االجهاد في المسيحية هو أصعب أنواع الجهاد التي عرفتها كافة الأديان والمعتقدات والأحزاب السياسية, فجهاد المسيحية لا يحتاج إلى الجوع والعطش أو حمل السيف وقطع الرقاب والألسنة ولا يحتاج إلى دبابة أو صاروخ مُجنّح وعابر للقارات, جهاد المسيحية بحاجة إلى إنسان أولا وأخيرا يقدم المساعدة والإحسان إلى أناس وهو متأكد لو أنه كان محتاجا للمساعدة لن يقدموها له, جهاد المسيحية بحاجة إلى بحّارٍ في عرض المحيط يرمي بطوق النجاة إلى أناسٍ غرقى وهو متأكد 99% من أنه لو كان غريقا لن يرموا له بطوق النجاة ولا حتى بقشة يتعلق بها, جهاد المسيحية بحاجة إلى إنسان يطفئ الحريق وهو متيقنٌ من أنه لو كان حريقا لن يطفئه الذي يطفئه ويحميه من الحريق, إنه جهاد النفس ليس بالمال ولا بالجاه ولا بالسلطان, بل بالمال مع المحبة والإحسان للذين لا يساعدونه, جرّب أن تكون مسيحيا وتقرأ الإنجيل وتحمى حمى الرب وتنقض أخاك الإنسان بغض النظر عن جنسه أو دينه أو لونه, أنا هنا لا أتحدث عن الدين السياسي والذين أشعلوا الحروب باسم الدفاع عن البابا في ميرسيليا أو عن الحرب بين البروتستانت والكاثوليك إبان عصر النهضة, أنا أتحدث هنا عن باروناما الإيمان المسيحي الذي يُسرُ قلبه حين يعطي ولا يأخذ وحين يعطي من يحرمه, تخيل أنني رجلٌ فعل معك معروفا وفي اليوم التالي بادلتني نفس المعروف فماذا تكون قد قدمت لي غير عكس ما تؤمن به المسيحية؟ المسيحية تحسن لمن يسيء إليها, الإنسان المسيحي يحسن للذي يسيء إليه, وهذا يفسر لنا لماذا مثلا نسبة الذين يؤمنون بالديانة المسيحية حول العالم هي 33.32% من نسبة عدد سكان العالم بينما المؤمنون بالاسلام21.01%, طبعا هذا المثبت رسميا حسب دوائر الأحوال المدنية في العالم كله ولكن العابرون هم كثيرٌ جدا, والمسيحية منذ بدايتها دخلت العالم كله من خلال تلاميذ المسيح ورسله رسل السلام الذين فتحوا بالمحبة بيوت الذين كانوا يؤمنون بالإله بعل وبزيوس و جوبتر.
جهاد المسيحية ليس جهادا يتعلق ببعث الحياة وموتها أو بعث الإله وموته في كل عام, بل ديانة تؤمن بأن المسيحي كان نجسا قذرا يتلبسه الشيطان وغارقا في قاع جهنم ولمّا عرف المسيح وقبله في حياته وفتح له باب بيته وقلبه دخل إليهما المسيح وتعشى معه وكان دمه فداء له عن خطيئته, وربما يستهجن ثلثي سكان العالم كيف يؤمن الثلث الأخير بإله يصلب على خشبه ويموت ويقوم من بين الأموات فلماذا مثلا لم ينقض نفسه؟ أو لماذا لم يدافع عن نفسه؟, أنا واحد من الناس الذين كانوا أيام زماااااان لديهم مثل هذا التساؤل قبل أن أفكك أسرار المسيحية وحل عُقدها كما حطم الإسكندر الأقفال وفتح بوابة الشرق على مصراعيه, وفهم هذه النقطة هي في حد ذاتها جهادا ضد ما يمكن أن نسميه الجهاد ضد الهرطقات التي كانت بعض المعتقدات والأديان التي جاءت بعد المسيحية تعتبر سلة مهملات المسيحية أو مزيجا من الهرطقات المسيحية حول طبيعة المسيح والأقانيم الثلاثة مما أدى إلى نشوء ديانة جديدة أو أفكار ومعتقدات جديدة هي بمجملها هرطقات مسيحية من مهرطقين لم يعرفوا بعد أن صلب المسيح وموته وبعثه لا بد أن يتم لكي يتم به الخلاص, فنحن مثلا لماذا لا نقول— لماذا لا يحمي الله الذي يريد أن يموت شهيدا من الموت؟) والجواب: يجب أن يقتل أو يموت دفاعا عن قضيته حتى ينال الشهادة, يجب على الطالب أن يدرس حتى ينجح, يجب على الذي يريد أن يموت جزا بالمنشار أن يجز حتى ينال الشهادة, فلو أن الله ألآب حمى المسيح من الصلب فلن يكفر عن خطايانا, لقد أراد الله للمسيح أن يصلب من أجل أن يكفر عن خطايانا, تماما كما أنه من الواجب على دماء الجندي أن تنزف على الأرض لكي يعتبره الوطن شهيدا مات من أجل الدفاع عن الوطن والوطن ما هو إلا أنت وأنا والناس أجمعين, فلماذا مثلا لا نستهجن موت إنسان عادي