والتوّجس إلى كلّ ما هو غير إسلامي .صاروا يضيّقون الخناق على الأقليات الدينية ويترقبون كل همسة تصدر عن الغرب !
بالطبع حالة الترقب وسوء الظن هذه صارت مُتبادلة بين الشرق والغرب
ولعل حادثة مقتل المصرية مروة الشربيني المؤلمة بإحدى قاعات العدالة
بألمانيا ,هي أحد الدلائل لنتائج تلك الحالة .تألمّتُ عند سماع الخبر ,لكني لم أتعجب ! بل عجبتُ أنّ مثل هذه الحادثة لم تحدث من قبل بهذه الصورة البشعة ,رغم أن تجارة الخوف من كل ما هو عربي أو مسلم تجارة رائجة رابحة فى ألمانيا منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 .خاصة منطقة شرق ألمانيا التى وقعت فيها هذه الجريمة ,والتي تشتهر بمعاداة الأجانب حيث أنّها حديثة العهد باستضافة أصحاب البشرة الداكنة !
فقد ظلّت أربعين عاماً مغلقة خلف سور برلين ,غارقة فى حلم شيوعي ساذج .أفاقت منه على كابوس إفلاس دولة ألمانيا الشرقية !
وما زالت هذه المنطقة حتى بعد ربع قرن من إعادة توحيد ألمانيا تعاني من مشكلات إقتصادية كبيرة ونسبة بطالة عالية .ممّا مهّد الطريق أمام أنصار النازيين الجُدد للترويج لفكرة أنّ كثرة الأجانب هي السبب وراء وضعهم الاقتصادى المتدنّي !
***
ص 38 / تأريخ طويل من سوء الظنّ!
تجارةُ الغضب رائجة في بلادنا ,وحادثة (مروة الشربيني) تعكس سوء الظنّ الكبير بالغرب .كأنّنا كنّا ننتظر مثل تلك الحادثة لنعلن شكوكنا ونصّب لعناتنا على الغرب وندعو الى مقاطعة ألمانيا وبضائعها .
يؤلمنا ويحزننا الكثير ممّا يحدث في بلادنا .لكن لا يُحرّك عواطفنا شيء أكثر من إهانة يوجهها الغرب لنا !
العديد من السيّاح الألمان قُتلوا في بلادنا في هجمات إرهابية مقصودة .
لكن لم يُطالب الرأي العام هناك بمعاقبة مصر ووقف السياحة إليها .
وخير مثال في هذا الصدد الطالبة الفرنسيّة (سيسيل فانيير) التي كانت إحدى ضحايا الكراهيّة والتطرّف ,والتي لقت مصرعها في إنفجار بحيّ الحسين (قبل شهور من مقتل مروة الشربيني في دريسدن) .
وبالطبع لم تخرج تظاهرات في فرنسا تطالب بالإنتقام الشديد من مصر !
[أمّا حادث قتل السفير الأمريكي في ليبيا كريس ستيفن وأربعة من مساعديه عام 2012 على يد جماعة أنصار الشريعة ,إحتجاجاً على عرض فيلم في أمريكا إعتبروه مُهيناً لنبي الإسلام.متناسين موقف وجهود هذا السفير نفسه في الدفاع عنهم وحثّ حكومته للتدخل عشية شنّ القذافي هجوم بالطائرات توّعد فيها وإبنه سيف الإسلام بإبادة الثوّار في بنغازي عن بكرة أبيهم مهما كان عددهم / فتلك حادثة تحتاج كتاب خاص بها] !
***
ص 40 / الخطوط الحمراء !
(معركة الرسوم المسيئة للإسلام ,أو حوار مع عدو)
سألتُ (فلمنج روز) رئيس القسم الثقافي في الجريدة الدانماركيّة (يولان بوستن) وصاحب فكرة وقرار نشر رسوم الكاريكاتير عام 2005 :
كيف نتعامل مع قضية التصادم بين حرية التعبير وإحترام مقدسات الآخرين ؟ مَنْ يمتلك الحق فى خلق الخطوط الحمراء أو إذابتها ؟
أجابني بما يلي :
من الممكن أن نعقد مع بعضنا صفقة تحترم أنت كلّ مقدساتي ولا تذكرها بسوء مقابل أن أحترم أنا كلّ مقدساتك ولا أتعرض لها بالسب أو الانتقاد!
نظريا ستكون هذه طريقة جيدة ,إنّما صعبة التنفيذ على أرض الواقع وتتنافى مع طبيعة البشر .فما أكثرها مقدساتي ومقدساتك ومقدساته !
