رياض الحبيّب
{وفي القرآن آيات تصف عظمة الله وجلاله كآية الكرسي التي قالوا بأنها أفضل ما في القرآن} انتهى- بداية الصفحة 616 في كتاب “الشخصيّة المحمّديّة” لمؤلفه أديب العراق الكبير معروف الرصافي- رحمة الله عليه.
هنا أوّلاً نصّ آية الكرسي أي سورة البقرة: ٢٥٥
الله لا إله إلا هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سِنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلّا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلّا بما شاء وسع كرسيّه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم.
وهنا تفسير الجلالين كاملاً للآية- وأذكّر بأنّ التعليق المحصور بين القوسين [ ] أينما وُجد هو لي أيضاً:
“الله لا إله” أي لا معبود بحق في الوجود “إلا هو الحي” الدائم بالبقاء “القـَيّوم” المُبالغ في القيام بتدبير خلقه “لا تأخذه سِنـَة” نعاس “ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض” مُلْكاً وَخـَلْقاً وَعَبيداً “من ذا الذي” أي لا أحد “يَشفـَع عنده إلّا بإذنه” له فيها “يعلم ما بين أيديهم” أي الخلق “وما خلـْفهم” أي من أمْر الدنيا والآخرة “ولا يُحيطون بشيء من علمه” أي لا يعلمون شيئاً من معلوماته “إلا بما شاء” أن يعلمهم به منها بأخبار الرسل “وسع كرسيّه السماوات والأرض” قيل أحاط علمه بهما وقيل الكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته لحديث: (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في تـُرس) – [حديث 4522 ما سيأتي ذكره في تفسير الطبري] “ولا يئوده” يثقله [عَن ابْن عَبَّاس: (وَلا يَئـُودُه حِفْظهما) يقول: لَا يَثـْقـُل عَليْه- عند الطبري أيضاً] “حفظهما” أي السموات والأرض “وهو العلي” فوق خلقه بالقهر “العظيم” الكبير
تعليقي: تفسير الإمامَين الجلالين (المَحَلّي والسّيوطي) للآية عامّ ومقتضب ما أمكن، يبدو لي أنهما استندا على ما ورد من أحاديث وتفاسير لأئمّة من قبلهما فجنـّبا نفسَيهما الخوض في متاهات الأحاديث والتآويل. إنما الأسلوب الذي رأيتُ في تفسيرهما يصلح لتفسير أيّة قطعة أدبيّة سواء نثريّة أو شعريّة، أي بغضّ النظر عن كون القطعة منسوبة إلى السماء- وإن كان الجهد المبذول في التفسير واضحاً وكبيراً نسبيّاً لأنّه يكاد يكون محصّلة لما سبق من تفاسير علميّة. لهذا السبب لا يستفيد الباحث الجادّ من الأسلوب الذي أشرتُ إليه إلّا أنْ يمرّ عليه مرور الكرام ليعرف المقصود بالآية باختصار. فتفسير الجلالين لا يُشبع فضول الباحث في أسباب “النزول” خصوصاً وسائر الظروف المحيطة بالحدث القرآني عموماً- أقول هذا في ضوء الإختلاف الملاحَظ على التفاسير والتآويل في كتب التراث. وأختم هذا التعليق بذكر اقتباس مؤلّف القرآن فكرة (السماوات السبع) الواردة في الحديث المحمّدي المُشار إليه في التفسير أعلى بأنه من قول الشاعر “الجاهلي” أمَيّة بن أبي الصّلت- ممّا ورد في قاموس “لسان العرب” لابن منظور في شرح كلمة “سماء” فمن شاء فلينظره هناك:
