سيمون خوري
أخيراً طرق الشتاء أبوابنا، لكن هناك شتاء أخر أكثر قسوة وفاشية، بدأ يطل برأسه طارقاً أبواب المهاجرين والمواطنين معاً. إنها الفاشية الجديدة، تلك العنصرية التي حصدت أرواح ملايين من البشر تعود هذه المرة بقوة صندوق الاقتراع الانتخابي في أكثر من مدينة أوربية.
في ” العالم العربي “. إحدى نتائج شتاءه، استبدال ديكتاتوراً بنظام ديكتاتوري مقنع. وأيضاً عبر صندوق الانتخاب.
ترى هل صندوق الانتخاب هو رمز الديمقراطية..؟
وهل الديكتاتورية قدراً تاريخيا محتوما على سكان وشعوب المنطقة العربية..؟
وهل السلاح يمنح ” الشرعية ” لحامله ؟؟
حتى زمن قريب توقعنا أن تحمل الغيوم مطر” السياب ” الحقيقي ،لكن الأحلام الوردية بمستقبل ديمقراطي ،ابتلعها الغيم الرمادي وسقطت مع أسراب الغيوم كل تلك الأماني لبشر بسطاء أذلتهم العتمة والجوع معاً. عاد الجوع وانتشرت الظلمة العابرة للحدود. وشوهت الحروب و العنف والدمار كل العادات والعلاقات الإنسانية الجميلة.
وشخصيا لا اعتقد ان المطر سيبتسم يوماً في وجوه ذات ملامح حجرية ودموية قاسية.
احتفظت ذاكرتي بصورة وملامح المواطن ” اليمني ” الذي أعدم بقذيفة دبابة بدل طلقه من مسدس مثلاً ذات يوم في عدن. بيد أن تلك الصورة أصبحت هزيلة ولا تستحق الحضور، أمام بشاعة ما يجري من قتل وتدمير متبادل بين ” بهلوان ” وبين جماعات شبه نائمة تسير حسب الريموت كنترول الطائفي – السياسي.
أسئلة عديدة، تفرض حضورها الطاغي. وتدفع المرء الى إعادة نوع من المراجعة السياسية على ضوء الخطاب السلطوي الفردي ،وتلك اللغة الصادمة . والممارسات التي كشفت عن مدى الضحالة السياسية في أكثر من عاصمة من بلدان الشتاء عربي ، للنتائج المتوقعة للسنوات القادمة . ترى هل صببنا برميل من الماء فوق كأس نبيذنا في حينه ..؟ فلا الماء احتفظ بخواصه وضاع اثر النبيذ. ولا الربيع السياسي حمل قمحاً وعنباً وسلاماً اجتماعيا ؟
كنا سابقاً نقول أن الحق على الطليان ، البعض يقول الأن إن الحق على الأمريكان ..؟
العنوان الأبرز في هذا المشهد هو غياب الوطن الجمعي، وحضور الأيديولوجية الطائفية. وكما كان يقف على رأس كل قبيلة شيخ القبيلة، فقد جرى استحضار روح الماضي. وتحول الدين الى مرجعية . فيما يؤكد علم تاريخ تطور البشرية أن تاريخ الأديان ترافق مع تاريخ الشعوذة والإستبداد والمجازر سواء في محاكم التفتيش الكنسية الأوربية أو في جز رؤوس ” الزنادقة ” والمعارضين في التاريخ الإسلامي خاصة في العصر الأموي والعباسي. واليوم ذات الجماعات تشهد انشطارا دودياً. وكل طائفة تعتقد أن لها ” الحق ” أو الشرعية في قمع مخالفها بل سحقه مع الاعتذار لهذا التعبير السادي . لكن هذا هو الواقع القائم.
عندما نشاهد صور العنف المتبادل بين الأطراف المتحاربة، ومن داخل البيت الواحد. نتساءل بحزن يفوق أي وصف تراجيدي، هل هذا العنف الضاري المتبادل هو مولد الديمقراطية والعدالة المنشودة أو المتوخاه من هذا ” الربيع ” الذي تحول الى صقيع سيبيري..؟ او الذي تحول الى ” هلال ” جديد من الأزمات المتفاقمة.
