تعلَّم-ي بحور الشعر (4) الوافر
بقلم: رياض الحبيّب
خاص – موقع لينغا
أرى الشِّعْرَ أرقى أنواع الأدب وأصعبها. والأسباب كثيرة؛ منها المتعلّق بالشِّعْر، كتفاعله مع الثقافة العامّة وارتباطه بفنِّ الكتابة وبحبكة الموضوع وبالموسيقى الشِّعْرية. ومنها المتعلِّق بالشّاعر، كتوفّر الموهبة وسعة الخيال والتجارب الغنيّة والمنزلة الإجتماعية والمسؤولية الأدبية والذوق السّليم والبراعة في انتقاء المفردات والتمكّن بقواعد اللغة. فالشعر، شأنه شأن العبقرية: صناعة وابتكار وإبداع. سعى الشاعر بهذي وهذا وذاك سَعْيًا حثيثًا. ولم يكتسب شيئًا ممَا تقدّم بالفطرة ولم يحصل عليه بالوراثة. أمّا الفنّان الأوَّل والشاعرُ الأوَّل والمُعَلِّمُ الأوَّل فهو الله! إذ أحْسَن في الخَلْق وفي الهندسة. وخصَّ الإنسان بالعـقل والموهبة والخيال، بل وزَّع المواهب على الإنسان. وقد رآى كلّ عمَلٍ من أعماله {أنهُ حَسَن}- تكوين، الأصحاح الأوَّل- قبلما عَمِلَ الإنسان. لكنّهُ رآى أنّ عمَلهُ {حَسَن جدًّا}- تكوين 31:1 ذلك بعدما عَمِلَ الإنسان على صورته وبعد كُلِّ ما عَمِلَ من أجْل الإنسان
وقد زيَّن الله كتابَهُ بأسفار شِعْريَّة وبآيات كثيرة هي أقرب إلى الشعر من النثر، كالمزامير والأمثال ونشيد الأَنشاد. بَـقِـيَـتْ صالحة إلى اليوم بَحْرًا روحيًّا صافيًا للشعر الحديث ومثالًـا حيًّا وراقيًا لجوهر الشعر المفيد ومنظره الفنِّيِّ بعيدًا عن قيود الوزن وحصار القافية. فمَن اختار من الشعراء والفنانين والفلاسفة والعُلماء… إلخ، مِن الجنسين، أن يقدِّمَ عن نفسه مِثالًـا على صورة الله فعَليهِ أن يأتيَ بثمار جيِّدة! وإلّـا فإنَّ الثمرة الرَّديئة تعكس عن مختارها صورة إلهٍ وثنيٍّ غريبة ومُعْتِمَة. والأدلّة على قوّة تأثير الكتاب المُقدَّس على الشعراء، القدامى والجدد، كثيرة لا حصر لها. فكثيرون اقتبسوا من آياته واستشهدوا بشخصيّاته؛ سواء أكانوا من الطبقة الأولى أم من طبقة أدنى، من داخل الكنيسة ومن خارجها- أي من المسيحيّين ومن غير المسيحيّين
– – –
هُوَذا أبو الطَّيِّب المتنبِّي يستشهد بالطُّبِّ الإلهي الذي مارسَهُ السَّيِّد المسيح له المجد بقوّة لاهوتِه، في قصيدة مدَحَ بها أحدَ الأشراف- عليَّ بن مُكرَم التميمي- بعدما تلقَّى هدايا من الشريف بواسطة مبعوث وكيل عنه. ويبدو أن الوكيل كان يقول الشعر فاٌغتنم فرصة لقائه مع المتنبي وأنشدَهُ التالي- بتصرّف واختصار
ياحُبَّ ظبْيٍ غنِجٍ * كالبدر لمَّا أنْ طلَعْ