له ما رأتْ عَيْنُ البَصِير وفوْقهُ *** سَماءُ الإلَهِ فوْق سَبْعِ سَمائِيا [بحر الطويل- علم العروض]
أمّا التالي فمقتطفات ممّا رُويَ عن آية الكرسيّ في كتب التفسير-
* الطبري: (لا تأخذه سنة ولا نوم) لا يأخذه نعاس فينعس، ولا نوم فيستثقل نوماً. والوسن: خثورة النوم، ومنه قول عَدِيّ بْن الرِّقَاع:
وَسْنانُ أقصَدَهُ النّعَاس فرَنَّقتْ *** فِي عَيْنه سِنَة وليْسَ بنائِم [بحر الكامل]
ومن الدليل على ما قلنا من أنها خثورة النوم في عين الإنسان، قول الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس:
تُعَاطِي الضَّجِيع إذا أقبَلَتْ *** بُعَيْد النّعَاس وقبْل الْوَسَنْ [بحر المتقارَب]
وقال آخر:
باكـَرَتـْها الأغرابُ في سِنـَة النَّوْ مِ فتجْرِي خِلَال شَوْك السَّيَالِ [بحر الخفيف]
يَعْنِي عِند هُبُوبها مِن النوم ووَسَنُ النَّوْم في عَيْنهَا
حديث 4509 عن أبي هُرَيْرَة، قال: سمعت رسول الله ص يحكي عن موسى ص على المنبر، قال: (وقع في نفس موسى هل ينام الله تعالى ذكـْره؟ فأرسل الله إليه مَلَكاً فأرّقه ثلاثاً، ثم أعطاه قارورتين، في كل يد قارورة، أمره أن يحتفظ بهما) قال: (فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى، ثم نام نومة فاصطفقتْ يداه وانكسرت القارورتان) قال: ضرب الله مثلاً له، أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض
[تعليقي: يبدو أنّ محمّداً (المشبّع بمعلومات كتابية استقاها من أهل الكتاب والشعراء الموحّدين) قد سُئل عن الله “هل ينام” لذا وضع في ذهنه ما تعلّم بأنّ الله (لا تأخذه سِنة ولا نوم) وهي صفة بديهية مُطلقة للخالق، معروفة في التوراة والمزامير وسائر كتب الأنبياء والإنجيل- كما في الفصل 132 من سِفـْر المزامير:
مز-132-4: لا أُعْطِي وَسَناً لِعَيْنيَّ وَلا نوْماً لأَجْفانِي
أمّا رواية محمّد عن موسى النبي فلا وجود لها في التوراة ولا يوجد مصدر لتلك الرواية سوى الأساطير الإسرائيليّة التي في التلمود اليهودي والذي سرق محمد كثيراً منه وأدرج في القرآن كقصّة سليمان وبلقيس وذي القرنين ويأجوج ومأجوج وغير ذلك؛ إمّا طبق الأصل أو مع تحريف أو تغيير أو سوء فهم. وقد أشرت فيما مضى من حلقات عن تردد محمد على بيت المدراس اليهودي وإصغائه إلى ما يُروى هناك]
عودة إلى الطبري- اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وَسِعَ السموات والأرض، فقال بعضهم: هو عِلم الله تعالى ذكره- عَنْ ابْن عَبَّاس: (وَسِعَ كُرْسِيّه) قالَ- كُرْسِيّه: عِلْمه
4517 – حَدَّثنِي عَلِيّ بْن مُسْلِم الطُّوسِيّ… عَن أبي مُوسَى [الأشعَري- والحديث مذكور لدى القرطبي] قال- الكُرْسِيّ: مَوْضِع الْقدَمَيْنِ، ولهُ أطِيط كأطِيطِ الرَّحْل
