تعقيباً على مايصدره الدكتور محمد حبش من أفكار حول الاسلام

mohamedbarziيقول الدكتور محمد حبش :
( ومنذ 15 عاماً أصدرت كتابي رسالة التجديد والمشترك أكثر مما تعتقد وكتاب المرأة…..
وهي دراسات واضحة في وجوب التجديد الديني والعمل بروح النصوص وليس بظواهرها……. ومنح دور أكبر للعقل…..
ورفضنا احتكار الجنة واحتكار الخلاص إيماناً بعموم قوله تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره…..
وقلنا بوضوح إن الجنة عاقبة المحسنين من كل دين ومذهب…. وإن رسالتنا هي دين بين الأديان وليس فوق الأديان ونبي بين الأنبياء )
وأقول للأخ الفاضل محمد حبش وهو الحافظ لكتاب الله : اسمع مايقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) ولكنك ياأخي محمد انت لم تتخذ من هواك إلهاً لك ، بل اتخذت انت من نفسك هنا إلهاً من دون الله ، وذلك عندما تجاوزت حدودك واعتديت على حقوق الله وحسمت الأمر وقررت في قولك :
١- العمل بروح النصوص وليس بظواهرها ؟ من الذي يحق له ذلك !
٢- منحت دوراً أكبر للعقل البشري في مواجهة كلام الله عز وجل ومعارضة أحكامه ؟
٣- رفضنا احتكار الجنة ؟ وهل يجوز لشخص أن يحتكر شيئاً لا يملكه !
٤- قلنا بوضوح ان الجنة عاقبة المحسنين ؟ من الذي يحق له تقرير ذلك ؟
٥- ان رسالتنا دين بين الأديان ؟ هل هذه رسالتك أم رسالة الله عز وجل !
الملاحظة :
١- أنك تكلمت هنا بصيغة الجمع ؟ فمن أنتم يا رعاك الله !
٢- ماتكلمت عنه هو من اختصاص الله عز وجل ، وليس لبشر أن يقول ذلك ؟
ثم تقول في معرض ردك على الدكتور فؤاد قطريب جواباً على سؤاله ( عن طريقة دخول الاسلام لمن لا يعرف العربية ) وكان جوابك له ( لا أعتتقد انني الشخص المناسب لهذا السؤال ) وهل يعجز شخص قرر البنود الخمسة السابقة ، وبتّ في أمرها عن جواب لمثل هذا السؤال ؟
ثم يقول الدكتور محمد حبش :
(الآيات المتشابهة هي مخرج أصولي حكيم وضعه القرآن الكريم في رأيي لإنهاء الاشتباك الذي يمكن أن يحصل بين الدين والعقل في أي مرحلة من التاريخ… والقران يقدم تنازلاً حقيقيا من طرفه فيأذن لنا بالاعتصام بالمتشابهات والتوقف عن أعمالها حين تتعارض مع مصلحة الأمة ومع دليل العقل، … انه مخرج ملائم في عقيدة تتدثر دثار الغيب، ولا ينقص في عيون أبنائها شيئا
من قدسية النص وطهره، لا أستطيع أن أنقل لك أي اتفاق بين المفسرين على تحديد آيات التشابه ، ولكننني أستطيع أن أنقل لك ألف نص أنها موجودة وهي اعتصامنا حين نضطر للتوقف عن اعمال النص، ….)
وأقول للاخ حبش :
١- نعم نحن أمة تتدثر بالغيب وحسب كلامك ( امة تلبس لباس الغيب ) وهذا هو قوله تعالى في أول آية في كتابه الجليل ( الم -ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين – الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) والذين يتدثرون بالغيب هم حسب قول الله عز وجل ( المتقين ) بل وهذه هي صفة المتقين ، فالأمة الاسلامية هي التي تتدثر دثار الغيب وليس العقيدة ؟ لأن العقيدة هي الإيمان بالغيب ، والإيمان هو التصديق ، أما الشهود فهو علم ، يقول تعالى ( فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ) قال : أعلم ، ولم يقل آمنت ؟
٢- كيف تستطيع أن تنقل ( ألف نص ) يمكن لك التوقف عن إعمالها ، ولا تستطيع أن تنقل نصاً ( واحداً ) عن اتفاق المفسرين على تحديد الآيات المتشابهة في القرآن الكريم ؟ وهل قمت أنت بتحديدها حسب تقريرك في قولك ( الآيات المتشابهات هي مخرج أصولي حكيم ….) فهذا يدل ويوحي بذلك بل من المفروض أن تكون قد أحطت بما لم يستطع المفسرون أن يحيطوا به علماً ، وإلّا كانت أقوالك كلها بحاجة الى توثيق ؟ وعليه هل يمكن اعتبار الآيات المحكمات مدخل اصولي حكيم )
وكذلك كانت اجاباتك على سؤال للاستاذ محسن رمضان ( هل التجديد الديني هو مجرد محاولة لتكييف فهم ( النص ) بما يلائم روح العصر أم ( نزع ) القداسة ليكون قابلاً للدراسة كباقي مكونات التراث ؟
أليست هذه هي دعوى طه حسين ؟ لمساواة النص الذي هو كلام الله عز وجل بالتراث والذي هو كلام البشر ؟ وبكلام آخر ( بشرية القرآن ) و يعني ذلك أن القرآن كلام بشر ولا قداسة له ) وهذا ما أجهد نفسه في سبيله في كتابه ( الشعر الجاهلي )
وأليس من المفروض بك وأنت الحافظ والدارس لكتاب الله عز وجل ، وانت تتباهى بالاستاذ الهندي العظيم أبو مظفر خان الذي استفدت منه الكثير ، لماذا لم تستفيد من قوله في كتابه ( إن الله سبحانه وتعالى اختار لعباده أن ( يخاطبوه ) ( ويقدسوه ) ( ويعبدوه ) بكيفية لاخيار لهم فيها ، وبغض النظر عن تحقيق مصلحة معينة لهم من العبادة أو عدم تحققها ، وما خلقت الجن والإنس إلّا ليعبدون ، فمصلحة الانسان العليا هي في أن يرضي الله خالقه بتنفيذ أوامره والتزام طاعته ) أليس من الوفاء ورد الجميل لهذا الاستاذ القدير أن تلتزم بما استفدته منه ؟ أم أن مايقوله استاذك يخالف ماذهبت اليه انت وتبنيته ؟ أم هو استاذك في الصورة فقط ؟!
