بقلم مايكل آيزنشتات ومايكل نايتس/
شهد الأسبوع الماضي حادثتين في غاية الأهمية تتعلقان بسلاح الجو الفتاك لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل داخل سورية. وجاء كل منهما ردا على اختبارات واضحة من قبل القوات السورية والإيرانية والروسية، وقد يحدث قريبا المزيد من هذه الاختبارات.
التقصي وراء إسرائيل
في 10 شباط/فبراير، اخترقت طائرة إيرانية بدون طيار من طراز “سيمورغ” شمال شرق إسرائيل. ووفقا لمصادر عسكرية إسرائيلية، انطلقت الطائرة من محطة تحكم أرضية متنقلة تابعة لـ”حرس الثورة الإسلامية” الإيراني تقع في قاعدة “التياس” الجوية السورية بالقرب من تدمر. وبعد توغل دام حوالي تسعين ثانية، أسقطت طائرة هليكوبتر من طراز “أباتشي” تابعة لـ”سلاح الجو الإسرائيلي” الطائرة بدون طيار فوق وادي “بيت شآن”. ثم سارع “الجيش الإسرائيلي” لضرب قاعدة “التياس” بواسطة ثماني طائرات من طراز
“F-16I”.
وردا على ذلك، أطلقت سورية صواريخ أرض ـ جو على الطائرات الإسرائيلية، بما فيها عدد من الصواريخ التي سقطت في شمال إسرائيل، مما أدى إلى إطلاق أجهزة إنذار الدفاع المدني. كما تم إسقاط إحدى المقاتلات الإسرائيلية من طراز “اف 16” بواسطة صاروخ من طراز
“SA-5”
على ما يبدو، بعد أن أخفقت في اتخاذ إجراءات المراوغة المناسبة أثناء تقييم الأضرار التي لحقت بأهدافها. إلا أن الطيارين هبطا داخل إسرائيل.
على الرغم من الانتقادات المحلية للتورط خارج الحدود خلال الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، لا يبدو أن “حرس الثورة الإسلامية” بات أقل استعدادا للتدخل في الخارج
وسرعان ما استمرت دورة التصعيد عندما استهدف “جيش الدفاع الإسرائيلي” اثني عشر مجمعا داخل سورية، شملت الدفاعات الجوية بالقرب من دمشق ودرعا، فضلا عن ثلاثة مواقع عسكرية تشمل قيادات إيرانية هي “تل المانع”، و”الديماس” و “تل أبو الثعلب”. وإجمالا، قد تكون سورية قد أطلقت ما يزيد عن عشرين صاروخ من طراز “سام” بما في ذلك صواريخ أرض ـ جو من طراز
“SA-3″ و”SA-5″ و”SA-6″ و”SA-17”.
ولا يوجد أي دليل حتى الآن على أن الصواريخ أو الرادارات التي تديرها روسيا قد ساهمت في إسقاط المقاتلة الإسرائيلية.
الضغط على الشركاء الأميركيين
في ليلة 7 شباط/فبراير، أطلق طابور من الوحدات التي تقودها إيران قذائف مدفعية باتجاه “قوات سورية الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة جنوب دير الزور، على بعد ثمانية كيلومترات من خط تجنب المواجهة في شرق نهر الفرات الذي أنشأته واشنطن وموسكو. ثم تقدم الطابور نحو موقع “قوات سورية الديمقراطية” المحاذي لحقول النفط في قرية “طابية جزيرة” وكانت في مقدمته دبابات من نوع
“T-55” و”T-72″،
ووفقا لعدة تقارير إخبارية وعدد من الأخبار المنشورة على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، شملت القوة ـ المؤلفة من حوالي 500 جندي ـ مقاتلين أفغان تابعين لميليشيا “لواء فاطميون” التي يقودها “حرس الثورة الإسلامية”، وعناصر قبليين محليين عرب تم تجنيدهم مؤخرا للقتال إلى جانب ميليشيا “لواء الباقر” بقيادة ضباط إيرانيين، ومقاتلين من “قوات الدفاع الوطني” التابعة لنظام الأسد، إلى جانب القوات المساعدة “صائدو الدواعش” المجهزة من روسيا، والمقاتلين العسكريين الروس (الذين يشاركون في الحرب بموجب عقود) الخاصين من “مجموعة واغنر”.
وقد دمرت القوات الجوية والمدفعية الأميركية القوة المهاجمة، مما أسفر عن مقتل حوالي مئة شخص، من بينهم ما يقدر بنحو ثلاثين جنديا من “قوات الدفاع الوطني” وأربعين سوريا آخرين، وثلاثين مقاتلا ـ معاقدا ـ روسيا (إلا أن بعض التقارير تدعي بأن عدد القتلى كان أكبر من ذلك بكثير، ربما لأنها تحسب السوريين المجهزين بالأسلحة الروسية أيضا). كما دمرت حوالي عشرين مركبة، منها تسع دبابات. وقد استخدم الجيش الأميركي قوة نيران هائلة لبعث رسالة قوية من بينها مقاتلات من طراز
“F-15″ و”F-22”
وطائرة عمودية مسلحة من طراز
“AC-130”
ومروحيات “أباتشي” ومدفعية “مشاة البحرية”.
حسابات “حرس الثورة الإسلامية”
يبدو أن “حرس الثورة الإسلامية” الإيراني يقف وراء العمليتين الاستفزازيتين الأخيرتين، تماشيا مع تاريخه الطويل في استخدام الطائرات بدون طيار لتنفيذ عمليات عسكرية داخل سورية، ودوره الرئيسي في تنسيق العمليات الهجومية لنظام الأسد جنوب دير الزور. وهنا يبرز السؤال عن الرابط بين الاختبارين، إن ارتبطا أساسا.
يتعين على الولايات المتحدة أن تنفذ برنامجا محدودا وسريا لتدريب الجماعات المتمردة غير السلفية وتجهيزها في درعا وفي أماكن أخرى في سورية
هناك شيء واحد واضح: وقعت كلتا الحادثتين على خلفية الثقة الإيرانية المتزايدة بأن التدخل في سورية قد أنقذ نظام الأسد، وحدّ من انتشار القوات الأميركية في شمال شرق البلاد إلى موطئ قدم ضئيل، وسمح لطهران بإنشاء قاعدة للعمليات الموجهة ضد إسرائيل. وقد أصبح “حرس الثورة الإسلامية” الإيراني الآن قادرا على جمع معلومات استخبارية عن إسرائيل بشكل مباشر، وتدعيم “حزب الله” وإعادة تزويده بالأسلحة عن طريق البر، وربما تحويل هضبة الجولان إلى جبهة عسكرية نشطة.
وفي حين سبق أن حلقت طائرات بدون طيار من سورية و”حزب الله” فوق إسرائيل في الماضي، إلا أن هذا أول توغل معروف لطائرة إيرانية بدون طيار. ويبدو أنها دخلت المجال الجوي الإسرائيلي عبر شمال غرب الأردن، ربما لتحقيق مفاجأة، وإثارة الغموض حول نقطة انطلاقها، وتعقيد الرد الإسرائيلي، واختبار الدفاعات الإسرائيلية هناك. ويشير إسقاطها بهذه السرعة إلى احتمال تعقبها قبل دخولها إسرائيل، وإلى أنها افتقرت إلى العديد من الميزات الخفية الخاصة بالطائرة الأميركية بدون طيار
(من طراز “RQ-170”)
التي من المفترض أن تصنيع الطائرة الإيرانية استند إلى النموذج الأميركي (وكانت إيران قد استولت عليها عام 2011). ومن المفترض أن يساعد الكشف التقني للحطام إلى توضيح بعض الأسئلة المتعلقة بمهمة الطائرة بدون طيار وما إذا كانت مسلحة. وأيا كان الأمر، تدل الحادثة على أن إيران أصبحت الآن مستعدة لاستخدام سورية كقاعدة للعمليات داخل إسرائيل وقادرة على القيام بذلك، مما يمثل مرحلة جديدة من التوترات بين الخصمين.
