روجر كوهين: الشرق الاوسط
عاد رجال الشرق الأوسط الأشداء. فالثورة المضادة تجري على قدم وساق، وثمة معركة بين الإسلاميين والعلمانيين، وهناك صراع من نوع ما بين الطائفتين السنة والشيعة. أما اتفاق السلام الإسرائيلي – الفلسطيني على أساس حل الدولتين فيبدو مستحيلا. وصارت الحرية مكافئة للفوضى. وتبدو المنطقة بلا مستقبل، تدور في حلقة مفرغة.
تجرعت المنطقة سم الاستعمار، وضعفت معنوياتها نتيجة لمعركة الإسلام مع الحداثة، وأصابها النفط بالثمالة، وعجزت عن التطور نتيجة لغياب المؤسسات القادرة على التخفيف من غضب القبيلة والعرق.
الآن، وبعد انقضاء عامين ونصف العام على بداية الربيع العربي، يبدو الحديث عن المستقبل – أي مستقبل – منافيا للعقل، فالدول تبني مستقبلها على أسس أشياء لا وجود لها هنا. هذه الأشياء أهمها إجماع يشكل طبيعة الدولة وسيادة القانون وفكرة المواطنة التي تتجاوز كل التحالفات الطائفية، والقدرة على وضع رفاهية الجيل القادم فوق تسوية النزاعات السابقة.
لقد استخدم الرئيس السوري بشار الأسد الغاز ضد شعبه، وها هو العراق يغرق مرة أخرى في دوامة العنف بين السنة والشيعة، والجيش المصري الذي دربته الولايات المتحدة تصدى لأفراد من جماعة الإخوان المسلمين. لقد أظهرت الدولة الأمنية العربية قدرتها على العودة، وتغذية التطرف. وكما أشار المنظر السياسي بنجامين باربر «الأصولية دين تحت الحصار».
ورغم أن الصراعات في الشرق الأوسط قد لا تنتهي، إلا أن هناك ومضات تدل على مستقبل مختلف للمنطقة. فربما تكون الأنظمة الاستبدادية قد تمكنت من الاستمرار لكن العقليات تغيرت. لن يعود الشباب في مصر (متوسط العمر في مصر، حيث يعيش ربع سكان العالم العربي، 25 عاما) إلى دولة الخضوع مرة أخرى، فقد تذوقوا معنى إحداث تغيير عبر التظاهر.
وفي إيران، عادت الموجة الإصلاحية العميقة التي تحطمت عام 2009، إلى الظهور عام 2013. وهذه الموجات العميقة ستعود للظهور مرة أخرى.
وتعد تركيا الأقرب إلى النظام الليبرالي في دولة إسلامية شرق أوسطية. هذا هو لب التغيير في المنطقة، العثور على نموذج يقف بين الدين والحداثة، وبين الدين والدولة غير الطائفية. ولذا ربما يكون من الجدير بالذكر تذكر أن ديمقراطية تركيا هي ثمرة 90 عاما من ارتفاع وانحسار العنف منذ تأسيس كمال أتاتورك الجمهورية عام 1923، وفرض الثقافة الغربية.
وخلال العقد الماضي فقط، بوصول رجب طيب أردوغان إلى السلطة، هيمنت فكرة أن الإسلام قادر على التوافق مع النظام الليبرالي. لكن تمايل البندول بالنسبة للكثير من الأتراك كان مفرطا. فقد كانت المظاهرات الخاصة بمتنزه جيزي بشأن «غزو» أردوغان باسم الإسلام لحياتهم الخاصة. كانت تلك انتكاسة ديمقراطية من الساحل العلماني التركي ضد المعقل الأناضولي المحافظ.
ولو أن الأمر تطلب في تركيا 90 سنة بالنسبة لديمقراطية كي تتطور لتكون غير معادية للإسلام، فإن ثلاثين شهرا هي عمر الربيع العربي ليست سوى قدر ضئيل للغاية بالنسبة لهذا الوقت.
علاوة على ذلك، أشار مصطفى أكيول في كتابه «إسلام من دون تطرف»، إلى أن تركيا على عكس غالبية الدول الإسلامية، لم تتعرض للاستعمار على الإطلاق، وهو ما نتج عنه أن الإسلام السياسي لم يأخذ هذه الصيغة المعادية للغرب.
والآن تحاول إيران في ظل رئيس جديد، حسن روحاني، الظهور بمظهر المعتدل في نظامها الديني وإصلاح علاقاتها بالغرب. لقد فشلت مثل هذه المحاولات في الماضي، لكن مستقبل الشرق الأوسط سيبدو مختلفا إذا ما أعيد افتتاح السفارة الأميركية في طهران وأصبحت الجمهورية الإسلامية أكثر تحررا من الناحية السياسية.
لا يوجد موروث في الإسلام يجعله معاديا للغرب، لكنه التاريخ يغص بذلك. فالثورة الإسلامية كانت تأكيدا على الاستقلال الآيديولوجي عن الغرب. ومع تحول موازين القوى في العالم عن الغرب، سارت الفكرة في مسارها، وتقارب الإيرانيون مع أميركا.
يمكن للولايات المتحدة أن تقيم علاقات ودية مع إيران، تماما كما فعلت مع الصين، رغم اختلافهما في كل شيء. وسيظهر تحقيق إنجاز أن الحلقة المفرغة للشرق الأوسط يمكن كسرها.
وأعتقد أن السفارة الأميركية في طهران سيعاد افتتاحها في غضون خمس سنوات؛ لأن المأزق الحالي صار بلا معنى. وفي ظل ما شهدته إيران أخيرا فإن أي شيء سيكون محتملا، حتى السلام الإسرائيلي – الفلسطيني.
إذا كان في استطاعة العرب أن يروا في إسرائيل دولة غير صهيونية وغير قمعية، بل أكثر اقتصادات المنطقة نجاحا، ودولة حديثة بنيت خلال 65 عاما، فسوف يطرحون على أنفسهم الأسئلة المناسبة بشأن الانفتاح والابتكار والتقدم. وفي المقابل فإن خروج إسرائيل من دائرة الاحتلال والقمع سيضمن لها مستقبل دولة يهودية وديمقراطية.
إن هناك مستقبلا آخر مختلفا ينتظر الشرق الأوسط، وهو ما يمكن استشرافه من الربيع العربي، ولكن يجب سحب هذا المستقبل أولا بعيدا عن العناد وبراثن الماضي.
* خدمة «نيويورك تايمز»