ألا ترى يا أخ محمد بأن في الشريعة الاسلامية التي تريد أن تنزع عنها القداسة وتعاملها معاملة كلام البشر ، بأن فيها نظم وقوانين ثابتة لايحق حتى لولي الأمر أن يخالفها ؟
ألم تر بأن الفقه الاسلامي يتميز عن غيره من الأنظمة الوضعية ، بوجود الحلال والحرام فيه ؟ لأن أحكام المعاملات فيه ذات أصل عقدي واعتبار ديني ؟ وكل من يحاول أن يفهم الشريعة الاسلامية على أنها قوانين مجردة من غير أن يربطها بالاسلام ، فلن يفهمها على وجهها الصحيح ؟
أما مااتهمت به كلام الله عز وجل في الآيات المتشابهات فهي قوله تعالى ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلّا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يتذكر إلّا أولوا الألباب )
بعدما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وكوّنه كيف يشاء لم يتركه يعيش حياته بدون منهج يرضاه له ، فأرسل لهم الرسل لتبليغهم منهج القيم في الاسلام ، ولابد للمسلم عندما يتلقى هذه الأحكام أن يدرك معها الحكمة منها وذلك لاستقامة فهمه للنصوص واستيعابها .
فالمحكم : هو الذي لايتعرض اليه الفساد ولا خلل في فهمه لأن مقصوده محدداً واضحاً مثل قوله تعالى ( قل هو الله أحد ) ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) وأمثال هذه الآيات ، فالنص فيها واضح وصريح ولا يحتمل لمعنى سواه .
المتشابه : وهو الذي يشغل فيه الانسان عقله للوصول الى المراد منه ومعناه .
فالمحكم جاء لبيان الأحكام والأفعال المطلوب من العباد القيام بها ، وأيضاً الأفعال المطلوب منهم عدم القيام بها ،
ولذلك كان لابد هنا من أن تأتي هذه الأحكام بصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض ؟ وبناء على هذه الأحكام سوف يترتب عليها
الثواب والعقاب على حسب التزام الفرد بمضمونها ، وعندما تتطلب هذه الأحكام من الانسان فعل شيء أو عدم فعله فإنه بإمكان هذا الانسان أن يفعل ذلك وبإمكانه أن لا يفعله ، وإلّا لما كان لأمره ونهيه معنى ، اذا كان مخلوقاً لفعل معين بدون خيار منه .
ومجمل هذه الأحكام بالفعل أو بالامتناع عن الفعل تعني الوقوف حاجزاً أمام شهوات الانسان ، وذلك قوله تعالى ( وإنها لكبيرة إلّا على الخاشعين ) فالبصر يصلح للرؤية في محيطه حسب قانون الضوء ، وذلك قوله تعالى ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض )
وعندما يريد أن يحدد حركة البصر يأمر ( بالغض ) والعقل هو وسيلة من وسائل الادراك ومهمة العقل هنا هي القبول ، قبول أحكام الله عز وجل ، ولكن في التكليف ممكن أن يكون الأمر مفهوماً ، وفي المتشابه من الممكن أن يكون الأمر غير مفهوم ؟
وقبول العقل بالتكليف يعني أن يقبل امراً يفهمه وأيضاً أن يقبل أمراً لا يفهمه ، فعندما يحترم العقل ارادة الله في تكوين خلقه فإنه يقبل هذا الأمر الذي خلقه الله تكليفاً للعقل ، ولكن لو شغل العقل نفسه بتفسيره فلن يفهمه ؟ إذاً فما هومبرروجود هذا الأمر ؟ وتكليف العقل به ؟
هنا ندرك حكمة الله عز وجل من ذلك :
١- كان ذلك لتعليم العقل الادب مع الله عز وجل .
