تاريخ اسم عُمر وأصل العُمرة

جورج كدر
كاتب وباحث وإعلامي من سوريا

اسم هوميروس اسم سرياني واسم عربي أصله عميروس أو عميرو، وهي من الجذر “عمر”، والسين لاصقة باللاتينية أوميرو
omero
تعني في السريانية الراوي، المنشد، الشاعر، كما يقول الباحث السوري أحمد داوود في موسوعته “نينورتا”.

طبعًا لاسم عمر معانٍ كثيرة في اللغات القديمة وأعتقد أنه من الأسماء الدينية فقد كان من آلهة العرب قبل الإسلام، ويفيد معنى الاسم في السريانية
emer:
قال، حكى، روى، أخبر، قصّ، أنشد، غنّى، وصف، مدح، حكم، وعظ، وهي جميعها تلتقي في كونها وظائف دينية في الديانات القديمة.

علينا الانتباه هنا في اشتقاق الكلمة إلى أن كلمة أَمْر ܐܡܵܪܵܐ تحمل معنى القول وما يرتبط به. ولكن ثمة كلمة قريبة جدًا من القول والوعظ ويؤكد على وظيفة الكلمة الدينية وهي كلمة ܡܪܵ عومرا في السريانية، وجذرها عُمر التي تعني الحياة والعشيرة والكنيسة، هذه الكلمة التي يشبه رسمها رسم كلمة القول يمكن أن يتقاطعا في المعاني لتروي لنا تاريخًا من تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية عند الشعوب القديمة، فكلمة عمر بوصفها مكانًا مقدسًا للعبادة وللحياة، وبقربها من كلمة القول والوعظ، تقودنا ببساطة إلى استنتاج أننا يمكن أن نستخلص من كلمة “عُمر” كاسم وليس كصفة معنى الكاهن، بالجمع بين وظيفة الوعظ والإرشاد والتبشير، وبين ارتباطها بالمكان وهو العمرة الذي يعني الكنيسة أو الدير أو مكان العبادة، ثم بربطها بطقس “العُمرة” القديمة الذي يعني زيارة بيت الإله. وهذا ما سنجده واضحًا في اشتغالنا على “الحفرية اللغوية”، وهي كلمة “عمر”.

لا يتعلق الجذر “عمر” في اللغة السريانية بالوظائف الدينية لرجل دين فقط، بل في اسم المكان أيضًا، وسنجد كيف اختصرت لغة العرب بصفتها اللغة التي التقت في رحمها كل اللغات القديمة، لتولد بأبهى ما تكون عليه اللغة في قدرتها المذهلة على التعبير، فلغة العرب جمعت كل المعاني التي أسهبنا في شرحها لتطلق “عُمر” على “الدين” بشكل عام.

“عومرا” في اللغة السريانية بلهجتها الشرقية تعني الكنيسية، والمسيحيون السريان يسمون طقس الذهاب كل أسبوع إلى الكنيسية بـ”العُمرة” إلى يومنا هذا، وهي كلمة بقدم اللغة السريانية وكانت الأصل في تسمية “العمرة” عند المسلمين التي تعني زيارة الأماكن المقدسة ودون الحج. تكتب كلمة عومرا بالسريانية الشرقية ܥܘܼܡܪܵܐ، أما بالسريانية الغربية عومرو، أي بواو وليس بالألف في النهاية، وعليه فإن اسم عمرو بإضافة الواو، أو عمير ليست تصغيرًا كما يقال في اللغة العربية وإنما هي اشتقاقات اسم الفاعل واسم المفعول من الاسم.. إلخ. ففي لسان العرب جاء: “عَمْرو: اسم رجل يكتب بالواو للفرق بينه وبين عُمَر، وتُسْقِطها في النصب لأَن الأَلف تخلفها، والجمع أَعْمُرٌ وعُمور”.

في القاموس السرياني:
كلمة ܥܲܡܪ عمر: تعني الحياة.
كلمة ܥܡܵܪܵܐ عمارة: تعني يعمر، يسكن، يقطن.
كلمةܡܪܵ عامرا: تعني الصوف، ويجب علينا أن نلاحظ هنا أن الاسم عَمرو في العربية حيث الألف الأخيرة في السريانية الشرقية هي حرف واو عند شقيقتها الغربية، أي أن عَمرو هنا يرتبط بالمصطلحات الرعوية.
كلمة ܥܘܼܡܪܵܐ عومرا: تعني دار، كنيسة، دير كنيسة، مسكن، حياة، سيرة.

ولكلمة عمر في لسان العرب كما السريانية معانٍ كثيرة واشتقاقات شيقة ومعقدة في آن معًا، فهي الحياة، وهي الدين، وفي معانيه الدينية هو زيارة بيت الإله واعتمار الرجل والمرأة في حرمته، واللافت أن تسمية عُمَر هو جمع للمفردة العُمرة. وللعمرة في لغة العرب معنيان واضحان، فهي زيارة بيت الله، وهي الزواج بامرأة. لكن العُمرة لها فروق بسيطة عن الحج والعرس، تميزها لغة العرب فالعُمْرة في العمل الطوافُ بالبيت والسعيُ بين الصفا والمروة فقط، وهي تكون للإِنسان في السَّنَة كلها، وهنا أبرز فروقها عن الحج الذي يكون في وقت واحد في السنة كلها. والعمرة هي الإقرار ببقاء الله، وبشكل أكثر وضوحًا هي “الدين” وهذا ما يبدو جليًا في اللغط الذي ساد بين علماء العربية منذ وقت مبكر في عبارة القسَم: لَعَمْرِي ولَعَمْرُك، حيث روي عن ابن عباس في قوله تعالى: لَعَمْرُك أَي لحياتك. قال: وما حَلَفَ الله بحياة أَحد إِلا بحياة النبي، صلى الله عليه وسلم، لكن أَبا الهيثم فيما ينقل عنه ابن منظور في لسانه يقول: النحويون ينكرون هذا ويقولون معنى لعَمْرُك لَدِينُك الذي تَعْمُر، وقال الجوهري إِذا قلت عَمْرَك اللهَ فكأَنك قلت بِتَعْمِيرِك الله أَي بإِقرارك له بالبقاء.

