أخيراً وجدتُ في هذا الكتاب العلمي الجميل ,الجواب لسؤال حسابي بسيط , لكنّهُ شغلني 15 عام ولم يُصدقني الكثيرين فيما إدعيته , حتى كدتُ أشّك بنفسي !
أكثرنا يتذكر الإحتفال العالمي ببدء الألفية الثالثة والحديث عنها طيلة عام 1999 .
بحيث في يوم رأس السنة من ذلك العام ,الكل كان يُردّد الى حدّ صراخ البعض, بأنّنا نستقبل عام 2000 والألفية الثالثة بعد قليل !
وهكذا جرت الإحتفالات في جميع مُدن العالم .
وأكبر دليل على كلامي لمن نسيّ ذلك الحدث هو دولاب الألفية أو(عجلة لندن) التي تمّ إنشائها خصيصاً لهذه المناسبة ووضعت على نهر التايمس مقابل ساعة بك بن الشهيرة . ثمّ اُفتتحت بالألعاب النارية وقرع أجراس (بك بن) في الساعات الأخيرة من عام 1999 ومع بداية الساعات الأولى من عام 2000
(سأضع لكم رابط للعجلة التي أصبحت تسمى حالياً بعين لندن)
المهم أنّي كنتُ ومازلتُ أعتقد أن هذا خطأ عالمي كبير وقع فيه الجميع .
وأنّهم يستعجلون الإحتفال قبل سنة كاملة من الموعد الحقيقي !
إذ من المفترض أنّ القرن العشرين ينتهي مع نهاية عام 2000
والقرن ال 21 (ضمن الألفية الثالثة) يبدأ مع اليوم الأول من عام 2001
ولمن لا يعرف السبب فليلاحظ مايلي :
القرن الأوّل الميلادي يبدأ مع بداية عام 1 وينتهي بنهاية عام 100
القرن الثاني الميلادي يبدأ ببدء عام 101 وينتهي مع نهاية عام 200
القرن الثالث يبدأ 201 وينتهي بنهاية عام 300 …. وهكذا
إذاً فالقرن العشرين ينتهي بنهاية عام 2000 .. أليس كذلك ؟
اليوم فقط وجدتُ الجواب الشافي لهذا (الخطأ العالمي) في الحساب البسيط
في كتاب البدايات لمؤلفهِ الأمريكي (الروسي المَولِد) إسحق عظيموف
ترجمة / ظريف عبدالله .
الكتاب علمي بإمتياز .ومؤلفه هو أشهر كُتّاب تبسيط العلوم والخيال العلمي في القرن العشرين .ورصيده 375 كتاب .. تخيّلوا !
سنة تأليف الكتاب هي 1987 ,يومها كتبَ هذا العبقري قبل أن يموت (عام 1992) ولم يشهد الألفية الثالثة ,عن هذه الحالة التي ذكرتها تواً.
حيث بعد أن تحدثَ عن نظام التقويم الميلادي وكيف نشأ ومن هو صاحبه
كتب نصاً مايلي :
[ لهذا النظام عيب صغير لكنّهُ مُزعج .أنّهُ لم يأخذ في الحسبان وجود السنة (صفر) التي تفصل ما بين قبل الميلاد وبعد الميلاد ]
يقصد ميلاد السيّد المسيح طبعاً !
ثم يشرح كيف أنّ العقد الأول يبدأ بالسنة 1 وينتهي بنهاية السنة 10
وهكذا القرن الأول ينتهي بنهاية عام 100 والثاني بنهاية عام 200 …الخ
ويضيف ما يلي :
في الظروف الراهنة ( كان يتحدث عام 1987 ) تكون السنة 2000 هي آخر سنة في الألفية الثانية !
وتبدأ الألفية الثالثة في 1 يناير 2001 !!!
ومع ذلك ( أضاف عظيموف ) فالمتوّقع يقيناً أنّ العالم بأسرهِ سيحتفل ببدء ألفية ثالثة يوم 1 يناير عام 2000 .ولن يسعف أيّ قدر من الإيضاح في بيان أنّ الإحتفال سيكون سابقاً لموعدهِ في سنة واحدة !
