ترفض أن تقطع حبلها السري بوطن رفضت منذ البداية أن تقطعه

sultan2016وصلت أوراق أمي اليوم مختومة بالموافقة على هجرتها إلى أمريكا… اتصلت بأختي وطلبت أن أتحدث مع أمي…
ـ ماما….أنا وفاء!
ـ وفاء؟
ـ إي…
ـ مشتاقتلك يا حبيبتي متل ما عاشق الصلاة مشتاق لصلاتو!
أجهش بالبكاء، ثمّ أتظاهر بالقوة: الفيزا ايجت، رح جيبك عا أمريكا..
ـ عا أمريكا؟؟؟
ـ إي…
ـ ما فيني إيجي!
ـ ليش؟؟
ـ ما فيني أترك ستك (جدتك) لوحدا! وتتابع: ختياره مين رح يعتني فيها إذا رحت؟؟
ماتت جدتي من خمسة عشر عاما، لكن أمي مازالت متعلقة بأمها كما أنا متعلقة بأمي..
……
أتساءل: هل عندما يتغييم الوعي يمرّ الإنسان بأعلى درجات صحوه ويقظته؟ ربما، فالوعي يحجب عنا الحقيقة الكامنة في اللاوعي! أمي صاحية لدرجة عبرّت فيها عن اشتياقها لي بطريقة أرهف من زخات المطر هذا الصباح… وصاحية أيضا كي تتشبث بأمها وترفض أن تقطع حبلها السري بوطن رفضت منذ البداية أن تقطعه!
اختي اتخذت من موضوع جدتي برهانا على أن نقل أمي إلى أمريكا بهذا الوضع جريمة.. وأنا اتخذت من وصفها لاشتياقها لي برهانا على أنها صاحية إلى حد تستحق عنده وطنا جديدا.. وطنا يستر ما تبقى من العمر بلا ألم ومذلة… لا أعرف من فينا على حق: أنا أم أختي! وتستمر المعضلة مضحكة مبكية ولا حل يلوح في نهاية الأفق!

اختي مصرّة على أنها لن تعرفني.. وأنا مصرّة على أنني أعرفها، وهذا يبرر أن أتحمل مشقة نقلها إلى وطنها الجديد!
ستموت في حضني، وإن سبقتها سأموت في حضنها، وهذه هي غايتي..
….
تتصل بي فرح لتخفف من حدة ألمي…. ماما، لا تقلقي ستأتي التاتا، وسنأخذ صورة لها ولك ولي ولجازي معا! صورة تجسد أربعة أجيال…. يبدو أن فرح متمسكة أيضا بحبلها السري!
….
بانتظار أن تطلب السفارة الأمريكية في بيروت جواز سفر أمي… أترقب الأمر بقلق مرعب، وأترك القضية في أيدي الكون…
فأياديه هي الأرحم…. والقادم ـ في نظري ـ دائما هو الأجمل!
أعزائي القرّاء: لا علاقة للصورة بالموضوع ولكنني شفطتها من الفيس بوك، لأنها معبّرة بطريقة رائعة….

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.