حتى الأن نتائج تطبيق ما يسمى ” ديمقراطية ” أدت الى صعود فاعلين سياسيين لم تعلن تخليها عن حكم الفرد أو الجماعة الواحدة. وما شاهدناه من إنقلاب على الديمقراطية يعزز الفكرة القائلة بوجود نوع من المقايضة السياسية في السياسة الأمريكية في المنطقة بين التيار الأصولي الرسمي. وبين القوى العلمانية والليبرالية . أي دعم التيار الرسمي الأصولي مقابل تولى هذا التيار مهمة التصدي للتيار الجهادي الأكثر عنفاً . بيد أنها مراهنة سوف تنتج استقراراً وهمياً. أما الديمقراطية كقيمة سياسية وأخلاقية ومناخ سياسي، هي الضحية الأكبر. كما كانت ذات يوم فكرة ” الاشتراكية ” في العالم العربي الضحية الأكبر عندما تبنتها كشعار وهمي أحزاب البرجوازية الصغيرة القومجية الشوفينية والعسكرتاريا في العالم العربي الى الدرجة التي كره فيها المواطن سماع كلمة ” الاشتراكية “.
للكاتب المكسيكي ” كارل فوينتس ” رواية بعنوان ” سحر السياسة وضحالة السياسي ” تدور أحداثها حول ” كرسي الرئاسة ” وما يدور في الغرف المغلقة من قصص ومؤامرات داخل البلد . لكن القرار النهائي هو بيد صانع القرار الخارجي. هو الذي سيحدد موقع البيدق على رقعة الشطرنج. رواية تكشف مدى ضحالة وانتهازية السياسيين في العالم الثالث أو العاشر لا فرق. بيد أن الأهم أنهم بيادق فوق رقعة شطرنج ، مهما علت حنجرة هذا أو ذاك بالأناشيد الوطنية .
في هذا السياق ربما علينا شكر الشارع المصري الذي كشف الغطاء مبكراً عن ركاب حصان طروادة في مصر، وغيرها من تلك البلدان التي تحصد فيها المرأة النصيب الأكبر من الاضطهاد والعنف والتمييز الى جانب الأثينيات الأخرى من مكونات المجتمع ” العربي ” هذا في وقت أصبحت فيه الانتهازية السياسية وسيلة لغاية أخرى في عاصمة شتاء أخرى .
” دينس روس ” كان كبير المفاوضين الأمريكيين في عملية البحث عن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال إدارتي بوش الأب وكلينتون. أودع خبرته السياسية في كتاب عنوانه ” السلام الضائع ” يقول في أحدى فقراته:
” إن أساسيات فن الحكم تتمثل في تبني أهداف واضحة ، وصياغتها بشكل يلاءم الواقع ، ووضعها في الإطار الذي يكون أكثر قبولاً من الآخرين. وتطوير استخدام الوسائل والمصادر التي نعمل بناء عليها. وبهدوء وبوضوح بناء الاتجاهات والتوقعات حول ما نريد فعله، وإدراك النقاط الأساسية للقوة التي نمتلكها مع الآخرين. ومعرفة كيف تمتلك الجزرة والعصا ، وتطوير إحساس بالتوقيت لمتى نطبق الضغوط ، ومتى نقدم مخرجاً ، وقراءة كيف يفسر الآخرون الأصدقاء والأعداء ، وما نفعله . ولا ندع أي شئ للفرصة، وفوق كل شئ تابع ما تفعله بشكل شديد التدقيق “. إنتهى
إذا أجرينا مقاربة موضوعية للواقع القائم وللقوى والرموز السياسية اللاعبة في المشهد السياسي الراهن نجد أنفسنا أمام تجمع ” ميكافيلي ” وشخصيات محاصرة ومقيدة بقيود الزمن الماضي . وفي المحصلة النهائية ، ليست أكثر من ” بيادق على رقعة شطرنج الملك الأكبر.
هناك رواية للكاتب السوري ” خيري الذهبي ” عنوانها ” رقصة البهلوان الأخيرة ” تدور حول قصة موظف حكومي كبير في بلد يجتاحه الفساد. وفجأة وجد هذا الموظف نفسه محالاً على التقاعد.
ترى كم عدد الموظفين الجدد أو ” القادة الجدد ” ممن يفترض إحالتهم الى التقاعد قبل جلوسهم على ” كراسي ” السلطة الجديدة ..؟
هل هناك مكان للتفاؤل .. بان الديمقراطية ليست فقط تغيير النظام بل تغيير العقلية والموقف من المرأة من الطوائف الأخرى , وفهم معنى العدالة الإجتماعية والمسؤولية واحترام الأخر المختلف ، وحقه في التعبير..؟ سيمون خوري