4524 – عَنْ عبد الله بن خـَلِيفة، قالَ : أتت امْرَأَة النّبيّ ص، فقالتْ: اُدْعُ الله أنْ يَدُلّنِي الجَنَّة! فعَظَّمَ الرَّبّ تعالى ذِكْره، ثمّ قال: (إنَّ كُرْسِيّه وَسِعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض، وأنَّهُ لَيَقعُد عَليْهِ فمَا يَفْضُل مِنْهُ مِقدَار أرْبَع أصَابع) ثُمّ قال بأَصَابِعِهِ فجَمَعَها: (وإنّ لهُ أطِيطًا كأَطِيطِ الرَّحْل الجَدِيد إذا رُكِبَ مِنْ ثِقـَله)
[تنويه: نقرأ في معجم “لسان العرب” سالف الذكر عن الجوهري: الأَطِيطُ صوت الرّحل والإِبل من ثِقـَل أَحْمالِها. والأَطيط أَيضاً: صوت النِّسْعِ الجديد وصوت الرَّحْل وصوت الباب، ولا أَفعل ذلك ما أَطَّتِ الإِبلُ؛ قال الأَعشى «في معلّقته وهي من بحر البسيط»
ألَسْتَ مُنتهِياً عن نـَحْتِ أَثـْلَتِنا؟ *** ولَسْتَ ضائرَها، ما أَطَّتِ الإِبـِلُ
وقد يكون الأَطِيطُ في غير الإِبل؛ ومنه حديث عُتبة بن غزوان (رض) حين ذكَر بابَ الجنة قال: ليَأْتِينَّ على باب الجنة زمانٌ يكون له فيه أطِيطٌ أَي صوتٌ بالزِّحامِ. وفي حديث آخر: حتى يُسْمَعَ له أَطِيطٌ يعني بابَ الجنة…]
4519 – حدّثني المُثنَّى… عَن الضَّحَّاك قَوْله: (وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض) قال: كُرْسِيّه الَّذي يُوضَع تحْت العَرْش، الَّذِي يَجْعَل المُلوك عَلَيْهِ أقدامهمْ
4521 – عَن الرَّبيع قال: لمّا نزَلَتْ (وَسِعَ كُرْسِيّه السّمَوات والأرض) قالَ أصْحاب النبيّ ص: يا رسول الله هذا الْكُرْسِيّ وَسِعَ السَّمَوات والأرْض، فكيْفَ العَرْش فأنْزلَ الله تعالى (وما قـَدرُوا اللَّه حَقّ قدْره) إلى قَوْله (سُبْحَانه وتعَالى عَمَّا يُشْرِكُون) – [يقصد سورة الزمَر: 67 وهنا نصّها: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بيَمِينِهِ سُبْحَانهُ وَتعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون]
تعليقي: قرأت رواية مسلم في صحيحه عن ابن عُمَر قال: قال رسول الله ص: يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: «أنا الملك، أنا الجبار، أين المتكبرون» ثم يطوي الأرضين السبع ثم يأخذهنّ بشماله ثم يقول: «أنا الملك، أنا الجبار، أين المتكبرون» واللافت في هذا الحديث قوله (ثم يأخذهنّ بشماله) غير المنوّه عنه في سورة الزمَر إنما اليد اليمنى فقط- وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بيَمِينِه! ويا ليت شِعْري ألمْ يقلْ مؤلّف القرآن في سورة النور: 35 (الله نور السماوات والأرض) فكيف تكون للنور قبضة ويمين وشمال؟ ولكنْ يبدو لي أنّ محمّداً قد فصّل ربّ القرءان على مقياسه فأشرك به شخصه؛ ألمْ يقلْ في التوبة: 29 (ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله) وفي المائدة: 33 (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) وغيرهما ما يُعطي دليلاً قاطعاً على أنّ الإسلام ليس بديانة توحيديّة لأنّ محمّداً هذا كان مُشركاً شخصه بالإله في قرآنه وحديثه.