(هذه المعلومة تجدونها من بداية الكتاب الذي ألخصه لكم اليوم الى ص 29 )
***
هذا الكتاب !
كتابُ البداياتِ يتناول قصة نشوء الإنسان ,الحياة ,الأرض ,والكون !
يتحدّث المؤلف في الصفحات الاولى من هذا الكتاب عن كيفية بدء الأشياء التالية :
طيران الإنسان , التأريخ , الحضارة , الإنسان الحديث , الإنسان العاقل , أشباه الإنسان , الرئيسات , الثدييات , طيران الحيوانات , الزواحف …الخ
ويستخدم طريقة العودة بالمعلومة من الحاضر الى الماضي تدريجياً .
ثمّ ينتقل الى الحديث عن الحياة على اليابسة , الحبليّات , القارات , الأرض , الحفريات , الكائنات الحيّة متعددة الخلايا , اليوكاريوت (كائنات تتكوّن من خلايا فردية), البروكاريوت ,الفيروسات , البحر والمحيط ,والجو .
قبل أن ينتقل الى الحديث عن الحياة , القمر , المنظومة الشمسية , الكون !
ويبسّط تلك المفاهيم (علمياً) للعامة .
***
الإنسان الحديث !
هناك ثلاث حُجج يطرحها الرافضون لفكرة (التي أصبحت نظرية فيما بعد) التطوّر البايولوجي للأحياء .وإحدى هذه الحجج المهمة تقول :
إنّ الله قادر تماماً على خلق الحياة في نظام ُمترابط من المجموعات تحقيقاً لمقاصده تعالى .فهو يصنع ما يحلو لهُ ولا رادّ لمشيئته .
حسناً هذهِ حُجّة لا تُرّد !
لكنّها للأسف هي من نوع الحُجج غير المقبولة في العلم .فكلّ مَنْ تواجههُ مشكلة يستطيع أن يهّز كتفيه ويقول :إنّها مشيئة الله !
ولو سلّمنا بهذا القول , لأنتهى العلم .. أيّ علم !
[كتاب البدايات :إسحق عظيموف / ص 60 ]
***
حول الحجة الثالثة / ص 63
أيّ حول قول مُعارضي فكرة التطوّر(التي بدأت قبل داروين بقرن كامل)
بأنّهُ في حالة ثبوت صحّة نظرية التطوّر البايولوجي للكائنات الحيّة ,
فإنّ ذلك التطوّر لابّد وأن يكون وراءه عقل موّجه ,في النهاية هو الله !
في الواقع هذهِ حُجّة من العسير الرّد عليها .
لأنّهُ حتى الذين كانوا يظنّون أنّ التطوّر البايولوجي يحدث .
تعثّروا في الإبانة بدّقة عن الآليّة التي تجعل ذلك التطوّر البايولوجي يحدث دون الإستعانة بعقل إلهي موّجه !
وأشهر شكل عُرِضَت به تلك الحجة (الثالثة) هو التالي :
إذا ما وجدتَ ساعة في الصحراء مُحكمة الصنع وتعمل بدّقة ,فلن تفترض أنّها صَنعت نفسها بنفسِها تلقائياً .
سوف تفترض بأنّ الذي صنعها كائن ذكي ,يُحتمل أن يكون إنساناً تركها هناك لسببٍ ما .ولن تجد أحداً يعترض على ذلك !
حسناً : الآن إذا رأيت الكون وكلّ شيء فيه أشّد تعقيداً من الساعة بما لا يُقاس ,وتسير الأمور فيه بدّقة أعظم بما لا يُقاس .
ألن تفترض بالمثل أنّ خالقهُ ذكي ؟ أذكى بكثير من الإنسان ,بقدر تفوّق الكون على الساعة روعةً ؟ وبإختصار هذا الخالق هو الله !
إنّ الذين لم يقبلوا بفكرة التطوّر البايولوجي رأوا فيما تقدّم حُجة يتعذّر الرّد عليها على الإطلاق !
مع ذلك جاء الرّد عليها ,لأنّ طريق العلم مستمر ولا يتوّقف عن البحث .