فقلت تهْ تهْ تهْ تتهْ * فقال لي: مُرْ يا لُكَعْ
هاتِ قِطَعْ ثمَّ قِطَعْ * ثم قِطَعْ ثم قِطَعْ
وضَعْ بكفَّيَّ وفي * جَيْبيْ أدَعْكَ أنْ تضَعْ
فواضحٌ أنّ ما تقدّم شِعْرٌ رديء وإن كان موزونًا من مجزوء الرَّجز (البحر السابع) بل أثار سخريّة المتنبّي. ضمَّن المتنبّي تهكّمَه بدهاء في قصيدة، من بحر الوافر، أهداها إلى الشريف؛ مطلعُها: ضُروبُ الناس عُشّاقٌ ضُروبا * فأعْذرُهُمْ أشَفُّهُمُ حبيبا
لاحظ-ي بالمناسبة علامة السكون فوق ميم “أعْذرُهُمْ” وعلامة الضَّمِّ فوق ميم “أشَفُّهُمُ” وكلاهما للضرورة الشعرية، كي يستقيم وزن البيت. إلى أن قال
تيمَّمَني وكيلُكَ مادحًا لي* وأنشدني مِن الشِّعر الغريبا
فآجَرَكَ الإلهُ على عليلٍ * بَعَـثْتَ إلى المسيح بهِ طبيبا
ولستُ بمُنكِرٍ مِنك الهدايا * ولكنْ زِدْتَني فيها أديبا
لعلّ المعنى؛ قصَدَني وكيلُكَ مادحًا لي فأنشدني الغريب من الشعر. وكيلك عليلُ شِعْر لا يقوى على قوله، لكنه أراد إظهار “عضلاته” الشعرية على أنه طبيبُ شِعر، أثابَكَ الله على مُداراة عِلَّته. ما أدراه أنهُ أنشدَ مسيحَ الشعر القادر على معالجة جميع العلل، في وقتٍ قمتَ بإرسال “طبيب” إلى المسيح! أمّا هداياك فلا يمكنني نكرانها لتُضيف عليها هذا “الأديب” زيادة. لكن المتنبي انتُقِدَ نحويًّا على قوله (بَعَثتَ بهِ) على أنّ الصواب: بَعَثْـتَهُ. وتعليقي: ورد في «لسان العرب» التالي: (بَعَثَهُ يَبْعَثُهُ بَعْثاً: أَرْسَلَهُ وَحْدَه. وبَعَثَ بهِ: أَرسله مع غيره) انتهى. لذا اعتُبرَ قول المتنبي (بَعَثتَ بهِ) انتقاصًا من قدر الوكيل، إذ ساوى قدره مع قدر هديّة من الهدايا. ورُبّما قصد المتنبّي ذلك تهكّمًا. لكنّ المتنبي، المتمكن باللغة العربية وقواعدها، قال في قصيدة من بحر الخفيف
ما لَنا كُلّنا جَـوٍ يا رَسُولُ * أنا أهـوَى وقلبُكَ المتبُولُ
كُلَّما عادَ مَن بَعَثـتُ إلَيها * غارَ مِنّي وخان فيما يَقولُ
مَن «بَعَثـتُ» إلَيها! لم يقلْ: مَن «بَعَثـتُ بهِ» إليها. ولا يخفى تأثير الوزن على صياغة البيت الشعري، لذا قلت مرارًا: يجب تجنّب وقوع التأثير على حساب النحو
– – –
رابعًا: بَحْرُ الوَافِر
ضُروبُ الناس عُشّاقٌ ضُروبا * فأعْذرُهُمْ أشَفُّهُمُ حبيبا
ضُروبُنْنا- سِعُشْشاقُنْ- ضُروبا * فأعْذَرُهُمْ- أشَفُّهُمُوْ- حَبيبا
مَفاعِيْلُنْ- مَفاعِيْلُنْ- فعُوْلُنْ * مُفاعَلُتُنْ- مُفاعَلُتُنْ- فعُوْلُنْ