أسئلة لم تتم الإجابة عليها
تثير المواجهتان الأخيرتان أسئلة ملحة حول تحركات إيران المقبلة ودور روسيا المحتمل:
لماذا نفذت إيران مهمة الطائرة بدون طيار؟ إذا كان الهدف هو جمع المعلومات الاستخباراتية، كان بإمكان طهران أن تنشر طائرات بدون طيار أصغر حجما كتلك التي سبق أن استخدمها “حزب الله” لاختراق المجال الجوي الإسرائيلي. ولكن بدلا من ذلك، اختارت على ما يبدو نظام “سيمروغ” الذي لم يتم اختباره بعد. ولعل فشل إسرائيل في إسقاط طائرة بدون طيار تابعة لـ”حزب الله” في تموز/يوليو 2016 أدى إلى اعتقاد المسؤولين في “حرس الثورة الإسلامية” الإيراني أن نظام “سيمروغ” “الخفي” يمكن أن يعمل دون عوائق، خاصة مع عنصر المفاجأة. وقد يكونوا قد تحمسوا أيضا لتجربته كوسيلة لتسجيل نقاط دعاية بعد نكسة دير الزور. وعلى أي حال، يبدو أن الطائرة حلقت على ارتفاع يمكن اعتباره منخفضا على نحو غير عادي سواء لمهمة استطلاعية أو هجومية.
أصبح “حرس الثورة الإسلامية” الإيراني قادرا على جمع معلومات استخبارية عن إسرائيل بشكل مباشر
هل تُظهر إيران ميلا متزايدا للمخاطرة؟ على الرغم من أن طهران ربما اعتقدت أن الطائرة بدون طيار كانت ستمضي قدما بدون اكتشافها، إلا أن العملية كانت محفوفة بالمخاطر إلى حد كبير وغير عادية نظرا لاستراتيجية “حرس الثورة الإسلامية” المتمثلة في الاعتماد على الوكلاء. ومن بين الأسئلة التي تطرح نفسها هنا، كيف ستؤثر هجمات “جيش الدفاع الإسرائيلي” ـ التي أفيد بأنها قتلت عددا من الأفراد الإيرانيين ـ على سلوك إيران المخاطر في المستقبل؟ ولماذا لم يرد “حزب الله” بالنيابة عن راعيه؟
في الماضي، كانت إيران تتراجع في كثير من الأحيان عندما يتم التصدي لها بقوة، وذلك فقط لتجديد التحدي في مكان وزمان مختلفين، وأحيانا بوسائل مختلفة. وأدى مقتل الأفراد الإيرانيين إلى فتح حساب دموي جديد قد يسعى “حرس الثورة الإسلامية” إلى تصفيته في وقت لاحق ـ على الرغم من أن “حزب الله” يفضل على الأرجح تجنب التصعيد الآن على الحدود اللبنانية في ضوء الانتخابات المقبلة في لبنان. وعلى الرغم من الانتقادات المحلية للتورط خارج الحدود خلال الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، لا يبدو أن “حرس الثورة الإسلامية” بات أقل استعدادا للتدخل في الخارج.
ما هي حسابات موسكو؟ من المرجح أن يكون الكرملين قد أدرك أن المقاتلين الروس (الذين يشاركون في الحرب بموجب عقود) كانوا يُستخدمون في عملية دير الزور. غير أن رئيس أركان “سلاح الجو الإسرائيلي” قال إن موسكو لم تشارك في حادثة الطائرة، وإنه تم إبلاغ السلطات الروسية في وقت ما بالعمليات الانتقامية التي تقوم بها إسرائيل. ومع ذلك، قد تكون إيران قد أخطأت في اعتبار أن وجود الروس في عملية التقصي لما حدث في دير الزور وفي مطار “التياس” سيردع واشنطن وإسرائيل عن الرد.
توصيات سياسية
نظرا لاحتمال استمرار إيران في اختبار الخطوط الحمراء الأميركية والإسرائيلية في سورية، يتعين على إدارة ترامب اتباع نهج أكثر اتساقا يشمل التدابير التالية:
الاستفادة من المصداقية المكتسبة في دير الزور من خلال مراقبة الخطوط الحمراء الأميركية بشكل أكثر اتساقا. قد تنظر الولايات المتحدة في استئناف الضربات ردا على حوادث الأسلحة الكيميائية في المستقبل، وقد يتسع نطاق هذه الإجراءات بشكل مسوغ لتشمل عناصر إيرانية قريبة أو أخرى وكيلة لها تدعم قوات نظام الأسد. بالإضافة إلى ذلك، من شأن الضربات على أهداف إيرانية عالية القيمة غير المرتبطة مباشرة بهذه الاستفزازات أن تزيد من تعقيد الحسابات الإيرانية وجعل الضربات الأميركية أقل توقعا.
تدل حادثة إسقاط الطائرة الإيرانية من دون طيار على أن إيران أصبحت الآن مستعدة لاستخدام سورية كقاعدة للعمليات داخل إسرائيل
الاستعداد لتحدٍ غير مباشر للوجود الأمريكي في مناطق “قوات سورية الديمقراطية”. قد يشمل ذلك الضغط الإيراني على العراق لإغلاق خط الإمداد الأميركي عبر نهر دجلة. على واشنطن وضع خيار تركي للحفاظ على وجودها في سورية، فيما يتجاوز دعم القوات المعتدلة في بغداد، والتأكيد لأنقرة أنها ستقيد العناصر الكردية التي تقود “قوات سورية الديمقراطية” وتضغط عليها لقطع علاقاتها مع “حزب العمال الكردستاني”.
دعم جيب المعارضة جنوب غرب البلاد في محافظة درعا. قد يعمد “حرس الثورة الإسلامية” وحلفاؤه في المرحلة القادمة إلى تقصي هذه المنطقة الواقعة على الحدود الأردنية، بهدف تقسيمها إلى قسمين. لذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تنفذ برنامجا محدودا وسريا لتدريب الجماعات المتمردة غير السلفية وتجهيزها هناك وفي أماكن أخرى في سورية، كجزء من جهد أوسع لتقييد العناصر المؤيدة للنظام والحد من قدرتها على إثارة المشاكل للقوات الأميركية أو الدول المجاورة.
طمأنة الحلفاء. يعني ذلك الاستمرار في دعم الردود الإسرائيلية القوية عندما تتحدى إيران أو “حزب الله” سيادة إسرائيل أو أمنها، ومساعدة الأردن على الحفاظ على أمن مجاله الجوي ضد الاختراقات الإيرانية.
عرض عواقب التصعيد بشكل علني. يجب على واشنطن أن توضح أنه إذا فتحت القوات الإيرانية أو وكلاؤها نزاعا أوسع مع إسرائيل، فقد تخرج ضعيفة بحيث تعرض للخطر المكاسب التي حققتها بصعوبة ضد القوات المتمردة في سورية.
إعلام روسيا بأن الولايات المتحدة ستدافع بقوة عن مصالحها في سورية. في الوقت نفسه، يجب على واشنطن أن تعمل مع موسكو على إعادة تنشيط الجهود الدبلوماسية لإدارة الصراع في سورية وتجنب تورط البلدين في مواجهة خطيرة خاصة بهما.
مايكل آيزنشتات هو زميل “كاهن” ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن، ومؤلف التقرير الأخير “رد الفعل الإقليمي، التراجع النووي: استراتيجية شاملة لإيران في حالة اضطراب”.
مايكل نايتس هو زميل “ليفر” في المعهد.
المصدر: منتدى فكرة