٢- لتحريك عقل الانسان في أن يحاول أن يفهم ، فعندما يفهم ذلك عقل الانسان ( يقوم برد كل متشابه الى محكم ) ومثال ذلك قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار ) وفي آية أخرى يقول ( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) وعندما يتحدث عن المجرمون يقول ( كلا إنهم يومئذ عن ربهم لمحجوبون ) فهنا يعمل العقل جاهدا لفهم قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار ) فهل ذلك في الدنيا مثلاً ؟
ففي الحياة الدنيا يكون الانسان حسب تكوينه وحالته لاتسمح له برؤية الله سبحانه وتعالى ، لأنه ليس معداً ولا مؤهلاً لشيء لا يستطيعه ، فعندما يكون نظر الانسان في الحياة ضعيفاً ولا يرى بشكل جيد فيقوم وحسب امكانياته بإعداد شيء يساعده على الرؤية بشكل أفضل عن طريق النظارات ، أو عن طريق أجهزة التصوير الحديثة بالأشعة وغير ذلك فهذا الاعداد من الانسان حسب استطاعته ، ليرى بواسطتها مالم يستطيع أن يراه بالعين المجردة ، وكذلك فالله سبحانه وتعالى سوف يعد أيضاً هذا الانسان ويؤهله في الآخرة لرؤية الله سبحانه وتعالى ، وهذا الأمر لا يترتب عليه حكم ولا يغير ذلك من طبيعة الاحكام التكليفية شيئاً بالنسبة للانسان ، فالمتشابه في القرآن الكريم لم يأت من أجل الأحكام بل جاء من أجل الإيمان ، ولذلك حسم الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المشكلة بقوله ( ماعرفتم من محكمه فاعملوا به ، وماعرفتم من متشابهه فآمنوا به )
ولذلك يجب رد المتشابه من الآيات الى المحكم من الآيات ( فيد الله مع الجماعة ) تعني أنا آمنت بأن لله يداً ولكن في اطار كلمة محكمة فلا يجوز أن نجعل يد الله كأيدينا ولا حياته كحياتنا ، لأن الله سبحانه وتعالى ( ليس كمثله شيء )
والآيات المحكمات هن أم الكتاب وليس أمهات ، لأن ليس كل آية لوحدها أم ، بل مجموع الآيات المحكمات هن أم الكتاب ،
وذلك مثل قوله تعالى عن عيسى عليه السلام ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية ) وليس آيتين لأن عيسى ليس آية إلّا بضمه لأمه ومريم ليست آية إلّا بضمها لعيسى ، فهما معاً آية واحدة .
فأما الذين في قلوبهم زيغ ، الزيغ هو الانحراف والامالة عن الحق ، والزيغ هو التكلف ، والزيغ طارئ على القلب لأن الأصل هو الفطرة السليمة وآفة الرأي الهوى ويقابل ذلك الإيمان والذي هو الاطمئنان ، وفي حالة الاطمئنان لا تتعارض ملكات النفس ، والزيغ هو الذي يعارض ملكات النفس والا فما هو مبرر التوبة والاستغفار ، ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) وازاغة الله لقلوبهم هو التخلي عنهم ، والفتنة هي فتل عقول الذين لا يفقهون .
أما المتشابه الذي يتلطى خلفه من يحاول نسف الاسلام ، فإن الله سبحانه وتعالى جعله للعقل لكي يتحرك به ويتجدد من خلال اشغاله بالاستنباط ، لأن الرتابة في الامور تشل العقل ويتجمد ويتلف ، والله يريد له ان يجدده بالاستنباط بتأويل المتشابه والعودة به الى المحكم ، وبذلك يتكوّن عند العقل الرياضة على البحث والابتكار وإعطائه النشاط الكافي للإستقبال الواعي المتدبر ليكون مؤهلاً لتلقي العقائد ، فالعقائد هي أن تؤمن ، والأحكام هي أن تفعل .
وهل لي في الختام أن أسأل الأخ الدكتور محمد حبش عن قوله تعالى ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ) ( ذرني ومن خلقت وحيداً . وجعلت له مالاً ممدوداً . وبنين شهوداً . ومهدت له تمهيداً . ثم يطمع أن أزيد . كلّا إنه كان لآياتنا عنيداً . سأرهقه صعوداً . إنه فكر وقدر . فقتل كيف قدر . ثم نظر . ثم عبس وبسر . ثم أدبر واستكبر . فقال إن هذا إلّا سحر يؤثر . إن هذا إلّا قول البشر . سأصليه سقر . وما أدراك ماسقر . لاتبقي ولا تذر . لواحة للبشر) ( تبت يدا أبي لهب وتب )
هل هذه أيات من الآيات التي شملها النسخ ؟ أم هل هذه هي آيات متشابهات ؟ وأين التنازل الحقيقي الذي قدمه القرآن الكريم من طرفه ؟ ! .

About محمد برازي

الدكتور محمد برازي باحث في العلوم الاسلامية والقانونية من دمشق ، مجاز من كلية الشريعة بجامعة دمشق ، دكتوراة في عقد الصيانة وتكييفه الفقهي والقانوني ، مقيم في ستوكهولم .
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.