بدون قضاء مستقل لا يمكن أن يستتب الأمن ويتراجع الفساد والإرهاب في البلاد

INF3-67_Winston_Churchillعادل حبه
يُروى أنه في عقد الأربعينيات من القرن الماضي وفي خضم حريق الحرب العالمية الثانية، تصاعدت موجة الانتقادات في بريطانيا حول استشراء الفساد في الحكم الذي كان يقف على رأسه الشخصية البريطانية المعروفة وينستون تشرتشل زعيم المحافظين. وقتها اجتمع رئيس الوزراء بمستشاريه وأطراف سياسية أخرى. واشتكى الجميع من تفشي الفساد في مفاصل الدولة. فطرح تشرشل عليهم السؤال التالي :”هل أن الفساد طال القضاء البريطاني؟؟”. وكان جواب الجميع هو النفي، إذ أكدوا على أن القضاء نزيه ولم يطاله بعد هذا المرض الخبيث. عندها انبرى رئيس الوزراء وقال: لا تقلقوا فالدولة البريطانية بخير.
أورد هذا الحادث وأقارنه بحال قضائنا العراقي وما تعرض ويتعرض له من فساد وتسييس لصالح السلطة التنفيذية ونوازعها. فالقضاء العراقي ومنذ تأسيسه لم يكن سلطة مستقلة خلافاً لما نص عليه الدستور العراقي الأول، وكما يجري العمل به في الدول الديمقراطية على مبدأ فصل السلطات الثلاث. فالسلطتان القضائية و التشريعية عندنا كانتا على الدوام رهينة خاضعة لأهواء السلطة التنفيذية ومنافعها وبالتالي بعيدتان عن العدالة والنزاهة. فالقضاء كان يبصم على نتائج الانتخابات المزورة سواء في العهد الملكي أو لاحقاً في العهد الجمهوري وبعد ردة 8 شباط السوداء. كما تولت السلطة القضائية في بلادنا إصدار الأحكام الجائرة طوال عقود الدولة العراقية ضد الوطنيين طبقاً لإرادة الحكم وحماتهم من خارج الحدود. فهكذا وعلى سبيل المثال، تم الحكم بالاعدام على قادة الحزب الشيوعي ونفذ الحكم بهم في شباط عام 1949 دون أن يستند هذا الحكم الجائر على أبسط المبررات القانونية التي ينص عليها الدستور العراقي المعمول به آنذاك. فلم يقدم هؤلاء القادة على تدبير الانقلابات العسكرية، ولم يبادروا إلى تشكيل ميليشيات مسلحة كما تفعل بعض الأحزاب والقوى السياسية الآن، ولم يتم العثور على إطلاقة واحدة عند الإارة على مقرات الحزب. فقد مارس الحزب الشيوعي نشاطه سلمياً عبر المظاهرات أو تقديم العرائض، ومن أجل أهداف محددة هي صيانة استقلال البلاد وتأمين الحدود الدنيا من رفع الحيف عن كاهل الفئات الكادحة من شعبنا.
لقد جاء هذا الحكم الجائر تنفيذاً لإرادة السلطة الحاكمة التي وقفت ضد تحديث النظام السياسي وإرساء دعائم الديمقراطية في البلاد، وبضغط من حماتها في الغرب ضمن سياق الحرب الباردة التي اندلعت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. واستمرت ماكنة القضاء العراقي غير المستقل والتابع في إصدار أحكام ثقيلة ضد الآلاف من الوطنيين والوطنيات العراقيات في سابقة لم تشهدها البلاد من قبل في إحداث سجناً خاصاً للناشطات السياسيات العراقيات. ولم يكتف حكام لعراق بذلك، بل راحوا يمارسون ظاهرة جديدة في العراق وهي المحاكم العرفية عند أول بادرة للاعتراض السلمي أو عند انطلاق أية مظاهرة احتجاج سلمية تخرج في شوارع العراق. فقد عُطلت المحاكم المدنية، رغم ما يعتريها من ثغرات جدية في العهد الملكي ومن عدم استقلاليتها، خلال فترة تقرب من نصف الفترة التي حَكَم بها الحكم الملكي العراق. ورافق ذلك إعلان الأحكام العرفية بما يزيد على 15 مرة.