وكم تُستغل هذه المقدسات كذريعة للضغط والإبتزاز !
إذا أردنا أن نحيّا حياةً طبيعية خالية من التشنّج علينا أن نُقلل من الخطوط
الحمراء لا أنْ نزيدها.علينا أن ننتبه إلى أن المستبدين يستغلون هذه الخطوط لإسكات معارضيهم !
***
ص 44 / لوحة ((الجورنيكا)) لبيكاسو !
لم أكتفِ بمقابلتي (فلمنج روز) بل ذهبتُ الى مرسم (كورت فسترجارد) نفسه ,صاحب الرسوم الكاريكاتيرية المُسيئة للإسلام .وأجريت معه حواراً للتلفزيون الألماني بعد محاولة إغتياله الفاشلة على يد شاب صومالي يتمتع باللجوء الإنساني فى الدانمارك !
تحدثتُ معه عن صورة النبي والقنبلة العالقة فى عمامته وما يقصد بها !
فحكى لي قصة الرسام الإسباني ( بيكاسو) الذي إستوقفه جنود النازي
وسألوه إن كان هو مَنْ رسمَ لوحة الجورنيكا الشهيرة ؟
أجابهم بيكاسو مبتسماً : بل أنتم الذين رسمتموها !
كانت عبارة بيكاسو تلك إشارة الى دور النازيين القذر في الحرب الأهليّة الإسبانيّة .التي عَبّرت لوحة الجورنيكا عن بشاعتها !
ما أراد (فيسترجارد) قوله ,أنّه ليس مَنْ صَوّرَ نبي الإسلام بهذا الشكل
إنّما المسلمين المتطرفين الذين يفجرون أنفسهم بين الناس هم مَنْ فعلَ ذلك بتصرفاتهم .وهم وحدهم القادرون على محو القنبلة العالقة في عمامة نبيّهم !
***
ص 48 / الخروج على الحاكم !
لقد جاء الفكر السنّي على هوى سلاطين بني أمية الذين إغتصبوا الخلافة وكانوا بأمسّ الحاجة لمن يضفي الشرعية على حكمهم المبني على مبدأ التوريث ,ولاعلاقة له بالشورى كما كان جارياً عهد الخلفاء الراشدين !
منذ ذلك الحين فإن الدعاء للحكام والسلاطين من فوق المنابر صارَ جزءً لا يتجزأ من صلاة الجمعة .ومع مرور الزمن تطور مبدأ حاكمية الله على الأرض فى عهد العباسيين والفاطميين .وهذا مبدأ كان يعرفه الفرس والمصريون القدماء يقول إنّ الله يحكم من خلال الحاكم الذى يعتبر روح الله أو ظلّه على الأرض !
هكذا صار إسم الحاكم وإسم الله ملتصقين عند بعض السلاطين مثل المعتصم بالله والمنتصر بالله والحاكم بأمر الله !
ربّما يُفسر ذلك تاريخ الدكتاتورية فى بلدان المسلمين .فمن ينظر اليوم إلى معظم حكامهم سيجد أنهم يقلدون الإله المعصوم الذي لا يقبل شريكاً فى المُلك ,ولا يُسأل عما يفعل .يُدخِل من يشاء فى رحمته ,يحيي ويميت وهو على كل شىء قدير !
هكذا صار الدين يُشكَّل على هوى الحاكم ,فكان الإسلام دين الخلافة فى زمن العثمانيين .ثم صار اشتراكياً فى عصر عبد الناصر .كما كان دين حرية المُلكية الشخصية وصارت فوائد البنوك حلالاً فى زمن الإنفتاح.
وكان دين الجهاد قبل حرب أكتوبر.ودين السلام بعد كامب ديفيد !
لكنّهُ أبداً لم يكن دين الحُريّة والثورة على الحاكم ,إلا مؤّخراً (بتأثير أجهزة الحضارة الاوربية ,كالإنترنت الموبايل الساتلايت وما شابه) !
(إنتهى الجزء الثاني من تلخيص هذا الكتاب التنويري ) !
***
الخلاصة / كلام مفيد :
لن ينهض العقل العربي المُسلم ,ما لم يسقط الإسلام السياسي أولاً !
نعم الإسلام السياسي هو المشكلة ,والعلمانيّة هي الحلّ !

تحياتي لكم
رعد الحافظ
19 إكتوبر 2015

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.