ففي عام 1859 بعد سنين من الدراسة والتفكير , نشرَ عالم الطبيعيات الإنكليزي ( تشارلز روبرت داروين / 1809 ــ 1882)
كتاباً عنوانه : (( في أصل الأنواع وتطوّرها بالإنتخاب الطبيعي ))
والعبارة الأخيرة في هذا العنوان كانت هي المفتاح الحقيقي !
فمعَ تكاثر الأنواع تطرأ دائماً تغيّرات صغيرة على الجيل الجديد .
تغيّرات في الحجم في القوة في الشكل في السلوك في الذكاء في قوّة التحمّل ,وفي كلّ واحدة من صفاتها العديدة .
الى هنا يبدو أنّ كلّ شيء يتّم عشوائياً !
غير أنّ بعض التغييرات أكثر قدرة على جعل النوع يتوائم مع البيئة .
وعموماً تكون هذهِ التغييرات أقدر على البقاء .
ومن ثمّ يحدث لها ((إنتخاب)) أو ((إنتقاء)) تحت تأثير بيئتها الطبيعية .
والإنتخاب الطبيعي لايأتي وليد الذكاء .
لكن النتائج المترتبة عليه تكون مطابقة للنتائج التي كانت ستترتّب لو أنّ الإنتخاب الطبيعي جاءّ فعلاً وليد الذكاء!
ومنذُ نشر كتاب داروين المذكور الى يومنا ,حدثت خطوات هائلة في مجالات علمية عديدة ,ساعدت على تمحيص وتعزيز إطروحة داروين .
وكانت النتيجة أنّ علماء البايولوجي اليوم ,يقبلون فكرة التطوّرالبايولوجي بوصفها حقيقة واقعة !
بل بوصفها الحقيقة المركزية في البيولوجيا ,رغم أنّهُ مازال يدور جدال عنيف حول تفاصيل آلية التطوّر !
***
أهميّة كتاب داروين ( أصل الأنواع …) / ص 64
إنّ تفسير داروين للقوّة الدافعة وراء التطوّر البايولوجي ,لم يكن يستند الى حُجج فلسفية فحسب ,فذلك من شأنهِ فقط أن يجعلها فكرة معقولة .
لكن كي تغدو حجّة مُفحِمة تفرض نفسها ,يجب أن يقوم عليها الدليل !
ومثل هذا الدليل كان موجوداً قبل أن يكتب داروين الكتاب , لكن ليس الجميع يعرفه … إنها الحفريّات !
الحفرية مشتقة من كلمة لاتينية تعني (شيء مُستخرج من باطن الأرض)
والآن باتت هذه الكلمة تنطبق فقط على الأشياء المُستخرجة من باطن الأرض والشبيهه بالكائنات العضوية أو أجزاء منها !
وقد إنتبه الناس للحفريات حتى في العصور القديمة لكنّهم لم يفهموا سرّها
فقيل أنّها مجرد فلتات او غرائب من الطبيعة .
أو أنّها جزء من قوّة حيوية تجعل حتى الصخور تُجاهد لتوليد شيء له مظهر الحياة .
وفي العصور الوسطى ظهرت أفكار عن الحفريات من قبيل أنّها محاولة من الشيطان لتقليد عمل الربّ في خلقِ كائنات حيّة , لكنّ الشيطان فشلَ فشلاً ذريعاً !
والبعض قالَ أنّها تجارب الإله نفسه وتدربّه ومحاولاته الأولى لو جاز القول !
وكان ليوناردو دافنشي هو أوّل من قدّم تفسيراً معقولاً عن هذه الحفريات قائلاً أنّها كانت فيما مضى كائنات حيّة حدث وأن دُفِنَت في الطين , وحلّت مادة صخرية ببطء محل المادة التي كانت تتكوّن منها أجسامها , الى أن أصبحت في النهاية صوراً حجرية طبق الأصل من اللحم والدم الأصليين !
ثمّ سار عالم الطبيعيات الإنكليزي جون راي ( توفي 1705) خطوة اُخرى الى الأمام حيث أثبت عام 1691 أنّ هذه الحفريات هي بقايا نباتات وحيوانات قديمة تشبه الكائنات الحيّة الحالية لكن ليس تماماً ومثلها لم يعد له وجود حيّ فقد إنقرض
وكان يومها فكرة (أنّ شيئاً من صنع الله يمكن أن ينقرض) تعني الكفر والزندقة !
