بقلم دارا عبدالله/
لقلة الكتب والأبحاث التي تتناول البنية الاجتماعية والسياسية للشأن الكردي عموما، والشأن الكردي السوري خصوصا، فإن هنالك الكثير من الآراء التمنيطية والمغالطات الواقعية المنتشرة في كثير من المقالات والأبحاث والأوراق التي تتناول الشأن الكردي السوري، سنحاول أن نلقي الضوء على أربع منها.
التماثل بين تجربة أكراد سورية وأكراد العراق
تجربة إقليم كردستان العراق مختلفة عن التجربة الكردية السورية، وادعاء التماثل بين التجربتين هو مغالطة تاريخية وسياسية. في العراق إقليم جغرافي ذو غالبية سكانية كردية، منفصل فعليا سياسيا وإداريا منذ تسعينيات القرن الماضي، مكتف اقتصاديا، مستقر أمنيا، وثمة اتفاق على قواعد اللعبة السياسية، ما يعني أن الدولة تحصيل حاصل.
العنصرية ليس فقط بإضفاء قيمة سلبية، العنصرية أيضا تكمن في هذه الدهشة الإيجابية التعميمية
في سورية لا يوجد تراكم تاريخ نضالي عسكري أو سياسي سعيا وراء الانفصال. المناطق ذات الغالبية السكانية الكردية في سورية مشتتة ومنفصلة. ثمة 300 ألف كردي في دمشق وريفها، و400 ألف كردي في حلب وضواحيها، كما أن مئات الآلاف من الأكراد السوريين قد هاجروا إلى إقليم كردستان العراق أو أوروبا هربا من الجوع أو الموت. علما أن الأكراد السوريين في الأصل ليسوا غالبية سكانية مطلقة في مناطقهم، ويتوزعون بين عشرات الأحزاب السياسية.
وهذا يعني أن مشروع الدولة الكردية السورية طريف صراحة، وإذا تم إعلانه الآن ربما يكون خاليا من الأكراد، يعني دولة قوميين بدون العناصر القومية اللازمة. إنه ضياع كبير، بين رغبة قومية لا يمكن أن تترجم على أرض الواقع، ورغبة وطنية في البقاء ضمن سورية يبدو أن آخرين مهتمين بتفتيتها.
تعارض الحساسيات
حساسية الأكراد تجاه التدخل التركي عالية وسلبية وليست مثل حساسية العرب تجاه هذا التدخل (قضية قومية كردية في تركيا، تاريخ حافل بالمجازر، واختصار كل سورية في الملف الكردي..).
وحساسية العرب تجاه التدخل الإيراني أيضا عالية وسلبية وليست مثل حساسية الأكراد (تفتيت المنطقة ونشر الطائفية، واستفزاز مشاعر المسلمين..).
الحساسيتان، لهما أسباب تاريخية وواقعية وسياسية. ومحاولة فهم المواقف أفضل من حفلات الردح والشتم والتخوين، التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الفضاء الإعلامي.
العنصرية الإيجابية
يمتلئ موقع فيسبوك بسرديات تعميمية تبسيطية تجاه الجماعة الأهلية الكردية في سورية. التعميم في هذه الحالة ليس سلبيا تحقيريا، بل يتضمن إضفاء قيم رومانسية إيجابية مطلقة على الأكراد.
ابتداء من مشاركة صور مقاتلين أكراد يرقصون! وكتابة عبارات مثل “الرقص يلازم الكردي أينما يكون”، أو النظرة الجنسية الذكورية تجاه واقعة وجود نساء كرديات مسلحات، واختصار هذه الظاهرة الاجتماعية المركبة بعبارات إيروتيكية شعبوية مثل “الكرديات هن الجميلات”.
هذه الدهشة باكتشاف “خصائص” الشعب الكردي، تشبه دهشة الاكتشاف الأولى عند رؤية الهنود الحمر! ولا تخلو هذه النظرة من مضامين “استشراقية”، وبالتالي تمهيد للعنصرية.
“تناحة الكردي” هي من أسوأ السرديات العنصرية المغروسة في الوعي السوري العام
هذه النظرة بالضبط مضادة للتفكير التحليلي العلمي المركب الذي يحاول فهم السلوك السياسي الكردي، ابتداء من الصراع الاجتماعي الداخلي الكردي، وبموقع التيارات الكردية السياسية المختلفة في خريطة التحالفات الدولية والإقليمية، وبالصراع الكردي ـ التركي، والكردي ـ العربي، والإيراني ـ التركي، وبنفوذ الولايات المتحدة، وبأمور أخرى غير ذلك. العنصرية ليس فقط بإضفاء قيمة سلبية عامة، العنصرية أيضا تكمن في هذه الدهشة الإيجابية التعميمية.
“تناحة الكردي”
“تناحة الكردي” هي من أسوأ السرديات العنصرية المغروسة في الوعي السوري العام. يواجهك أحدهم بهذه “القناعة” بعد أن يعرف بأنك كردي في التاكسي أو في مكان عام أو أثناء تعارف جديد، ويمكن أن يقول لك نكتة، بأن الإسمنت المسلح يكسر على رأس الكردي ليباسة رأسه! أو وبأن الحمار ندم لأنه حمار بعد أن تحدى كرديا!
أكثر الناس لا يقصدون الإهانة طبعا، وهذا أخطر، بأن تصبح السردية في نطاق اللامُفكر به، وألا تخضع لميزان التقييم. “التناحة” هي نقيض الاعتدال والسياسة والمنطق، وهذا واقعيا لا يطبق على الأكراد السوريين لأنهم أصحاب تجربة سياسية لا يستهان بها في التاريخ السياسي السوري.
ربما يجب كتابة المزيد عن هذه التجربة؛ أسبابها وانعكاساتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لتخفيف حدة هذه الآراء التمنيطية.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال