جميل صدقي الزهاوي؛ نُظِمت في تشرين الأول- أكتوبر 1929
مراجعة: رياض الحبيّب؛ تموز- يوليو 2012
https://mufakerhur.org/?author=6
خاص: المُفكِّر الحُرّ
– – –
عاشرًا: عودة إلى الجحيم
أخرَجاني منها وشَدّا وثاقي * بنُسُوعٍ كما يُشَدُّ البعيرُ
ثمَّ قاما فدَلََّياني ثلاثًا * في صميم الجحيم وهي تفورُ
وأخيرًا في جوفها قذفا بي * مثلما يقذف المتاعَ الحقيرُ
لست أسطيع وصفَ ما أنا قد قاسيتُ منها فإنهُ لَعَسيرُ
ربِّيَ اٌصرفْ عني العذاب فإني * إن أكنْ خاطِئًا فأنتَ الغفورُ
لكأنَّ الجحيم حُفرة بركان عظيم لها فمٌ مغفورُ
تدلعُ النارُ منه حمراءَ تُلقي * حِمَمًا راح كالشّواظ يطيرُ
ثم أني لها سمِعتُ حثيثًا * فاقشعرَّتْ منه برأسي الشُّعُورُ
خالطتهُ اٌستغاثة القوم فيها * كهدير إذا استمرّ الهديرُ
إنها في أعماقها طبقاتٌ * بعضُها تحت بعضها محفورُ
وأشَدُّ العذاب ما كان في الهاوية السفلى حيث يطغى العسيرُ
حيث لا ينصر الهضيمَ أخوه * حيث لا يُنجدُ العشيرَ العشيرُ
الطعامُ الزقّوم في كل يوم * والشرابُ اليَحمومُ واليَحمورُ
ولقد يُسقى الظامئون عصيرًا * هُو من حنظل وساءَ العصيرُ
ولهُمْ من بعد الزفير شهيقٌ * ولهمْ من بعد الشهيق زفيرُ
ولهمْ فيها كلّ يوم عذاب * ولهمْ فيها كل يوم ثبورُ
ثمّ فيها عقاربٌ وأفاعٍ * ثم فيها ضراغمٌ ونُمورُ
يضرعُ المجرمون فيها عطاشى * والضراعاتُ ما لها تأثيرُ
ولهُمْ مِن غيظ تأجّج فيهِمْ * نظراتٌ شرارُها مستطيرُ
وُقِدتْ نارُها تئزّ فتغلي * أنفسٌ فوق جَمْرها وتخورُ
ولقد كانتِ الوجوهُ من الضّالين سُودًا كأنهُنّ القِيرُ
ولقد كانت الملامحُ تخفى * ولقد كانت العيون تغورُ
لست أنسى نيرانها مائجات * تتلظى كأنهُنَّ بُحورُ
ولقد صاح الخاطئون يريدون نصيرًا لهُمْ وعزَّ النصيرُ
وتساوى أشرافهُمْ والأداني * وتساوى غنيّـهُمْ والفقيرُ
– – –
نُسوع: جمع نِسْع: سَيرٌ يُنْسَجُ عَريضًا على هيئة أعِنَّةِ النِّعالِ تُشَدُّ به الرِحالُ، القطعة منه نِسْعَة، وسُمِّيَ نِسْعًا لطُولِه¤ المَتاع: السِّلْعة، المنفعة وما تَمَتَّعْتَ به¤ مغفور؛ الغَفْرُ: التغطية¤ الشَّواظ والشُّواظ: اللَّهَب الذي لا دُخان فيه¤ حَثِيثا: مُسرِعًا¤ شُعور: جمع شَعَرٍ¤ العشير: القريب والصديق، ج عُشَراء، عَشِيرُ المرأَة: زوجُها لأَنه يُعاشِرها وتُعاشِرُه¤ الزقوم: الزّقُّومُ بلغة إفريقيَة التمر بالزُّبْد، أمّا إسلاميًّا؛ شجرة الزَّقُّوم: طعامُ الأَثِيمِ، شجرة تَخْرُجُ في أصل الجَحِيم طَلْعُها كأَنه رؤوس الشياطين¤ اليَحْمومُ: الأَسْود من كل شيء¤ اليَحمور: الأحمر
* * *
الحادي عشر: لقاء ليلى
كنت أمشي فيها فصادفتُ ليلى * بين أترابٍ كالجُمان تسيرُ
فوق جَمر يشوي ونار تَلَظّى * وأفاعٍ في نابهِنَّ شُرورُ
وعيونُ الحسناء مُغرورقاتٌ * بدموع فيها الأسى منظورُ
قلت ماذا يُبكي الجميلة؟ قالتْ * أنا لا يبكيني اللظى والسعيرُ
إنما يُبكيني فراقُ حبيبي * وفراق الحبيب خَطْبٌ كبيرُ
هُوَ عنيَّ ناءٍ كما أنا عنهُ * فكِلانا عَمّن أحَبَّ شَطيرُ
فرَّقوا بيننا فما أشهَدُ اليومَ سميرًا ولا يراني سميرُ
قذفوهُ في هُوَّةٍ ليس منها * مَخرَجٌ للمقذوف فيه قُعورُ
آهِ إن الفراق أصعَبُ مِن كلِّ عذاب يشقى به الموزورُ
ولو اٌنّا كنا جميعًا لخَفّ الخطبُ في قُربهِ وهان العسيرُ
لا أبالي نارًا وعندي حبيبي * كلُّ خَطْب دون الفراق يسيرُ
قلتُ ماذا جنيتِ في الأرض حتى * كان حَتمًا عليكِ هذا المصيرُ؟
فأجابتْ قد كان لي وسميرًا * قبل أن نردى للجحيم نَكورُ
جَهْلُنا للجحيم أوجَبَ أنّا * بعد أن نردى للجحيم نُذورُ
* * *
الأَترابُ؛ جمع تِرب: اللِّدةُ والسِّنُّ، غلب في الـمُؤَنَّثِ فيُقال: هي تِرْبُها أي من عمرها وهُما تِرْبان¤ الجمان: اللؤلؤُ الصِّغارُ، ج الجُمانة: حبّة تُعْمَل من الفِضّة كالدُّرّة¤ شَطِير: بعيد¤ السَّمِير: المُسامِر¤ وسميرًا؛ تقديره: كان لي حبيبًا وسميرًا¤ نكور؛ كارَ العِمامَةَ على الرأس يَكُورُها كَوْرًا: لاثَها عليه وأدارها. وقيل: الكَوْرُ تَكْوِيرُ العمامة والحَوْرُ نَقْضُها. وقيل: معناه نعوذ بالله من الرجوع بعد الاستقامة والنقصان بعد الزيادة¤ كار يكور كَورًا في مشيته: أسرع¤ نُذورٌ جمع نَذْر، أَي كأَنا قد نَذَرْنا أن نموت بسبب جهلنا للجحيم
¤ ¤ ¤ ¤ ¤