4522 – حدّثنِي يُونُس… قالَ رَسُول الله ص (ما السَّمَوات السَّبْع في الكُرْسِيّ إلَّا كدَرَاهِم سَبْعَة أُلْقِيَتْ فِي تُرْس) قَالَ- وقالَ أبُو ذرّ: سَمِعْت رَسُول الله ص يَقول (مَا الْكُرْسِيّ فِي الْعَرْش إلَّا كحَلْقةٍ مِنْ حَدِيد أُلْقِيَتْ بَيْن ظَهْرَيْ فلَاة مِن الأرض)
4523 – حَدّثني المُثنَّى…عَن الضَّحَّاك، قالَ: كان الحَسَن يَقول (الْكُرْسِيّ: هُوَ العَرْش)
وأصْل الكُرْسِيّ: العِلْم، وَمِنْهُ قيلَ لِلصَّحِيفةِ يَكون فيها عِلْم مَكتوب كُرَّاسَة، وَمِنْهُ قوْل الرَّاجز [أي الذي يأتي بشِعْر من بحر الرّجَز] فِي صِفة قَانِص: حَتّى إذا مَا احْتازها تكَرُّسًا- يَعْنِي عَلِمَ. ومِنهُ يُقال للعُلماء: الكرَاسِيّ، لِأنّهُم المُعتمَد عَليْهم، كما يُقال: أوْتاد الأرض، يَعْني بذلك أنّهُم العُلماء الّذين تصْلُح بهم الأرض؛ ومنه قول الشّاعر:
يُحَفّ بهِمْ بـِيض الْوُجُوه وَعُصْبَة *** كَرَاسِيّ بالأحداثِ حِين تنُوب [بحر الطويل]
يَعْنِي بذلِك عُلمَاء بحوادِث الأمُور ونوَازِلها. والعَرَب تسَمِّي أصْل كُلّ شَيْء الكِرْس، يُقال مِنْهُ: فُلَان كريم الكِرْس: أيْ كرِيم الأصْل، قالَ العَجَّاج [من بحر الرّجَز]
قدْ عَلِمَ القُدّوس مَوْلَى القُدْسِ
أنَّ أبَا الْعَبَّاس أَوْلَى نَفْسِ
بمَعْدِنِ المُلْك الكَرِيم الكِرْسِ
يعنِي بذلِك: الكريم الأصْل، ويُرْوى: فِي مَعْدِن العِزّ الكريم الكِرْسِ
————–
* القرطبي
هذِهِ آيَة الْكُرْسِيّ سَيِّدة آي القرآن وأَعْظَم آيَة، كما تقَدَّمَ بَيَانه فِي الفاتِحَة، وَنزَلَتْ لَيْلًا وَدعا النَّبيّ ص زَيْداً فكتبَها. ورَوى الأئِمَّة عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب قال: قال رَسُول اللَّه ص: (يَا أَبَا الْمُنْذِر أتدري أَيّ آيَة مِنْ كِتاب اللَّه مَعَك أَعْظَم)؟ قَال قـُلْتُ: اللَّه وَرَسُوله أعْلَم قال: (يَا أَبَا الْمُنْذِر أتدرِي أَيّ آيَة مِنْ كِتاب اللَّه مَعَك أعْظَم)؟ قالَ قلت: “اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيّوم” فضَرَبَ في صَدْرِي وقالَ: (لِيَهِنك الْعِلْم يَا أبَا المُنذِر)
[تعليقي: القول (اللَّه ورسُوله أعْلَم) شرك بالله- كما أسلفت- لأنّ المفروض أنْ يكون عِلْم الإنسان قطرة في مُحيط علم الله! وقد اعترف مؤلّف القرآن بقلّة علمه بعدما سُئِل عن الروح وعجز من الجواب- والدليل في سورة الإسراء: 85 (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)]
– عن أنـَس رَفعَ الحَدِيث إلَى النبيّ ص قال: (أوْحَى الله إلَى مُوسَى عَليْهِ السّلَام مَنْ داوَمَ عَلى قراءة آيَة الكُرسِيّ دُبُر كلّ صلاة أعْطيته فوق ما أعْطِي الشّاكرِين وأجْر النَّبيِّين وأعْمال الصِّدِّيقِين وبسَطْت عليه يَمِينِي بالرّحْمة ولمْ يَمْنعهُ أنْ أُدخِلهُ الجَنّة إلَّا أنْ يَأتِيه مَلَك الموت)