أما في معنى الزواج فالعُمْرةُ هي: أَن يَبْنِيَ الرجلُ بامرأَته في أَهلها، فإِن نقلها إِلى أَهله فذلك العُرْس. والطريف أن العرب تسمي سمت المرأَة عَمْرة (وبهذا المعنى يمكن الاستدلال على أن الرجل الذي يحج لزوجته ليبني بها في دار أهلها بالعمري وليس العريس). والعَمَر، وهو المنديل أَو غيره، تغطّي به الحرّة رأْسها. ومنه الاعتمار أي وضع العمامة على الرأس والعوامِرُ: الحيّات التي تكون في البيوت، وأحدها عامِرٌ وعامرة وسميت عَوامِرَ لطول أَعمارها.

وهناك ثنائية لغوية أخرى لا تقل تشويقًا عن الحج والعمرة والعرس والعمرة وهي العمري والعبري، تشويق يؤدي بنا إلى الصدمة عندما نعلم أن العمري والعبري في اللغة واحد وقد أبدلت الميم باء، والاسمان يعنيان شجر السدر ولهذا الشجر مكانة مقدسة وعظيمة في الديانات القديمة بزيته وأوراقه وأغصانه وهو أهم أشجار الجنة “سدرة المنتهى”، وأيضًا يعني النخل وهو من الأشجار المقدسة عند العرب القدماء. يقول ابن منظور بشكل لا لبس فيه عُمْرِيُّ الشجرِ: قديمُه، نُسب إِلى العُمْر، وقيل: هو العُبْرِيّ من السدر، والميم بدل. قال الأَصمعي: العُمْرِيّ والعُبْرِيّ من السِّدْر القديم، على نهر كان أَو غيره، والعُمْريَّة هي العظيمة القديمة التي أَتى عليها عُمْرٌ طويل. ويقال للسدر العظيم النابت على الأَنهار: عُمْرِيّ وعُبْرِيّ على التعاقب. وقد أطلقت تسمية العُمْرُ: لضربٌ من النخل، وقيل: من التمر. والعُمور: نخلُ السُّكَّر وهو السَّحُوق الطويل، وهو معروف عند أَهل البحرين.

ومن عمر جاءت تسمية الجَدْيُ باليَعْمورُ، واليَعامِيرُ الجِداءُ وصغارُ الضأْن، واللافت حقًا أن إلزة زايبرت تظهر في كتابها “رمز الراعي في بلاد الرافدين” أن اسم إله الرعاة في بلاد الرافدين “عمورو”، وبإمكاننا أن نرى على مشاهد تعود للفترة الأشورية “عمورو” إله الرعاة واضعًا قدمه فوق جسد حيوان وديع ماسكًا عصا الرعاة بإحدى يديه ليدل على عطفه ورعايته لقطعان الماشية.

هذا ما يفسر القدسية التي أحيط بها اسم عمر، وربما لن يكون من المستغرب عندما نعلم لماذا كان اسم مؤسس دين العرب القدماء كما تقول أساطيرهم هو “عمرو بن لُحَيّ الخزاعي”، ولماذا كان اسم عمر من الأسماء القديمة جدًا في الجزيرة العربية، وهو كان من الأسماء الواردة في النقوش الثمودية بتيماء، وكذلك اسم عمر في الاسم الإسلام كان له شأن عظيم، وقد ارتبط اسمه في تثبيت ركائز الدين الاسلامي، وفي التاريخ الإسلامي يشتهر قضاء “العمرين” في البت في كثير من القضايا العالقة، لا بل إن سلطة عمر بن الخطاب كانت قوية في التشريع والفقه الإسلامي.

عدا عن الثنائيات الجميلة في اسمه التي تدل على الولادة والخلق والعمر الطويل، وبهذا المعنى سيكون له أهميته الكبرى في حياة العرب الرعاة كإله للرعاة، أو العرب المستقرين كإله للنخيل والسدر وغيرها من الأشجار التي تعني حياة جديدة في رحم الصحراء القاحلة، فيها يمكن أن يجتمع الناس ويؤسسون حياتهم لديمومة الحياة وحفظ نوعهم فعِمارةَ الأَرض، وهي فوق البَطْن من القبائل، أَولها الشَّعْب ثم القبيلة ثم العَمارة ثم البَطْن ثم الفَخْذ. وهي التي تنظم الحياة الزراعية والرعوية ليستمر الإنسان في حياته، وهي أيضًا “الدين” بالمعنى الناظم لحياتهم الدينية والروحية، والعمر سيكون بمعنى “الكاهن أو الحكيم” الذي يرعى كل ذلك.

المصدر: الترا صوت

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.