والتفعيلة الجديدة: مُفاْعَلُتُنْ. هي الأساسيّة في بحر الوافر؛ الذي ينضمّ إلى الطويل من جهة كثرة الاستعمال وإلى البسيط من جهة بساطة النظم. فقد ذكر الأب لويس شيخو اليسوعي في كتابه الموسوم «علم الأدب» ج 1 ص 381 أن (وزن الوافر “مُفاْعَلُتُنْ” ستّ مرّات لكنّه لا يُستعْمَل تامًّا بل مقطوفًا) والقطْفُ: إسقاط “تُنْ” من مُفاعَلُتُنْ مع إسكان الحرف الذي قبل “تن” فتصير: مُفاعَلْ، تُنقل إلى فعُوْلُنْ (وللوافر عروضان وثلاثة أضرب) العروض الأولى: فعُولُن. والثانية: مُفاعَلُتُنْ. فإليك أنواع الوافر
أوّلًـا؛ الوافر مع عروضهِ الأولى المقطوفة فعُوْلُنْ وضرْبها المقطوف مثلها
مُفاعَلُتُنْ- مُفاعَلُتُنْ- فعُوْلُنْ * مُفاعَلُتُنْ- مُفاعَلُتُنْ- فعُوْلُنْ
إنه أكثر استعمالًـا من مجزوئه. ومن الأمثلة؛ ما للمتنبّي أيضًا؛ كقوله
رَماني الدَهرُ بِالأَرزاءِ حَتّى * فُؤاديَ في غِشاءٍ مِن نِبالِ
فصِرتُ إِذا أَصابَتني سِهامٌ * تَكَسَّرَتِ النِّصالُ عَلى النِّصالِ
وقوله: أَرى المُتَشاعِرين غَرُوا بِذَمّي * ومَن ذا يَحْمَدُ الدّاءَ العُضالا
ومَن يَكُ ذا فمٍ مُرٍّ مَريضٍ * يَجِد مُرًّا بهِ الماءَ الزُّلالا
وقوله: طِوالُ قنًا تُطاعِنُها قِـصارُ * وَقطْرُكَ في نَدىً ووَغىً بِحارُ
وفيكَ إِذا جَنى الجاني أَناةٌ * تُظَنُّ كَرامَةً وَهِيَ اٌحتِقارُ
وغير ما تقدّم. وبالمناسبة؛ نظم الشاعر الجواهري (ت 1997 م) قصيدة رائعة عن المتنبي- من الوافر- تحت عنوان “فتى الفتيان” مطلعُها مع ما بعده
تحدّى الموتَ واٌختزلَ الزمانا * فتىً لوَّى مِن الزمنِ العِنانا
فتىً خبَطَ الدُّنى والناسَ طُرًّا * وآلى أنْ يَكُونَهُما فكانا
ملاحظتان
الأولى: يجوز في الوافر عَـصْبُ مُفاعَلُتُنْ أينما وقعت (والعَـصْب: إسكان لام مُفاعَلُتُنْ لتصير مُفاعَلْتُنْ، تُنقل إلى مَفاعِـيْلُنْ) لكنّ من الواجب الإبقاء على مُفاعَلُتُنْ صحيحة (بدون عَصْب) مرّة واحدة في الأقلّ، في كلّ بيت من القصيدة، لئِلّـا يلتبس الوافر مع الهَزَج (البحر السّادس) الذي تفعيلته مَفاعِـيْلُنْ. أي للحفاظ على هويَّة بحر الوافر
والثانية: حَذارِ من الزحاف التالي 1. عَـقل مُفاعَلُتُنْ (أي حذف حرف التاء) لتصير مُفاعَلُنْ التي تنقل إلى مَفاعِلُنْ فهو قبيح في الوافر 2. كفّ مُفاعَلُتُنْ إلى مُفاعَلُتُ، كقولك: سَلامَتك بفتح حرف الكاف أو خفضه 3. نقص مُفاعَلُتُنْ إلى مُفاعَلْتُ التي تنقل إلى مَفاعِيْلُ (والنَّقْصُ مُركَّبٌ من عصْب مُفاعَلُتُنْ ومن كفِّها) كقولك: أمانيْكَ أو أمانيْكِ 4. قـبْض فَعُوْلُنْ إلى فَعُولُ في ما عدا القافية. فقد خلط الشعراء الجدد بين المقبول والمُستحَبّ وبين الممنوع والمرفوض. وسوف أوضِّح معنى الزحاف وأفصِّل نوعَيه المُفرد والمُركَّب في الحلقة السادسة