– قالَ مُوسَى عليه السّلام: يا رَبّ مَنْ سَمِعَ بهذا لا يُداوم عَليْه؟ قال: (إنّي لا أُعْطِيه مِنْ عِبادي إلّا لنبيّ أوْ صِدِّيق أوْ رَجُل أُحِبّهُ أوْ رَجُل أُرِيد قتْله في سبيلي)
[حديث منكر جدّاً- قول ابن كثير- وتعليقي: شكراً أوّلاً لابن كثير. وتالياً متى يتدبّر أئمّة المسلمين سائر الأحاديث المنكرة- بفتح الكاف- والآيات القرآنية المنكرة والسّنّة المنكرة بما أنّ هناك اختلافاً كثيراً عليها وعلى القراءات؛ أقصد تلك التي تدعو إلى تكفير المخالفين من الذين يرفضون الإسلام جملة وتفصيلاً وقتالهم وتلك التي تسيء إلى شخصية المرأة، إنما هي السبب في نظرات العالم المتمدن بطريقة شائكة إلى كلّ مسلم لا يزال مسلماً وإلى كلّ امرئ يدافع عن الإسلام وهي السبب في أزمة ثقة الإنسان الواعي بالأخ المسلم والأخت المسلمة بالإضافة إلى الحذر من التعامل مع أيّ منهما- وإني أشهد أنْ لا أمان في الإسلام ولا محبّة ولا أخلاق من نوافذ القرءان والحديث والسّنّة؛ فمن الأحاديث المحمدية ما روى البخاري ومسلم (مَن بدّل دينه فاقتلوه) و(أ ُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا…) والحديث عن الذي يدخل الجنة (وإنْ زنى وإنْ سرق) و(إني رأيتكنَّ أكثر أهل النار) و(ما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن) وأمّا من القرآن فسأختار بعض السّوَر التي في نظري هي الأكثر إثارة للجدل: الفاتحة والبقرة وآل عمران والنساء والمائدة والتوبة وهود والأنفال ومريم والأحزاب ومحمد والتحريم]
وعن أُبَيّ بْن كعْب قال: قال الله تعالى (يا مُوسَى مَنْ قرَأ آيَة الكرسِيّ في دُبُر كُلّ صلاة أعْطَيْته ثواب الأنبياء) قال أبو عبد الله: معناه عندي أعْطَيْته ثواب عَمَل الأنْبيَاء، فأمّا ثواب النّبوّة فليس لأحَدٍ إلّا للأنبياء. وهذهِ الآيَة تضَمَّنتْ التوحيد والصّفات العُلا، وهي خمْسُون كلِمَة، وفي كُلّ كلمة خمسون بَرَكة، وَهِيَ تـَعْدِل ثلث القرآن…
[تعليقي: قول أُبَيّ بْن كعْب- قال الله تعالى (يا موسى…) فأين قيل ذلك؟ هل في سورة في مصحف عثمان أمْ في ما دوّن أُبَيّ بْن كعْب في مُصْحَفِه الذي حرقه عثمان أم أنّ القول المذكور هو ممّا أسقِط من القرآن؟]
قالَ أبو ذرّ في حديثه الطَّويل: سألت رسول الله ص أيّ آيَة أنْزَلَ الله عليك مِن القرآن أعْظَم؟ فقال: (الله لا إله إلّا هُوَ الحَيّ القيّوم) [سيأتي التعليق عليه في حقل تفسير ابن كثير] وقال ابْن عَبَّاس: أشـْرَف آيَة في القرْآن آيَة الكُرسِيّ. قال بَعْض العُلماء: لأنّهُ يُكرَّر فيها اِسْم اللَّه تعالَى بَيْن مُضْمَر وَظاهِر ثماني عَشْرَة مَرّة.
