ما هي «القاعدة» بالضبط؟ ومن يهمه ذلك؟ هناك حيرة شائعة حول كيفية تعريف الجماعة الإرهابية. هل كانت «القاعدة» متورطة في هجوم 11 سبتمبر (أيلول) 2012 على السفارة الأميركية ببنغازي في ليبيا الذي خلف أربعة أميركيين قتلى؟ تقول إدارة أوباما بالنفي. وهل الجماعة المنتشرة حول أفريقيا والشرق الأوسط جزء من «القاعدة» التي أسقطت مركز التجارة العالمي وضربت البنتاغون بالفعل؟
ليست هناك إجابة بسيطة، فـ«القاعدة» منظمة إرهابية عالمية تعتمد على السرية في بقائها، فحتى أعضاء «القاعدة» تلفهم الحيرة حول أوضاع بعضهم البعض: اضطر زعيم الجماعة في اليمن إلى سؤال نظيره الجزائري للتوضيح حول علاقة «أنصار الدين» بـ«القاعدة في المغرب الإسلامي». وتشوش الطبيعة الخفية للشبكة عمدا الكثير من العلاقات.
وهنا تكمن المشكلة: فحسب شهادة للجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة أمام لجنة الخدمات العسكرية للكونغرس في أكتوبر (تشرين الأول) رفع عنها حظر المعلومات حديثا، فإن الجيش الأميركي يعتبر نفسه ممنوعا قانونيا من ملاحقة المعتدين في هجمات بنغازي (ويفترض غيرهم ممن يهاجمون الأميركان) ما لم يكونوا منتسبين لـ«القاعدة». وأعاق بالفعل تحليل إدارة أوباما للكلمات لإنكار تورط «القاعدة» المباشر الرد العسكري في تلك المواقف. لكن أميركا لا تستطيع أن تصرف نفسها ولا أن تدافع عنها ضد عدو تعجز عن تعريفه. كما لن نكون أكثر أمنا بسبب تعريفات اعتباطية. يحتاج السؤال إلى إجابة: ما هي «القاعدة»؟
تنظم زعامة «القاعدة» استخدام اسمها ومواردها، فقد اعترفت رسميا وعلنيا بالجماعات المنتسبة لها في اليمن والعراق والصومال وسوريا وغرب أفريقيا. ففي جميع هذه الحالات دانت الزعامات الدينية بالولاء لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري والذي قبل بيعتهم. وقد تكون المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين ساكي محقة عندما قالت الشهر الماضي «إنهم لا يعطون تي شيرتات أو بطاقات عضوية» لكن أي تعريف معقول لعضوية جماعة لا بد أن يميز التبادل الواضح والعلني ليمين الولاء والقيادة بين أسامة بن لادن والظواهري من ناحية، وبين زعماء الجماعات المرتبطة بـ«القاعدة» من ناحية أخرى.
يختلف الخبراء حول مدى ارتباط المسلحين الموجهين محليا بـ«القاعدة». وركز البيت الأبيض على الإرهابيين الذين يستهدفون أميركا حاليا والذين يمثلون مجموعة فرعية قليلة من حركة «القاعدة» الشاملة. وتقلص التركيز أكثر خلال النقاش حول بنغازي إلى السؤال حول ما إذا كانت «القاعدة الجوهرية» أمرت بهجوم محدد.
وهناك المزيد من الخلاف حول تعريف «القاعدة الجوهرية». ويقترح معظم مسؤولي الإدارة أنها جماعة صغيرة باقية مع الظواهري في باكستان. بينما يُعرفها آخرون بأنها مجموعة من قدامى أعضاء شبكة «القاعدة» الذين كانوا ناشطين قبل هجمات 11 سبتمبر 2001. لكن هذه الجماعة الجوهرية تشتتت منذ زمن طويل، ولم يبق سوى جزء قليل منها في باكستان. ويدير بعض أعضائها حاليا فروعا إقليمية: ناصر الوحيشي سكرتير بن لادن السابق هو أمير «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» ومدير عام «القاعدة» في ذات الوقت.
لقد ازدادت أهداف «القاعدة» في الواقع بما يطلق عليه الجماعات الجوهرية والمنسبة والمحلية التي ليس لها علاقات رسمية بمجموعة الظواهري، أما شبكة «جمال» في مصر و«الملثمون» في الساحل وتحريك طالبان باكستان فلهم علاقة مباشرة وإن كانت غير رسمية بـ«القاعدة». وتمثل تحريك طالبان باكستان مشكلة محددة بشكل خاص، لأنها لم تسع إلى عضوية رسمية ولم تتلقها من «القاعدة»، ومع ذلك حاولت تفجير تايمز سكوير في نيويورك في مايو (أيار) 2010.
لكن يبقى التهديد الأكبر ضد أميركا هو تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية فقد حاول الهجوم على أراضي الولايات المتحدة ثلاث مرات منذ عام 2009 ومن الواضح أن زعيمه عضو في «القاعدة الجوهرية» رغم موقعه في اليمن. لكن جهود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية خلال السنوات الماضية ظل تركيزها محليا. وماذا عن حركة «الشباب» المعترف بها رسميا من «القاعدة» والتي لا تستخدم اسم «القاعدة»؟ لقد تركز اهتمامها في الصومال لكنها نفذت هجمات في مواقع مختلفة من المنطقة وتقوم بالتجنيد مباشرة وباللغة الإنجليزية من مجتمع الأميركيين من أصل صومالي.
تعتبر «القاعدة» اليوم تحقيقا لرؤية بن لادن الأوسع. فهو لم يقصر نفسه على تأسيس وإدارة «القاعدة» فحسب، لكنه تخيل شبكة متحدة من الجماعات التي تشترك في رؤية فكرية واحدة والتي تمتد أبعد من حدود الدول بكثير. وعناصر «القاعدة» في باكستان حول خليفته الظواهري محاصرون في الداخل على الأقل في الوقت الراهن بالقوات الأميركية في أفغانستان وتحت هجمات طائرات الدرون من دون طيار، لكن شبكة «القاعدة» من غرب أفريقيا إلى جنوب شرقي آسيا تواصل إرث بن لادن وتظل خطرا. والتعريف الضيق لـ«القاعدة» خطير مثل تعريف كل جماعة سنية متطرفة بأنها إرهابية. وتتفاوت الجماعات المرتبطة بـ«القاعدة» في درجة خطورتها، ولذلك لا بد أن تتخذ قرارات استخدام القوة ضد «القاعدة» وفق استراتيجية وأولوية مثل بقية قرارات الأمن الوطني.
* خدمة «واشنطن بوست»
منقول عن الشرق الاوسط