ولم يتخل الحكم الجمهوري عن هذا النهج القائم على هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وسلب استقلاليتها بعد ثورة تموز، إلاّ لفترة قصيرة، حتى عادت “حليمة إلى عادتها القديمة”. وجرى تسييس القضاء بما يخدم إرادة الحاكم، ليعود السجناء من جديد ليُحشروا في السجون بقرارات أصدرها القضاء العراق الذي كان يتلون حسب تلون مواقف الحكم وينفذ إرادته. واتخذت هذه الظاهرة شكلها الأبشع في ظل حكم حزب البعث بعد انقلابيه في شباط عام 1963 وفي عام 1986. فقد تعطلت حتى المظاهر الشكلية لاستقلال القضاء العراقي، وتحول القضاء إلى شاهد زور على ممارسات للحكم سواء في التفنن في الأحكام القاسية ضد معارضيه أو في التغطية على الحيتان الكبار ونهب موارد الدولة وعلى الفساد الذي راح ينخر في جسد الدولة العراقية وسحق كل القيم الايجابية في مجتمعنا. وتروي لي أحدى المحاميات العراقيات الفاضلات التي واكبت الفترة التي سبقت سقوط النظام في عام 2003، إلى أنه أصبح من الشائع آنذاك أن يتم تبرأة الجناة وتلبيس التهمة بضحايا أخرى لقاء الرشاوي التي كان يتلقاها بعض القضاة والمحامين على حد سواء. وقد أوردت هذه السيدة الفاضلة أمثلة على ذلك. وهكذا وبعد أن شاع هذا المرض الخبيث في جسد السلطة القضائية، وترسخت هذه “الثقافة” في المجتمع، فقدأصبحت الدولة العراقية مبتلات بأمراض خبيثة يتطلب جهوداً استثنائية وإرادة وطنية لشفائها. وقد انعدمت تلك الإرادة لدى الحكم آنذاك. وهكذا ولجت الدولة دهاليز الفساد ودوامته في كل شرايينها، بحيث لم يعد في استطاعة المواطن مراجعة أية دائرة من دوائر الدولة بدون أن يحمل معه “رزم” من الرشاوي لتمشية أيسط معاملة من معاملاته. وقد طال هذا الفساد جميع مؤسسات الدولة، وأخطرها . حيث انتشرت الرشاوي وبدأت تنخر في القوات المسلحة المسؤواة عن أمن البلاد والمواطنين، والتي أصبحت وسيلة لهروب الجنود والضباط وباقي أفراد القوات المسلحة من آتون المفامرات والحروب التي خاضها الحكم خلال سنوات تسلطه على رقاب العراقيين.