لكن إكتشاف المزيد والمزيد من تلك الحفريّات أيّد فكرة جون راي كثيراً .
وفي محاولة لنصرة الرأي الديني على فكرة التطوّر البايولوجي ,قام عالم الطبيعيات السويسري شارل بونيه ( توفي 1792) بنشر فكرته (أسموها الكارثية) ومؤّداها :
أنّ الحفريات يمكن أن تُمثل أشكال الكائنات الحيّة التي ماتت في طوفان نوح وإندثرت بهذه الطريقة .
وعمّم فكرته تلك عام 1770 ودلّل على رأيه قائلاً :
إنّ ( التوراة ) تناولت فقط الأرض بعد الكارثة الأخيرة , لكنّها لم تكن كارثة شاملة
لكن مع تنامي السجل الإحفوري ,أخذ يتضح بمزيد من الجلاء أنّهُ قد وقعت العديد من الكوارث, إنّما لم تفلح أيّاً منها في محو الحياة تماماً !
وأخذت الحفريات تؤميء أكثر فأكثر الى فكرة التطوّر وليس الى الكارثة
(في الواقع كان بونيه نفسه هو أوّل من إستخدم كلمة تطوّر
evolution)
***
قبل ظهور داروين !
هذا الجزء يحكي عن تزايد دلائل التطوّر قبل بروز العالم جارلس داروين بقليل .
وكيف أنّ العلماء المختصين عملوا بصبر وجهد يفوق الخيال ,للوصول الى القول الصحيح . وكان عملهم يخّص الحفريات !
برزت أهميّة الحفريات بشكل ظاهر في عمل الجيولوجي الإنكليزي وليم سمث (توفي 1839) .وكان ذلك حين جرى شقّ الريف الإنكليزي في مواقع عديدة لإنشاء القنوات !
توّلى (سمث) مسح طرق القنوات وطاف في الريف لدراستها .وأخذَ يهتم بطبقات الصخور التي تنكشف بأعمال الحفر .وكانت هذه الطبقات تتمايز عن بعضها أحياناً بشدّة .
تسمى الطبقات باللاتينية
strata ,
ومفردها
stratum
وهذا هو السبب في انّها تُسمى بهذا الإسم أيضاً في الإنكليزية .
وفي عام 1799 إزداد تحمّس (وليم سمث) بموضوع الطبقات بحيث ذاعت شهرته تحت إسم سمث الطبقات
/Strata Smith
وفي عام 1816 , كانت ملاحظته الأساسيّة كالتالي :
لكل طبقة نوعاً من الحفريات ذات سمات خاصة بتلك الطبقة ,ولا وجود لها في الطبقات الأخرى !
وحتى في حالة إلتواء الطبقات وإنثناءاتها ,أو إختفائها مؤقتاً ثمّ ظهورها بعد أميال فإنّ الحفريات الموجودة في تلك الطبقات تبقى محتفظة بسماتها الخاصة !
بل من الممكن التعرّف على طبقة بعينها لم نكن قد لاحظناها من قبل من مجرد ما تحويه من حفريات .و كلّما زاد عمق الطبقة فهي أقدمُ عهداً .
ولاحظ (سمث) أيضاً أنّهُ كلّما زاد عمق الطبقة , قلّ مشابهة مافيها من حفريات لأشكال الكائنات الحيّة الحالية !
[ولاحظوا الآن كيف يتّم إثبات فكرة التطوّر بالعمل الدؤوب وتدريجياً]
فقد تبيّن التالي :
كلّما إنتقلنا في بحثنا من أقدم الطبقات صوب أحدثها , أمكننا ان نرصد أشكالاً من الكائنات الحيّة تتغيّر ببطء .
لكن بالتأكيد التغيّر يكون بإتجاه أشكال الكائنات الحيّة الحديثة !
وكان ذلك جميل الى درجة يشبه ملاحظة عمليّة التطوّر وكأنّها تجري أمام أعيننا !