[تعليقي: يحتاج قول ابن عبّاس (أشْرَف آيَة في القرْآن آيَة الكُرسِيّ) إلى بيان أو دليل لأنّ إطلاق الكلام جزافاً من شيمة المُفلِسين! أمّا قول بعض العلماء نيابة عن ابن عبّاس (لأنّهُ يُكرَّر فيها اِسْم اللَّه تعالَى بَيْن مُضْمَر وَظاهِر ثماني عَشْرَة مَرّة) فهل يُصبح قول زانٍ أو قاتل أو سارق أو كاذب… إلخ شريفاً إذا كرّر في قوله اسم الله تعالى ثماني عَشْرَة مَرّة؟ ولو كرّره ثمانين مرّة فماذا يُصبح؟]
– “القيّوم” مِنْ قامَ، أَيْ القائِم بتدبير مَا خلق، عَنْ قتادَة. وقال الحَسَن: معناه القائم على كلّ نفس بمَا كسَبَتْ حتّى يُجازيها بعمَلها، مِن حيث هو عالِم بها لا يَخفى عليه شيء منها. وقال اِبْن عبّاس: معناه الّذي لا يُحَوَّل ولا يزول، قالَ أُمَيَّة بْن أبي الصَّلْت:
لَمْ تـُخْلَق السَّمَاء وَالنُّجُومُ
والشَّمْس مَعْهَا قمَرٌ يَقومُ
قدَّرَهُ مُهَيْمِن قيّومُ
والحَشْر والجَنَّة والنَّعِيمُ
إلَّا لِأمْرٍ شَأْنهُ عَظِيمُ
[تعليقي: هذه أبيات من بحر الرّجز لأميّة بن أبي الصّلت- شكراً للإمام القرطبي- لم يدّعِ الشاعر بها وحياً من عند الله، لكنّ اللافت هو أنّ مؤلّف القرآن قد استخدم مفردات هذا الشاعر ومعانيها لفرط ما كان يستأنس بالإصغاء إلى شعْره (خصوصاً وإلى ما لسواه من الشعراء عموماً) ولم يكتفِ بالإصغاء بل اقتبس (وتأدّباً لا يُقال: سرق) ثمّ ادّعى بها وَحْياً أو نزل به الروح الأمين- أي جبريل- مما مرّ ذكره في حلقة سابقة]
– وقرَأ اِبْن مَسْعُود وَعَلْقـَمَة والأعْمَش والنَّخـَعِيّ “الْحَيّ الْقَيَّام” بالألِفِ، ورُويَ ذلك عَن عُمَر. ولا خِلاف بَيْن أهْل اللغة في أنّ القيّوم أعْرَف عنْد العَرَب وأصَحّ بناء وأثبَت عِلَّة. والقـَيّام منقول عَن القـَوّام إلى القيّام، صُرِفَ عَن الفـَعّال إلى الفـَيْعال، كما قِيلَ لِلصّوّاغِ الصّيّاغ، قال الشّاعِر:
إِنَّ ذا الْعَرْش لَلَّذِي يَرْزُق الْنَا س وحَيّ عَليْهِمِ قـَيّومُ [بحر الخفيف]
ثـُمّ نفى عَزّ وجَلّ أنْ تأخُذهُ سِنَة ولا نوْم. وَالسِّنَة: النّعَاس في قوْل الْجَمِيع. وَالنُّعَاس ما كان مِن العَيْن فإذا صَارَ فِي القلب صَارَ نـَوْمًا.
