رياض الحبيّب
أكتب في هذه الحلقة أمثلة أخرى اٌستكمالاً لهذا القسم من البحث في موضوع ما تمّ إسقاطه من القرآن عند جمعه في زمن عثمان بن عفان- الخليفة الثالث- كما ورد في كتاب “الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدّس” لمؤلفه أديب العراق الكبير معروف الرصافي. وهذا استناداً على ما نقل الرصافي عن كتاب “الإتقان في علوم القرآن” لمؤلفه جلال الدين السيوطي وعن كتاب “إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون” أو “السيرة الحلبية” لمؤلفه علي بن برهان الدين. وتسهيلاً للعرض فقد أوجزت الأمثلة بنقاط ذكرها الرصافي وعلّق عليها ثمّ قمتُ بالتعليق فيما بعد.
ربّ القرآن ينسخ كلامه
وفي الإتقان 26:2 أخرج الطبراني- في الكبير- عن ابن عمر قال: قرأ رجُلان سورة أقرأهما إيّاها رسول الله، فكانا يقرآن بها، فقاما ذات ليلة يصلّيان فلم يقدرا منها على حرف، فأصبحا غاديَين على رسول الله فذكرا ذلك له، فقال لهما: إنها ممّا نُسِخَ فالهَوا عنها.
[تعليقي:
1 قول محمد للرجلين (فالهوا عنها) مغلوط نحويّاً والصواب: فاٌلهَيا عنها
2 ما سبب غياب كتّاب الوحي عن كتابة السورة المذكورة؟ هل انشغل محمد بأمور الدنيا عن أمور السماء؟
3 لم يكرر محمد قراءة السورة للرجلين لأنها ربّه- كما يبدو- قد تراجع عن كلامه
4 وتالياً فمُحمّد يُدوّن ما يحلو له وما يتناسق مع أسلوب كتابة القرآن- بغضّ النظر عمّا أوحِيَ إليه حرفيّاً]
التوبة والأحزاب من السور المنقوصة
وفي الإتقان 65:1 عند الكلام على عدد السّوَر: قال المستدرك عن مالك:
إنّ أوّل براءة [أي سورة التوبة] لمّا سقط معه البسملة قال: فقد ثبُت أنها كانت تعدل سورة البقرة لطولها
[تعليقي: 1 إذاً أصبح لدينا سورتان كانتا في الواقع تعدلان سورة البقرة لطولهما: الأحزاب والتوبة
2 إن كان ربّ القرآن حافظاً لكلامه فكيف يسمح بإسقاط شيء من كلامه؟ إلّا ما كان المقصود بالجملة التي في سورة الحِجر (وإنّا له لحافظون) حافظين له في السماء فعندئذ عليّ أن أقول له: إحتفظ بما عندك فلا حاجة لي به لأنّ كلامك منقوص ولأنك غير قادر على حفظه من البشر الذين تدّعي بأنك خالقهم! فدعني أعِشْ كما أريد (أنا) لا كما تريد (أنت) وتالياً لا يهمّني بعد ما تقدّم أن أسألك مَنْ أنت!]
الإسقاط ممّا في السور قد تمّ في خلال حياة محمد
فمن هذه الروايات [يقول الرصافي] نعلم أنّ القرآن قد أسقِط منه شيء لا يُستهان بكثرته كما تقدّم في حديث ابن عُمَر (قد ذهب منه قرآن كثير) ونعلم أيضاً أنّ الذي أُسقِط منه لم يكنْ كلّه مسقطاً بعد وفاة النبي عندما أمر عثمان باستنساخ المصاحف، بل منه ما أسقِط وهو حيّ يوحى إليه!
ومن الغريب [يستطرد الرصافي] أنّ علماء الإسلام جعلوا هذا الذي أسقط من القرآن من المنسوخ تلاوة لا حُكماً، قالوا ذلك وهم يعلمون أن النسخ لا يكون إلّا في الأمر والنهي أو ما تضمّن معناهما. أمّا الخبر الذي ليس بمعنى الطلب فلا يقع فيه النسخ، وليس في هذا الذي قالوا أنه منسوخ ما يتضمن حكماً يصحّ نسخه إلّا آية الرّجم
[تعليقي: ما تقدم كان رأي الرصافي في أقوال العلماء، أمّا رأيي فإنّ الله علّام الغيوب لا يأتي بكلام ثمّ ينسخه بعدما علم بأنّه غير صالح في ذلك الزمان وذلك المكان، إنّما النسخ أي التغيير والتبديل والتعديل وتالياً التدليس والإفتراء فمن أفعال البشر]
ما بين المُنسى والمنسوخ
والظاهر [يستنتج الرصافي] أنّ محمّداً كان يصوغ في بعض الأحيان آيات فيجعلها قرآناً! ثمّ يبدو له أنها لم تُرصَف الرّصف الذي يُريده للقرآن فيهملها حتى تُنسى، ولم يأمر كتّاب الوحي بكتابتها كآية الرجم وآية (يتوب الله على من تاب) ولا ريب أنّ القرآن فيه عدا النسخ الإنساء، كما يدلّ عليه قوله (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها…) فآية (يتوب الله على من تاب) هي من قسم المُنسى لا من قسم المنسوخ، ومن ذلك أي من المنسى ما قاله أصحاب بئر معونة الذين قُتِِلوا، فإنهم لمّا أحاط بهم العدو قالوا (اللهم بلّغ عنّا نبيّنا إنّا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنّا- الإتقان 26:2) فجعل النبي قولهم هذا قرآناً يُتلى! ثمّ أُنسيت تلاوته، وفي رواية أن النبي لمّا جاءه خبرهم قام فحَمَدَ الله وأثنى عليه ثم قال: إنّ إخوتكم قد لقوا المشركين وقتلوهم، وإنهم قالوا: ( ربّنا بلّغ قومنا إنّا قد لقينا ربّنا ورضينا عنه فرضِيَ عنّا وأرضانا) فأنا رسولهم إليكم إنهم قد رضوا عنه ورضي عنهم. وقد ذكروا عن أنس أنّ ذلك كان قرآناً يُتلى، ثمّ نُسِختْ تلاوته كما في السيرة الحلبية 172:3 والصحيح [في رأي الرصافي] أنْ يُقال: (ثمّ أنسِيَ) لأنّ نسخ التلاوة مع بقاء الحُكم لا معنى له ولأنّ هذا ليس ممّا يقع فيه النسخ.