(هل فهمتم الآن مصدر الثقة التي تلبّست العلماء بشأن التطوّر في تلك المرحلة قبل داروين ؟)
ومازال سجل الحفريات لم يكتمل الى يومنا , حيث لاتمثل الحفريات المعروفة سوى 200 ألف نوع مختلف من أنواع الكائنات الحيّة !
[ إنتبهوا الى دقّة عمل العلماء 200 ألف نوع ,لايعتبروه إثبات لصحة نظريتهم ]
لأنّ هذا العدد لا يمثل أكثر من 1% من مجموع الكائنات المعروفة !
***
البقايا الإحفورية , وكيف ثبتَ علمياً في النهاية , تطوّر الإنسان / ص 67 !
السبب في ضآلة البقايا الإحفورية التي نعثر عليها يعود لصعوبة طريقة تكوّن تلك البقايا نفسها .فلكي (يتحفّر) شكل من أشكال الكائنات الحيّة يجب أولاً أن يُحتبَس في الطين .وأن يُدفَنْ في ظروف لا يتعفّن فيها .ثمّ يجب أن يُحفَظ لفترات طويلة جداً .ويحصل خلال تلك الفترات أن تحّل محل الذرات التي يتكوّن منها
جسم الكائن الأصلي .. ذرّات من الصخور ببطء شديد .
بحيث يتحوّل شكل المادة الحيّة (أو أجزاء منها) تحوّلاً بطيئاً الى صخر ,دون أن تفقد مظهرها وهيئتها الأصلية !
بعد ذلك يجب أن يجتاز هذا الشكل (سليماً) صروف التقلبّات الجيولوجية ,وذلك لمّدة طويلة ,قبل أن يعثر عليه البشر في النهاية .
ويجب ملاحظة أنّ الأجزاء الصلبة من أشكال الكائنات الحيّة ( الأصداف , العظام , الأسنان ) تتحفّر بيُسر أكبر كثيراً من الأجزاء الرخوة .
لذا يندر العثور على إحفورات خالية من الأجزاء الصلبة !
وعموماً فإنّ السجل الإحفوري ليس فقط ناقصاً بشكل رهيب ,إنّما سيبقى كذلك الى الأبد !
ومع ذلك فإنّ هذا السجل يحتوي على ما يكفي للتدليل بقوّة على حقيقة التغيير التطوّري .
يجب كذلك أن لا يغيب عن البال ,أنّ النظرة العلمية الى التطوّر لاتتوقف على الحفريات لوحدها .
إنّما تعتمد على الأدلة المستمدة من فروع علمية اُخرى ,كلّها تؤكد بقوّة ما تنطق به الحفريات !
في الواقع لم يكن الصراع من أجل تقبّل فكرة التطوّر مستميتاً في أيّ مجال , بقدر ماهو كذلك في حالة تطوّر ((الكائنات البشرية )) !
فكأنّما الناس على إستعداد لقبول فكرة التطوّر ,لو تسنّى لهم إستثناء الإنسان العاقل من تلك الفكرة .
أيّ لو سمحنا لأنفسنا وحدنا من دون باقي الكائنات أن نقفز هكذا جاهزين, من ذهن الله !
وجدير بالذكر أنّ داروين نفسه قد حرص في كتابه (أصل الأنواع) على تجنّب ذكر تطوّر الإنسان .ليس لإيمانه بذلك ,إنّما فقط لتجنّب إثارة زوبعة من الجدال مع المتطرفين . وعلى كلٍ فقد أثار الكتاب تلك الزوبعة في نهاية المطاف !
لكن في عام 1871 عندما كبر داروين وأحسّ أن ليس لديه مايخسره نشر كتابه إنحدار الإنسان
The Descent of Man
الذي تناول فيه بجرأة قضية تطوّر الإنسان !
***
عاصفة هوجاء ضدّ داروين ! ص 68
نَجَمتَ عن نشر كتاب (إنحدار الإنسان) عاصفة قوية عاتية بطبيعة الحال .
السبب الأوّل كان فكرة أنّ الحيوان الأدنى مرتبة المُزمَع إستخدامهِ سلفاً لإثبات فكرة تطوّر الإنسان سوف يشبه بالتأكيد قرداً .