لقد تمنى العراقيون بعد تداعي النظام السابق أن يتم معالجة هذا ” المرض العراقي” المزمن بشكل جدي. ولكن يبدو أن جذور هذه الممارسات قد تعمقت في مجتمعنا وبشكل خطير. فما أن تولى المسؤولين الجدد زمام الأمور، حتى أعادوا إحياء أو الإبقاء على نفس الأجهزة السابقة وتعايشوا مع نفس المرض السابق وقبلوا به وتحت رايات جديدة. فلم يحصل أي تغيير أو إصلاح في أجهزة الدولة وفي كل مرافقها وبضمنها المؤسسة العسكرية والأمنية والمؤسسات الخدمية الإدارية، وفي المقدمة منها القضاء العراقي الذي وقف على رأسه رموز كان لهم دور في الترويج وشرعنة الانتهاكات الدستورية والقانونية في عهد البعث. كما لم يجر التخلي عن هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية والتحكم بها خلافاً للدستور الجدي وخلافاً لدعوات هؤلاء في التمسك بالقواعد الديمقراطية. وهذا ما عمق الفساد بشكل خطير، بحيث أخذ المواطن يلمس عواقب استشراء هذا المرض الخبيث ويستغيث ويطالب بالإصلاح بعد أن توفر له قدر من الفرصة في التعبير عن رأيه. ولكن كان الجواب سلبياً أو لفظياً دون فعل أوبطيئاً ومتعثراً وغير مجدي تمثل في تشكيل هيئات ولجان غير مستقلة في واقعها وخاضعة جميعها للسلطة التنفيذية مما عرقل أي مسعى جدي للقضاء على الفساد، بل زاد قوة، ومهد الطريق لتصاعد النشاط الإرهابي والنشاط المعادي للشعب العراقي. كل ذلك لأن الفساد قد عصف بأهم مرفق من مرافق الدولة التي يقع على عاتقها مراقبة هذا الفساد والمبادرة إلى تطويعه.
ولا نريد أن نعدد “شماءل” هذا الفساد وعواقبه والي باي الذي يهدد مصير البلاد ووجوده. بل نعود لنلقي الضوء على بضع أمثلة من ممارسات السلطة القضائية ودورها وحقيقة استقلاليتها. فبعد أن جرت لملمة نواة السلطة القضائية بعد سقوط النظام في عام 2003، تولت السلطة القضائية طبقاً لمسؤوليتها في البت في العديد من الجرائم والانتهاكات التي جرت في البلاد في ظل انهيار أركان الدولة. وكان من أول ما قامت به هو تسلم ملف التحقيق في قضية اغتيال المرحوم عبد المجيد الخوئي. ولكن هذا الملف اختفى في الأدراج بعد تدخل السلطة التنفيذية وإعمال نفوذ القوى التي تصدرت النشاط السياسي وذاب في أمواج المساومات السياسية بين الكتل التي تصدرت المشهد السياسي، ونتيجة لذلك تم اغتيال العدالة. هذا السلوك والقصور في مراقبة سير العدالة من قبل السلطة القضائية هو الذي فتح الطريق أمام موجة الاغتيالات التي طالت خيرة المفكرين والمهنيين والأطباء واساتذة الجامعات و والصحفيين وو…دون أن برف جفن للسلطة التنفيذية آنذاك. والقائمة تطول لو جردنا كل الانتهاكات التي تتحمل مسؤوليتها السلطات التنفيذية في الحكومة الاتحادية أو في المحافظات والإقليم. فقد شهد العراقيون كيف أن العديد من من المطلوبين للقضاءالعراقي قد تم الإفراج عنهم أو أنهم يسرحون ويمرحون ويمارسون نشاطهم ضد الدولة العراقية في محافظات أخرى أو سمح لهم بالخروج من العراق دون اتخاذ أبسط الإجراءات لاعتقاله، وليعودوا ويشكلوا عصابات الاجرام ليدقوا أعناق العراقيين الأبرياء.
ومن الغريب أن رئيس السلطة التنفيذية السابق كان يلوح مراراً في مجلس النواب أو في تصريحاته حول امتلاك ملفات ضد هذا وذاك، ولكنه لم يسلمها إلى القضاء العراقي لملاحقة المتهمين كما يفرضه الدستور العراقي، في حين كان هناك عدد غير قليل من المعتقلين يقبعزن في السجون جراء وشايات أو معلومات غير دقيقة من المخبر السري.