– – –
مجزوء الوافر
وهو على نوعين؛ الأوَّل: العروض الثانية (مُفاعَلْتُنْ) وضُرْبُها مثلها
مُفاعَلُتُنْ مُفاعَـلُتُنْ * مُفاعَلُتُنْ مُفاعَـلُتُنْ
مثالًـا: هِيَ الدُّنيا إذا كمَلَتْ * وتمَّ سُرورُها خذلَتْ
هِيَدْدُنيا- إذاكمَلَتْ * وتمْمَسُرُوْ- رُهاخَذلَتْ
مَفاعِيلُنْ- مُفاعَـلُتُنْ * مُفاعَلُتُنْ- مُفاعَـلُتُنْ
مثالًـا آخر: غزالٌ زانهُ الحَوَرُ * وساعَدَ طرْفهُ القدَرُ
يُريْكَ إذا بدا وجْهًا * حَكاهُ الشمسُ والقمَرُ
ومثالًـا من قصيدة للجواهري، نشرها عام 1976
أزِحْ عَن صَدْرِكَ الزَّبَدا * ودَعْهُ يبُثّ ما وَجَدا
ولا تكْبِتْ فمِنْ حِقبٍ * ذمَمْتَ الصَّبْرَ والجَلَدا
والثاني: العروض مُفاعَلْتُنْ أيضًا وضَرْبُها مَعْـصُوب أي مَفاعِيْلُنْ
مُفاعَلُتُنْ مُفاعَـلُتُنْ * مُفاعَلُتُنْ مَفاعِـيْلُنْ
أعاتِبُهُ وآمِرُهُ * فيُغْضِبُني ويَعْصِيْني
أعاتِبُهُوْ- وَأءْمِرُهُوْ * فيُغْضِبُني- ويَعْصِيني
مثالًـا آخر: فيا لكَ عاشقًا يسْقي * بَقِـيَّة كأس معشوقِ
بكيتُ لنأيِهِ عنّي * ولا أبكي بتشهيقِ
لمنزلةٍ بها الأفلا * كُ أمثالُ المَهَاريقِ
والأخير مُدَوَّر؛ وَرَدَ مثله في الحلقة الثالثة، تحديدًا في الحديث عن مشطور البسيط
أمثلة على بحر الوافر من أبيات مميَّزة
ألا هُبَّي بِصَحْنِكِ فاٌصْبَحِينا * ولا تُـبْقِي خُمورَ الأنْدَرِينا
مُـشَعْشَعَةً كأنَّ الحُصَّ فِيها * إذا ما الماءُ خَالَطَها سَخِينا
من مُعَلَّقة عمرو بن كلثوم التغلبي
– – –
أَرَى خَلَلَ الرَّمادِ وَمِيضَ نَارٍ * ويُوشِكُ أَنْ يكُون له ضِرامُ
فإِنَّ النَّارَ بالعُودَيْنِ تُذْكَى * وإِنَّ الحَرْبَ أَوَّلُها كَلامُ
من قصيدة قالها نصْر بن سيار الليثي آخر ولاة الأمويين على خراسان. من ويكيپـيديا: نصر بن سيار الليثي الكناني، ت 131 هـ – 748 م
– – –
إذا قالت حُذامِ فصَدِّقوها * فإنَّ القولَ ما قالت حُذامِ
وحُذام: امرأة ضُرب بها المثل في حِدَّة البصر وصِدق الخبر وهو: “أبْصَرُ من حذام” وقائل البيت هو زوجها. وحُذامِ: اسم علم مبنيّ على الكسر، ممنوع من الصَّرف في لغة الحِجازيّين، لكن خالفهم بنو تميم. من ويكيپـيديا: حُذام
– – –
مَوَدّتُهُ تدومُ لكلِّ هَوْلٍ * وهَلْ كُلٌّ مَوَدّتُهُ تدومُ