دفاعا عنّا أنا وأنت ولا نعتبر أن دم المسيح كان دفاعا عن كل من يؤمن بالمسيح, دم المسيح الفارق الوحيد بينه وبين دم شهيد الوطن أو الواجب الوظيفي هو أن الشهداء العاديين استشهدوا من اجل خريطة جغرافية وهمية مرسومة على الورق بينما المسيح صُلِبّ دفاعا عن الإنسان مهما كان مصدره شريطة أن يقبل المسيح في حياته, وهذا هو أصعب أنواع الجهاد في المسيحية, بعد أن تأكد المسيحي أنه غارق في الخطيئة إلى أذنيه ولا يستطيع التخلص من خطيئته بسبب طبيعة النفس البشرية التي تمارس الخطأ كل لحظة, آمن المسيحي بأنه وحده هو وبواسطته هو لن يستطيع الخلاص إلا إذا ناله على يد الرب الذي صُلب ونزف من أصابع يديه ورجليه وعيونه دفاعا عن الخلاص, كان المسيحي تائها في الصحراء وغارقا في قذارة المجتمع , كان المسيحي أعمى البصيرة في وسط مجتمع كله عميان و( إذا قاد رجل أعمى رجلا أعمى سقط كليهما في حفرة) فجاء المسيح لينقض هؤلاء الخراف الضالة والعميان والعرجان, جاء المسيح من أجل المجتمع الغارق في القذارة والذي لا يستطيع هو مهما كبح جماح نفسه أن يتخلص من القذارة العالقة في ثيابه, جاء المسيح كنتيجة حتمية وكان من الواجب عليه في النهاية أن يموت وان يصلب وأن تشاهد الناس موته وقيامته, وقبل ذلك كان من الضروري أن يشاهدوه وهو يحيي الموتى, وفي النهاية مات المسيح وقام حقا من بين الأموات حتى يجيء بعثه وقيامته مرة أخرى, الثلث الآخر من نسبة سكان العالم يؤمنوا بأن العاشق يموت غالبا من أجل معشوقه أو يضحي بماله أو ببعض ممتلكاته, ويستكثرون على الله أن يضحي بروحه الموضوعة في الناسوت, كان يجب على الله أن يجعل الناس كلها تشاهد موت المسيح وبعثه لكي يعرفوا قدرة الله ألآب, ولو لم يشاهدوا ذلك لما آمن به أحد.
جهاد المسيحية إذن هو جهاد ضد طبيعة النفس البشرية, فالإنسان غير المسيحي هو إنسان عادي يحسن للذي يحسن إليه, ويفعل المعروف فقط مع الذين يفعلونه معه أولا, ويؤمنوا بأن العين بالعين والسن بالسن, والعالم المسيحي عالم آخر يؤمن بأنه لو طبق سياسة العين بالعين لأصبح العالم كله أعمى أو ثلاثة أرباعه, لذلك من فضل الله علينا أن هنالك ثلث سكان العالم مسيحيون وثلث هؤلاء مخلصون جدا, يؤمنوا بأن المعروف نفعله مع المسيئين لنا, ويؤمنوا بأن الإحسان يجب أن يقدموه للناس وهم متأكدون بأنهم لو كانوا بحاجة للإحسان لن يقدموه لهم, يفرجون عن المسجونين وهم على قين بأنهم لو كانوا عندهم مسجونين لن يفرجوا عنهم, يطعمون الجائع وهم عارفون بأنهم لو كانوا جياعا لن يطعمهم هذا الجائع على افتراض لو أنه كان منتفخ البطن من شدة الشبع الزائد, وهذا أقوى أنواع الجهاد…لذلك نقف على أطراف النصف الشمالي من الكرة الأرضية وننظر للناس بعين الرب ونحن مشفقون عليهم من أفعالهم وتصرفاتهم ومن الوساخة التي يغرقون فيها ومن الوحل والمستنقعات الوسخة التي تغرق الناس فيها كل يوم والمصيبة أن الأغلبية سعداء جدا بقذارتهم ووساختهم ولا يعرفون أنهم في قاع جهنم أو أنهم بهذه الوساخة ولكن متى يعرف العالم ومتى يعرف المتسخون أنهم متسخون وغارقون في قاع جهنم والقذارة؟ سيعرفون ذلك إذا فتحوا الباب ل يسوع ودخل وتعشى معه وقبله في حياته, عند ذلك سيعرف الناس أنهم كانوا يبحرون في محيط الوساخة وبحر النجاسة والقذارة….أن تكون مسيحيا مخلصا, معناه أنك تمشي ضد طبيعة البشر, العاديين….أنت مسيحي مخلص معناه أنك إنسان سوبر…والناس العاديين لا يحسنوا للذين يحسنون إليهم فكيف مثلا تجد انسانا يحسن للذي يسيء إليه ويطعم الذي يتسبب بجوعه وينقض الذي يتسبب بموته وهلاكه؟ هذا لا يحدث إلا في المسيحية وهو بحق جهاد ضد طبيعة النفس البشرية….طبيعة النفس البشرية ناكرة للمعروف حتى الذين يحسنون إليها يقدمون لها الاساءة, إلا المسيحية بعكس طبيعة النفس البشرية.