ولم تخل كل هذه الممارسات من هدف محدد يكمن في إبعاد كل من يتمتع بالنزاهة والخبرة والحرص على البلاد من ممارسة وظيفته في انتشال هذا البلد العزيز من مأزقه والخراب الذي لحق به. ولنا في قضية إحالة رموز عراقية وطنية نزيهة في البنك المركزي إلى القضاء كمثال واحد للحصر من جملة آلاف الأمثلة التي ترتكبها السلطات التنفيذية في حرمان الأيدي النزيهة والخبراء من خدمة البلاد والاستعانة بعناصر متخلفة أو ثيت أنها تتلاعب بمقرات الشعب. والأمثلة لا تخفي على المواطن العراقي ولا على القارئ الكريم. فقد حرى تعيين الشخصية الوطنية سنان الشبيبي ومظهر محمد صالح في منصبيهما في البنك المركزي بعد انهيار النظام السابق. وقاما بمعونة جمع من الموظفين النزيهين في البنك بعمل جبار تمثل في توفير احتياطي وغطاء للعملة العراقية في البنك بلغ حوالي 70 مليار دولار بعد أن “گشول” رموز النظام السابق آخر فلس في الخزينة المركزية قبل انهياره. إن ما قام به السيد سنان الشبيبي ومساعديه في البنك ترك آثاراً ايجابية في استقرار العملة العراقية بعد ذلك الانهيار الذي جرى في ظل النظام السابق، كما أضفى قدراً من الاستقرار على العملية الاقتصادية. هذا العمل لم يلق التثمين من السلطة التنفيذية آنذاك، وأثار الحيتان الجديدة في البلاد من أضراب القطاع الريعي والتجاري ضد سنان وزملائه، خاصة بعد أن رفض سنان الانصياع لطلبات السلطة التنفيذية التي غرقت في تبديد أموال الدولة. وهكذا عمدت الأخيرة إلى تحريك بيادقها في السلطة القضائية وفبركة الاتهام لطاقم البنك المركزي وإحالتهم إلى القضاء بتهمة “الفساد”؟؟. وفي آخر المطاف اتخذت الإجراءات وبسرعة تثير التساؤل، وتم إزاحة سنان الشبيبي ومظهر محمد صالح من منصبيهما والحكم على السيد سنان الشبيبي بالسجن لمدة سبع سنوات.
ولكن ما أن مرت الأيام وتغيرت الأحوال في السلطة التنفيذية حتى فوجئنا بتعيين السيد مظهر محمد صالح مستشاراً اقتصادياً لرئيس الوزراء الجديد!! بعد كل ذلك الضرر المادي والمعنوي الذي تعرض له هذا الإنسان النزيه. ثم سارع طاقم السلطة القضائية بعد التغيير الذي طرأ على السلطة التنفيذية نفاقاً بإعادة النظر في الحكم الصادر السابق ضد سنان الشبيبي وآخرين كما جاء على لسان رئيس مجلس القضاء الأعلى مدحت المحمود وتقرر تبديل الحكم من سبع سنوات إلى الحكم ببراءة سنان الشبيبي لعدم كفاية الأدلة؟؟، أين هي الإدلة التي اعتمدتها المحكمة السابقة إذن. إن هذا القفز على الوقائع والتغيير المفاجئ إن دل على شىء فإنما يدل على خضوع السلطة القضائية لإرادة السلطة التنفيذية ، وإنه يدل على أن القضاء عندنا هو سلطة غير مستقلة خلافاً لما يشاع عن ذلك في دستورنا العراقي.
كما إن هذا السلوك والنهج القائم على الاستهانة بالقواعد الدستورية وعلى التنكيل بالأيادي النزيهة وتهميشها في بلادنا لا يؤسس لدولة مستقرة، بل دولة تتنازعها الأهواء والطوائف والقيم العشائرية البالية والدين المزيف الذي يشيعه “داعش” وأضرابها. ويجب أن لا ينتظر العراقيون الأمن والاستقرار والعمل الشريف ما دامت هذه العقلية في إدارة الدولة هي القائمة، ومادام جشع ونهم السلطة التنفيذية والمتنفذين فيها هو القاعدة في بناء مثل هذه الدولة الفاشلة.
13/1/2015

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.