والظريف في هذا البيت هو جواز قراءته من اليسار إلى اليمين
– – –
سَلِ الشعراءَ هلْ سَبَحوا كسَبْحِيْ * بُحُورَ الشعْر أو غاصوا مَغاصي
لسانِيَ بالقريض وبالقوافي * وبالأشعار أمْهَرُ في الغواصِ
مِن الحُوتِ الذي في لُجِّ بَحْرٍ * يُجيدُ السَّبْحَ في اللُجَج القِماصِ
قالها عبيد بن الأبرص مفتخِرًا بشعره- من ديوان الشاعر
– – –
هِيَ الأخلاق تنبت كالنباتِ * إذا سُـقِـيَتْ بماءِ المكرُماتِ
تقومُ إذا تعهَّدها المُرَبِّي * على ساق الفضيلة مُثمِراتِ
وتسمو للمكارم باتِّساقٍ * كما اتّسقتْ أنابيبُ القناةِ
من قصيدة للشاعر معروف الرصافي (ت 1945 م) والملاحظ هنا جواز استعمال التّاءَين الطويلة والمربوطة في قافية التاء
– – –
من مناظرة بين اٌمرئ القيس والتّوأمَ اليَشكُريّ في كتاب «شعراء النصرانية» ج 1 ص 10 للأب لويس شيخو؛ قال اٌمرؤ القيس للشاعر التوأم: إن كنت شاعرًا فأجِزْ أنصاف ما أقول. أجاب التوأم: قلْ ما شئت. فقال امرؤ القيس- من الوافر
أصاحِ ترى بُرَيْقاً هَبّ وَهْنًا
أجاب التوأم: كنار مَجُوسَ تستعِـرُ اٌستعارا
امرؤ القيس: أرِقتُ لهُ ونامَ أبو شُرَيْحٍ
التوأم: إذا ما قلتُ قد هَدَأ اٌستطارا
امرؤ القيس: كأنّ هزيزهُ بوراءِ غـيْبٍ
التوأم: عِشارٌ وُلّهٌ لاقتْ عِشارا
إلى آخرها. وأردف المُؤلِّف الأب شيخو: (قال أبو عمرو: فلمّا رآى اٌمرؤ القيس التوأمَ قد ماتـنهُ ولم يكن في الزمن الأوّل شاعرٌ يُماتنه آلى ألّـا ينازع الشعرَ أحدًا بعده) انتهى. عِلمًا أنّ اٌمرأ القيس ناظرَ عبيد بن الأبرص مِن قبل. راجع-ي حلقة بحر البسيط
– – –
لبَيْتٌ تخفق الأرواح فيهِ * أحَبُّ إليَّ مِن قصْرٍ مُنِيفِ
ولبْسُ عباءةٍ وتقرَّ عيني * أحَبُّ إليّ مِن لبس الشفوف
وأكل كسيرةٍ من كسر بيتي * أحبّ إليّ من أكل الرغيف
وخِرْق من بني عمِّي نحيف * أحبُّ إليّ مِن عِلْجٍ عليفِ
فما أبغي سوى وطني بديلًـا * فحَسْبي ذاك من وطنٍ شريفِ
الأبيات للشاعرة ميسـون بنت بحدل عندما كانت زوج-ة معاوية بن أبي سفيان. فلمّا سمعها زوجها قال لها: « يا اٌبنة بحدل جعلتني عِلجًا عليفًا، فالحقي بأهلك» فطلَّقها. من الموسوعة العربية: ميسـون بنـت بحـدل الكلبية، ت نحو80 هـ – 700 م
ملاحظة؛ ورد في «لسان العرب» بتصرّف: يضع أهلُ الحجاز الزوج للمُذكَّر والمؤَنث وضعًا واحدًا؛ تقول المرأَة: هذا زوجي. ويقول الرجل: هذِهِ زوجي. أمّا بنو تميم فيقولون: هي زوجته. قاله الجوهري أَيضاً محتجًّا ببيت الفرزدق- من الطويل
