جميل صدقي الزهاوي؛ نُظِمت في تشرين الأول- أكتوبر 1929
مراجعة: رياض الحبيّب؛ تموز- يوليو 2012
https://mufakerhur.org/?author=6
خاص: المُفكِّر الحُرّ
– – –
سابعًا: شكوى
لا تكونا عليَّ فَظَّينِ في قبري فإني شيخٌ بعطفٍ جَديرُ
إنّ قول الحقِّ الصّراح على الأحرار حتى في قبرهِمْ محظورُ
فدعاني في حُفرتي مستريحًا * أنا من ضوضاء الحياة نَفورُ
أتعبَتْني الأيام إذ كنت حيًّا * وأنا اليوم للسكون فقيرُ
أتْرُكاني وحدي ولا تُزعجاني * بزياراتٍ ما بهنَّ سرورُ
أتركاني ولا تزيدا عنائي * بسؤالٍ فإنني مَوتورُ
لمْ تُصَنْ مِن جَراءة المستبدِّين على الهالكين حتى القبورُ
كيف أفضيتما إلي َّ بقبري * وعليه جَنادلٌ وصُخورُ
قلتُ لما هبطتُ أعماقَ قبري * ليس خيرًا من البطون الظهورُ
فإذا القبرُ ضَيِّقٌ بذويهِ! * وإذا القبر فيه كَرْبٌ كثيرُ
إنّما الدائرات في كل وقتٍ * ومكانٍ على الضعيف تدورُ
قال هذا هو الهُراء وما أنْ * لاٌحتجاجٍ تلغو به تأثيرُ
قلتُ في غَصَّة إذنْ فاٌصنَعا بي * ما تُريدانِهِ فإنِّي أسيرُ
عَذِّباني هنا إذا شئتُما أو * ألقِياني في النار وهْيَ تـثورُ
كنتُ لا أدري يوم كنتُ على الأرض طليقًا أنّ الممات ثُبورُ
وسأمشي إلى جَهَنَّمَ مدفوعًا وخلفي كالسَّيل جَمْعٌ غفيرُ
– – –
إنما قد سألتُما عن أمورٍ * هِيَ ليست تُغني وليست تَضيرُ
ولماذا لمْ تسألـا عن ضميري * والفتى من يعفُّ منه الضميرُ؟
ولماذا لم تسألـا عن جهادي * في سبيل الحقوق وهْوَ شَهيرُ
ولماذا لم تسألـا عن ذيادي * عنْ بلادي أيام عَزَّ النصيرُ
ولماذا لم تسألـا عن وفائي * ووفائي لِمَنْ صَحِبْتُ كثيرُ
ولماذا لم تسألـا عن مَساعِيَّ لـإبطال الشَّرِّ وهْو خطيرُ
عن دفاعي عن النساء عليهِنَّ من الشقوة الرجالُ تَجُورُ
وسَلـاني عمّا نظمْتُ من الشِّعْر فبالشعر يرتقي الجمهورُ
وسَلـاني عن نصريَ الحقَّ وَثّابًا به وهْوَ بالسؤال جديرُ
إنما الشعر سُلَّمٌ للمعالي * ثمَّ فيه لأمَّةٍ تحريرُ
إنهُ تارة لقومٍ غِناءٌ * ليناموا وتارة تحذيرُ
وسلاني عن جَعْليَ الصِّدقَ كالصَّخر أساسًا تُبنى عليه الأمورُ
إنما الصدق فاسألانِيَ عنهُ * خيرُ ما تنطوي عليه الصّدورُ
وسَلاني عن حِفظيَ الفنَّ مِن أنْ * يعتريهِ قبل التَّمام الدُّثورُ
أسُكُوتٌ عن كلِّ ما هُوَ حقٌ * وسُؤالٌ عن كل ما هُوَ زُورُ
– – –
قال كلّ الذي عرضْتَ علينا * أيها الشيخ الهِمُّ شيءٌ حَقيرُ
نحنُ لسنا بسائلَين سوى ما * كان حول الدِّين المُبِين يَدورُ
فأَفِدْنا ما كنتَ ذا صِلةٍ بالدِّين واٌذكُرْ ماذا هو التقديرُ
ثمَّ زِدْ ما تقولُ في جبل القاف أحَقٌّ فحْواهُ أمْ أسطورُ
جَبَلٌ مِن زمُرُّدٍ نِصْفُ أهليهِ ذوو إيمانٍ ونصفٌ كفورُ
جبلٌ إن أرسلت طَرْفًا إليه * رَجَعَ الطرف عنهُ وهْو حَسيرُ
وبيأجوجَ ثمّ مأجوجَ والسّدّ وإنكار كلّ هذا غُرورُ
وبهاروتَ ثم ماروتَ والسِّحْر الذي أُسدِلَتْ عليهِ السّتورُ
– – –
قلتُ ما لي بكلِّ ذلك عِلْمٌ * فبجَحْدي عقلي عَلَيَّ يُشيرُ
كنتُ حيًّا فمُتُّ والموتُ حقٌّ * شاهداتٌ بما هناك القبورُ
كنت فوق التراب بالأمس أمشي * وأنا اليوم تحتَهُ مقبورُ
إنما الموتُ وهْوَ لا بُدَّ مِنهُ * سُنَّةُ الله ما لها تغييرُ
قال دَعْ عنكَ ذا وقلْ ليَ مَنْ ربُّكَ مِن قبْلِ أنْ يَسوء المَصيرُ
قلتُ أمْهلني في الجواب رُوَيدًا * إنني الآن خائفٌ مذعورُ
لا تكنْ قاسيًا عَلَيَّ كثيرًا * أنا شيخٌ مُهَدَّمٌ مأطورُ
كان ظني أنَّ الأثير هو الرّبّ كريمًا يَمُدُّني ويُجيرُ
لم تزلْ لي ذات العقيدة حتى * حالَ مِن هَول القبر فيَّ الشّعورُ
إنَّكَ اليومَ أنتَ وحْدَكَ ربِّي * بكَ أحيا في حُفرتي وأبورُ
إنَّك الجَبّارُ الذي سوف تبقى * تحت سُلطانِهِ العظيمِ القُبورُ
* * *
جبل القاف: جبل أسطوري رُويَ أنهُ مُحيط بالأرض- المُراجع
ومن قاموس المُنجد في اللغة والأعلام ط 38 دار المشرق، بيروت
الصّراح: البيِّن¤ نَفورُ: جَزِع¤ موتور: مُصاب بظُلم أو مكروه¤ جَنادل؛ جمْع جَندَلة: صخرة عظيمة¤ ثُبور: هلاك وويل وحزن¤ الدُّثورُ؛ دَثَر الرسم دُثورًا: بليَ وامّحى¤ الهِمُّ: الشيخ الفاني، كأنه ذاب من الكبر¤ حَسيرُ: متلهِّف، ج: حَسْرى¤ مأطورُ؛ أطَرَهُ: عَطَفهُ وثناه¤ حالَ يَحُول حَولًـا وحُؤولًـا: تحوّل من حال إلى حال، انقلب¤ أبور: أهلك
¤ ¤ ¤