[تعليقي:
1 قول الرصافي (والظاهر أنّ محمّداً كان يصوغ في بعض الأحيان آيات فيجعلها قرآناً! ثمّ يبدو له أنها لم تُرصَف الرّصف الذي يُريده للقرآن فيهملها حتى تُنسى) يدلّ على أنّ محمّداً كان متقناً أسلوبه في تأليف القرآن، أمّا الفواصل {التي تقابل القوافي في الشعر العمودي} بين الآيات في السورة الواحدة فقد سبق للرصافي شرحها- في الحلقات الأولى من هذا البحث- إذ أوضح كيف كان محمد يهتم بفواصل القرآن كلّ الإهتمام ويعتني بها كلّ الإعتناء
2 يُلاحَظ فيما تقدّم أنّ محمّداً كان يحمد ربّه ويُثني عليه لأنّ أصحابه قتلوا أصحاب بئر معونة لا لسبب إلّا لأنهم مُشركون- في نظر محمد وكما دلّ الحديث- فهل هذا الحدث من دلائل الرحمة أم من دلائل النقمة؟
3 يُلاحظ أيضاً اختلاف ما بين قول أصحاب بئر معونة وبين ما روى عنهم محمد في الرواية الأخرى]
من النّصّوص ما تحوّل إلى قرآن كما ورد في سورة آل عمران
وقد وقع في المُنزل ما هو على العكس من هذا، أي ما لم يكن في أوّل الأمر قرآناً ثمّ جُعِلَ قرآناً، وذلك أنّ النبي أرسل دحية الكلبي بكتاب منه إلى قيصر ملك الروم بالشام، وهذا نصّاً الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أمّا بعد، فإني أدعـوك بدعاية الإسلام. أسلمْ تسلمْ يؤتِكَ الله أجرك مرتين. فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيّين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون- السيرة الحلبية 244:3
يعلّق الرصافي:
إنّ قوله: يا أهل الكتاب… إلخ كلام كتبه في كتابه إلى قيصر يُخاطب به قيصر وأتباعه من أهل الكتاب وذلك في السنة السادسة للهجرة. ولم يكن هذا الكلام قرآناً يُتلى! وفي السنة التاسعة، لمّا وفد على النبي وفد نجران، وهم نصارى، أنزل الوحْي بهذا الكلام وزيد في أوله {قل} فجُعِلَ قرآناً يُتلى، فهو آية من الآيات القرآنية في سورة آل عمران كما في السيرة الحلبية 244:3 فإن قلتَ لماذا لم يجعله قرآناً في أول الأمر، قلتُ لأنه لم يكن عند كتابته الكتاب إلى قيصر من داعٍ إلى إنزال وحي بقرآن، وإنما هو كلام أملاه على الكاتب يدعو به أهل الكتاب إلى الإسلام. ثمّ إنهُ رآى بعد ذلك أنه كلام منطبق على أسلوب القرآن كلّ الإنطباق، وقد حصل الداعي إلى إنزال وحْي بقرآن، فأنزله وحْياً وجعله قرآناً، بخلاف تلك الآيات التي مرّ ذكرها، فإنها أنزلت بالوحْي لتكون قرآناً، ولكنها لمّا تبيّن بعد ذلك ابتعادها عن الأسلوب القرآني، ولا سيّما آية الرّجم، أُنسِيَتْ أو نُسِخَتْ تلاوتها كما يقولون.
[تعليقي:
تدلّ رسالة محمد إلى قيصر على أنّ محمّداً هو المعتدي على حريّات الشعوب في العقيدة والعيش الكريم فلا يقولنّ أحد أنّ محمداً وخلفاءه من بعده شنّوا الحروب على الشعوب الأخرى لأسباب دفاعية، إنما الأسباب هجوميّة بحتة وغايتها توسيع الإمبراطوريّة المحمّدية تحت غطاء الدين المحمّدي وعصمة ربّ القرآن!]
____________
الحلقة القادمة: هل القرآن مُنزل من السماء؟