والسؤال الذي اُشيعَ يومها : هل البشر خُلِقَ في الأصل بصورة قِرَدَة أم بصورة ملائكة ؟
وإبتكر يومها السياسي البريطاني (بنجامين ديزرائيلي) تعبيره الشهير :
(( أنا أقف في جانب الملائكة )) !
وكان من الممكن أن يستمر الجدل والقتال على نظرية التطوّر , ويُلقى الكلام على عواهنه دون أدّلة علمية, قبل أن يظهر دليل مادي دامغ وغير قابل للجدل !
وكان أفضل دليل مادي بطبيعة الحال هو كائن متحفّر يقف ما بين القرد والإنسان .
وقد شاعت تسميّة ذلك الدليل المطلوب ب (الحلقة المفقودة) ,في العقود التي تلت نشر كتاب داروين . الكلّ كان يسأل : وأين الحلقة المفقودة ؟
وبالطبع كان ذلك السؤال سهلاً مقابل العمل والجهد المطلوب من العلماء للبحث والتدقيق والتنقيب ,عن ذلك الدليل !
(سوف أقفز الآن عن الحديث عن إكتشاف العالم الفرنسي إدوار لارتي لأجزاء من الماموث في احد الكهوف . وكذلك إكتشاف إنسان نياندرتال شرقي مدينة دوسلدورف في ألمانيا , وكثير من التفاصيل الأخرى بهذا الشأن )
حيث بعد تلك الفترة إستمر إكتشاف المزيد من الهياكل الإحفورية التي تقترب تدريجياً من شكل الإنسان الحالي .وكانت تسمى جميعاً أشباه الإنسان !
وكان يطلق عليها صفات من قبيل الإنسان الزاحف , الإنسان الواقف , الإنسان الحاذق ( وعمره يتجاوز ال 1,8 مليون سنة ) , ثم الإنسان القردي الجنوب أفريقي
ومازال علماء الإحاثة حتى اليوم يجادلون ويطلقون تخمينات حول خط الإنحدار الدقيق للكائنات البشرية الحديثة .
لكن ما لا يُجادل به أحد ,هو أنّنا منحدرون من أشباه إنسان بدائيين ,وأيّاً كانت التفاصيل الدقيقة !
وفي عام 1977 إكتشف عالم الإحاثة الأمريكي ( دونالد جونسون ) حوالي 40 % من الهيكل العظمي لما يسمى علمياً الإنسان القردي الجنوبي العفاري , وكونه يعود لأنثى فقد سمّي ب (( لوسي )) !
تبدو لوسي شابة بالغة لا يتجاوز طولها 3 أقدام ونصف , كانت تمشي منتصبة القامة تماماً كما نفعل (درسوا شكل عظام الحوض والفخذ والعمود الفقري) .
ولاحظ العلماء أنّ التطوّر الإرتقائي الذي أتاح ظهور أشباه الإنسان , ثمّ الكائنات البشرية في النهاية . لم يكن مُتمثّلاً في المخ العملاق أو اليد الماهرة .
إنّما في إلتواء العمود الفقري الذي جعل الوقوف ممكناً .
وإنطلاقاً من هذا أمكن أن تأتي كلّ التطورات اللاحقة !
وبمجرّد وقوف الإنسان منتصباً , تحرّرت يداه من مهمة تحمّل الجسم وتفرّغت لتناول الأشياء المحيطة وتفحّصها .وزادت معها صلاحية العينين للنظر !
وكلّما زاد إستخدام اليدين والعينين في تناول الأشياء وتفحصها زادت المعلومات المتدفقة على المخ . وهذا ساعد على البقاء وإطالة العمر وإنجاب المزيد من الصغار الذين ورثوا أمخاخاً أفضل زاد حجمها عن 3 أضعاف ماكان عليه الحال في عهد أشبه القردة الأفريقيين !
إنتهى الجزء الأول … يتبع لاحقاً
***
رابط عجلة ( عين ) لندن الذي دُشن بداية عام 2000
THE TALLEST FERRIS/OBSERVATION WHEEL….LONDON
تحياتي لكم
رعد الحافظ
30 مارس 2014