وإِنَّ الذي يَسعَى يُحَرِّشُ زَوْجَتِي * كَسَاعٍ إِلى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتبيلُها
– – –
عُرِف عن مَعْن بن زائدة (الشيباني) بأنه من أجود العرب ومن أوسع الناس حِلْمًا وصَفحًا عن زلّـات الناس. فبعدما ولّـاه أبو جعفر المنصور على اليمن، تراهن أعرابيّان على إغضابه، لقاء مِائة ناقة (أو بعير) فلبس أحدهما جلد ناقة ونعْـلًـا من جلدها أيضًا. حتى دخل بمنظر قبيح على معن بن زائدة، دون أن يُسَلِّمَ عليه! فأنشد
أتذكُرُ إذ لحافُكَ جِلْدُ شاةٍ * وإذْ نعْلـاك مِن جلد البعيرِ؟
أجاب مَعْن: نعَمْ، أذكُرُ ذلك ولن أنسى
الأعرابي: فسُبْحان الذي أعطاكَ مُلْكًا * وعَلَّمَكَ الجلوسَ على السَّريرِ
مَعْن: سبحانهُ على أيّة حال
الأعرابي: فلستُ مُسَلِّمًا ما عِـشتُ دهرًا * على مَعْنٍ بتسليم الأميرِ
معن: إن السلام سُنَّة يا أخا العرب؛ كيفما شِئْتَ تأتِ به
الأعرابي: سأرحلُ عن بلاد أنت فيها * فقدْ جارَ الزمانُ على الفقيرِ
معن: ما أقمْتَ بيننا فمرحبًا بالإقامة وإن رحلت فمصحوبًا بالسلامة
الأعرابي: فجد لي يا اٌبن ناقصةٍ بشيءٍ * فإني قد عَزمْتُ على المَسِـيرِ
فأمَرَ معن للأعرابي بألف درهم
الأعرابي: قليلٌ ما أتيتَ به وإني * لـأطمَعُ مِنكَ بالمال الوفيرِ
فأمر له معن بألفٍ آخر، ما جعل الأعرابي يشعر بالندم. فأقبل على يَدَي معن معتذرًا وقائلًـا: سألتُ الله لو أبقاكَ ذخرًا * فما لكَ في البَرِيَّة مِن نظيرِ
فمِنكَ الجُودُ والإحسان حَقًّا * وفيضُ يَدَيْك كالبَحْرِ الغزيرِ
معن: أعطيناك ألفي درهم على هَجْونا فلتُعْطَ أربعة آلاف على مَدْحِنا. ثم سأله: ما حَمَلَكَ على هَجْونا؟ فأجاب: تراهنت مع أحد الأعراب على إغضابك لقاء مائة ناقة. معن: إذن خسِرتَ الرِّهان! ثمَّ أمر له بمائتي ناقة، مائة منها لدفع ثمن الرهان. من ويكيپـيديا- بتصرّف: معن بن زائدة
– – –
أذكر التالي أخيرًا؛ من قصيدتين للشاعر أحمد شوقي- ت 1932 م
سَلوا قلبي غداة سَلا وتابا * لعلَّ على الجمال لهُ عِـتابا
ويُسألُ في الحوادث ذو صوابٍ * فهَلْ تركَ الجَمالُ لهُ صوابا
وكنتُ إذا سألتُ القلبَ يومًا * تولّى الدَّمْعُ عَن قلبي الجوابا
غنَّتها السّيّدة أمّ كلثوم
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ * وَدَمْعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقوافي * جَلالُ الرُّزءِ عَن وصْفٍ يُدَقُّ
وذِكرىً عَن خواطِرِها لِقلبي * إلَيكِ تَلَفُّتٌ أبَدًا وخَفْقُ
غنّاها الموسيقار محمّد عبد الوهاب