[تعليقي: القول (ولا خِلاف بَيْن أهْل اللغة في أنّ القيّوم أعْرَف عنْد العَرَب…) لا غبار عليه، لكنّ الغبار على ما في اللوح المحفوظ- سورة البروج: 22 كذلك الإصطدام مع قوله في سورة الحجر: 9 (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون) فأيّهما المحفوظ؛ القـَيّوم الوارد في مصحف عثمان أم القـَيّام الذي في مصحف ابن مسعود بشهادته وشهادة عَلْقـَمَة والأعْمَش والنَّخـَعِيّ؟]
– لهُ ما في السّماواتِ وما في الأرْض [ولا أزال مع تفسير القرطبي] قال الطَّبَرِيّ: نزلتْ هذه الآيَة لمَّا قال الكُفّار: مَا نعْبُد أوْثانًا إِلَّا لِيُقرّبونا إلَى الله زُلْفى
[تعليقي: واضح أنّ الكفـّار المقصودين يعبدون الله ولكنهم اتخذوا من الأوثان شفعاء لهم عند الله- والفرق كبير ما بين الشفاعة والعبادة- فما دَخـْل محمّد بهم وبأيّ حق سمّاهم كفاراً؟ ومَنِ الذي أعطى محمّداً الحق في قتلهم- كما ورد في سُوَر التوبة: 5 والأنفال: 12 ومحمّد:4 وغيرها؟ إنْ قال قائل: هو الله فماذا كان دليل محمد بأنّه تلقـّى أوامره من الله؟ ولماذا يغضّ القائل المذكورُ النظرَ عن الهلوسات المحمّديّة بسبب الحالة العصبيّة الحادّة التي كانت تنتاب محمّداً قبل الدعوة وبعدها- بشهادة شهود عيان ممّا ورد في السيرة الحلبيّة وغيرها؟]
– وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السّماواتِ والأرْض
ذكرَ اِبْن عَسَاكِر فِي تارِيخه عَنْ عَلِيّ (رضِ) قالَ- قالَ رَسُول الله ص: (الكُرسِيّ لؤلؤة والقلَم لؤلؤة وطول القلم سَبْعمِائةِ سَنَة وطُول الكُرْسِيّ حَيْثُ لا يَعْلمهُ إِلَّا الله)
[ تعليقي: قوله (حَيْثُ لا يَعْلمهُ إِلَّا الله) يُضيف مفتاحاً غيبيّاً جديداً إلى المفاتيح الخمسة التي قال محمّد (لا يعلمُهنّ إلّا الله) في معرض تفسير ابن كثير لسورة الرعد: 8 عن ابن عُمَر- راجع لطفاً الحلقة 20 في هذه السلسلة]
————–
* إبن كثير
عَنْ أبي ذرّ- رضِ- قال: أَتيْت النَّبِيّ ص وهو في المَسْجد فجَلسْت فقال يا أبَا ذرّ هلْ صَلَّيْت؟ قلْت لا قَال قمْ فصَلِّ قالَ فقمْت فصَلّيْت ثمّ جَلَسْت فقال يا أبا ذرّ تعَوَّذ بالله مِنْ شرّ شياطين الإنس والجنّ قال: قلت يا رسول اللَّه أوَلِلإنس شياطِين؟ قالَ نعَمْ قال: قلت يا رسول الله الصّلاة قالَ خيْرُ مَوْضُوعٍ مَنْ شاءَ أقلّ وَمَنْ شَاءَ أكْثرَ قَال: قلْت يا رسول الله فالصَّوْم؟ قالَ فرْضٌ مُجْزِئ وعنْد الله مَزِيد قلت يا رسول الله فالصّدَقة؟ قال أضْعاف مُضَاعَفة قلت يا رسول الله فأيّها أفضَل؟ قالَ جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ أو سِرٌّ إلَى فقِيرٍ قلت يا رسول الله أيّ الأنبياء كان أوّل؟ قالَ آدَم قلت يا رسول الله ونبيٌّ كان؟ قال نَعَمْ نبيّ مُكلَّم قلْت يا رسُول الله كم المُرسَلون قال ثلاثمِائةِ وبضْعَة عَشـَر جَمّاً غفِيرًا وقال مَرّة وَخمسة عَشَر قلت يا رسول الله أَيّ ما أنْزَلَ عليْك أعظم؟ قال آيَة الكرسِيّ “الله لا إله إلّا هُوَ الحَيّ القيّوم” ورواهُ النّسائيّ.
تعليقي:
1 هل كانت أسئلة الصحابي أبي ذرّ (الغفاري) في جلسة واحدة مع محمّد أم في جلسات متعددة، لأني رأيت السؤال (أيّ ما أنزلَ عليك أعظم) مُفرَداً في معرض تفسير القرطبي- ما مرّ ذكره أعلى- لهذا السبب أشكّ في طول أناة محمّد وصبره ورحابة صدره إزاء سماع أسئلة عدّة ومتنوّعة من أحد- لولا أنّ أبا ذرّ من المُحبّبين لدى محمد والسابقين إلى الإسلام- وهو القائل (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم…) – المائدة: 101
2 لا أدري بسؤال هذا الصحابي (أوَلِلإنس شياطِين؟) إمّا فات عليه ما ورد في سورة الأعراف:
وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِن الشَّيْطان نـَزْغٌ فاسْتعِذ بالله إنَّهُ سمِيعٌ عليم (٢٠٠)
إنّ الَّذِين اتَّقوا إذا مَسّهُمْ طائِفٌ مِن الشَّيْطانِ تذكَّروا فإذَا هُمْ مُبْصِرُون (٢٠١)
كذلك حديث محمد عن وجود قرين من الشياطين لكلّ إنسان وسأورد حديثين معروفـَين؛
الأوّل- عن ابن مسعود قال: قال النبي ص ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا وإيّاك قال وإيّاي إلا أنّ الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلّا بخير. والثاني- عن عائشة قالت: قال النبي ص ما منكم من أحد إلا ومعه شيطان قالوا وأنت يا رسول الله قال وأنا إلا أنّ الله أعانني عليه فأسلم.
وبالمناسبة فإنّ من الأحاديث ما يدلّ على أنّ الشياطين تهرب من آية الكرسي- وهنا ممّا روى ابن كثير، كذلك القرطبي في مطلع تفسيره آية الكرسي:
* ابن كثير- قال الحاكم أبو عبد الله في مستدركه: عن أبي هريرة أنّ رسول الله – ص- قال: سورة البقرة فيها آية سيّدة آي القرآن لا تـُقرَأ في بيت فيه شيطان إلّا خرج منه: آية الكرسي.
* القرطبي- رُوي عن محمّد ابن الحنفيّة أنه قال: لمّا نزلت آية الكرسي خرّ كلّ صنم في الدنيا وكذلك خرّ كل ملك في الدنيا وسقطت التيجان عن رُءوسهم، وهربت الشياطين يضرب بعضهم على بعض إلى أنْ أتوا إبليس فأخبروه بذلك فأمرهم أن يبحثوا عن ذلك، فجاءوا إلى المدينة فبلغهم أن آية الكرسي قد نزلت.
3 لقد استغرب أبو ذرّ من جواب محمّد على سؤاله عن نبوّة آدم حتـّى سأله ( ونبيٌّ كان؟) فمعروف لدى الصحابي المذكور- كما يبدو- أنّ آدم لم يكن نبيّاً! وقد ذكرت فيما سبق أنّ أخبار الأنبياء قد اختلطتْ على محمد فما عاد يميّز بينهم. ومِن الذين ظنّ مؤلّف القرآن بهم أنبياء: لوط وإسماعيل وهارون بالإضافة إلى آدم.
———————
* في الحلقة الثانية والعشرين إلقاء ضوء على بلاغة آية سورة النور: 35 وهي من الأمثلة التي رآى الرصافي أنها في الذروة العليا من البلاغة في القرآن، ممّا يأتي قريباً.
* يؤسفني غضّ الطرف عن التعليقات الخارجة عن إطار الموضوع بسبب ضيق الوقت.