تفوح رائحة القهر والعفونة من حولنا كل يوم , ويسود اضطهاد السلطة للرجل واضطهاد الرجل للمرأة بحكمه الذي صار سارياً عليها قبل حكم القانون الذي جعل من طاعة المرأة له قبل طاعة القانون , فصارت عبودية المرأة وقمعها مضاعفا عن ما هو عليه للرجل , وكلما زاد قمعها واضطهادها , كلما زاد حصارها وزادت مخاوفها وخفت صوتها إلا فيما ندر , فتدور الدائرة بنا بفراغها اللامتناهي لتشكّل بنا دوامة وحلقة لا فكاك منها , فتتعدد أشكال الاضطهاد وتتنوع في عالمنا العربي الذي أصبح اللامعقول فيه مألوفاً دون التفكير والشك فيه .
منذ خمسة عشر قرنا ونحن نرضخ لنفس المفاهيم والتعاليم التي تضمّنت بضع كلمات يريدون لها الإعادة والتكرار , دون أية إضافة عليها ولا نقصان فيها , فلا يزال الإنسان العربي يسمع أينما كان, سواء في المدرسة أو في الشارع أو الجامع, كلمات ومواعظ منها, واهجروهنّ , واضربوهنّ , وعظوهنّ , فتدخل هذه المفردات في عقله الباطن وتستقر في ثنايا تفكيره ومن ثم تكوّن له طريقه , وعلى أساسه يتم التعامل مع أخته أو زوجته, وحتى في أحياناً كثيرة مع والدته , فتكونت على أساس تلك الكلمات نظرة الإنسان العربي للمرأة على إنها كائن ضعيف لا يساويه في أية حال من الأحوال وإن علا شأنها وإن تفوقت عليه , وكذلك نظرة الكثير من النساء لأنفسهنّ , وحق الرجل صار مشروعاُ وفق مفاهيم اعتبروها مطلقة, وإن لا يُسأل الرجل حتى فيما ضرب امرأته , متناسين عن قناعة بأن قانون الحياة الثابت هو التغيير وفق متطلبات الزمن وعلى أساس التجديد والتطور نحو الأحسن , لكنهم اعتقدوا بالثبات المطلق , وبات لا يأخذ بعين الاعتبار بأن الحياة قد تغيرت , ووضع المرأة قد تغيّر بعد ان تبوأت ميادين عديدة ووصلت إلى أن تكون رائدة للفضاء وللعديد من الوظائف والدرجات المهمة التي استوجبت علينا أن نُغير معها تلك المفاهيم التي جاءت بزمانها ومكانها المختلفين عن زماننا ومكاننا اليوم .
شوهت هذه المجتمعات الحقوق الإنسانية, وفرّقت الإنسان عن أخيه الإنسان ,وعلى أساس الجنس والطائفة والطبقة والديانة كان التفريق قائماً , ولا يزال , وصار لنا العدل مطلباً بعيد المنال , فمن خلال استعراضنا للعصور القديمة التي كان للمرأة فيها مشاركات عديدة مع أخيها الرجل , نتلمّس منها حقيقة المرأة التي أرادوا لها التشويه , بعد ان سُلبت حقوقها وإنسانيتها , فآل وضعها إلى الانحطاط وهيمنة الرجل عليها من خلال تلك الحلول العكسية التي صارت وباءً علينا وصرنا نحل مشاكلنا بمشاكل اكبر منها .
فلو استعرضنا تاريخ هذه الشعوب سنجد اختلافات كثيرة من ناحية طبيعة الحياة من مأكل وملبس وطريقة العيش في جميع مرافئها , بعد ان تأثرت بقانون الحياة المتغير دوماً ,والمتطور بالقيم الاجتماعية , والاقتصادية , والثقافية , والسياسية , ولكل بلد وظرفه ومؤثراته .
ولكن بعد ان تطورت مجتمعاتنا وبعد الزيادة السكانية والتضخم الطبيعي احتاجت هذه المجتمعات , مُجبرة ,على خروج المرأة ومسايرة التطور, وبعد ان أنهكها السير على ساقٍ واحدة , مما أضطرها إلى أن تتعكز على المرأة , وبدأت تتضاءل المفاهيم التي استندت على الشريعة تدريجيا , بالإضافة إلى نضال المرأة ومطالبتها بالمساواة بعد التغيير الذي طرأ على عقليتها والانفتاح الذي لمسته المجتمعات بحكم تطور الحياة بالفترة الأخيرة , فأسفرت وخرجت للعمل وأصبحت بأحسن حال من السابق , ولكن سرعان ما انتبهت لها القوى الظلامية التي تتضارب مصالحها مع تطور هذه المجتمعات لأنها ستنعكس سلباً على تلك المصالح , فبدئوا بقتل عقول النساء أولا ومن ثم إزهاق أرواحهنّ باسم الشرف والفضيلة , والمشرع اتخذوه حجة ووسيلة للهيمنة على عقول النساء والرجال معاً .
لهذا السبب نجد تبرير البعض مُضطراً لذلك التبرير , بقوله بأن النصوص القرآنية قابلة لعدة تفسيرات وتأويلات , متجاوزين الآية القائلة بأن القرآن كتاب مبين , ولكن كيف العمل ومسايرة تلك العقول ؟ فمن غير المعقول أن يستمر العمل بتلك النصوص التي كان الإنسان حينذاك يحارب بالسيف والخيل ويعيش ألخيام, واليوم انتشرت التكنولوجيا الحديثة وصناعة الأقمار والخ ….. من تطور , فبالرغم من ما توصل له العالم من اختراعات , توصلنا نحن إلى اختراع تعدد التفسيرات, فالبعض يقول بأن نصوص القرآن أحيانا تكون غامضة وأخرى تكون صريحة , وبعض الآيات تنتفي بانتفاء حاجتها !!, وعلى الفقيه ان يستوعب غموضها وغاية المقاصد منها , رغم ان القرآن لسان عربي مبين كما جاء في أحدى نصوصه , ومن ثم لا يعلم تأويله إلا الله !! فكيف يكون مبين ومن ثم لا يعلم تأويله إلا الله ؟ وما الفائدة من تلك التناقضات والحيرة التي لم تعطي الحلول لجميع الأمكنة والأزمنة وجعلت من شعوبها تراوح في مكانها وتكون كما هي حالها اليوم ؟
كيف لهذه الحجج أن تنطلي على العقول, ولأفكار أو خطابات مطلقة بصحتها تكون قابلة لعدة تفسيرات, ولكل حسب اجتهاده وفهمه ؟
وكيف استطاع الرجل ان يلعب دورا بارزا في تغيير تلك النصوص وتفسيرها حسب أهوائه الذكرية ووفق الزمان والمكان , لتكون وليدة للعادات والتقاليد فقط , ولأنهن سيتأثرون حتماً ببيئتهم وتربيتهم وما تلقوه في محيطهم .
وبالرغم من هذا فإن بعض العقول سكنت على أفكار لا يجرؤ صاحبها على الطعن بها , ففقد حواسه وقدرته على التغيير والإبداع , وأصبح عبداً للقديم بعد أن قُمعت حرية التفكير لديه ليتوقف بسبب أيمانه على ثوابت ما تعلمه فقط ,حيث كلما ازداد أيمانه كلما ازدادت مخاوفه .
هذا القديم الذي علينا اقتلاعه بعد أن تبلدت بالخوف أحاسيسنا , فخسرنا قدراتنا الموروثة والكامنة في نفوسنا , بعد ان تشبثنا بالموروث الخاطئ , فلهذا نحن شعوب نتاج هذا التراث والمحيط , نحن نتاج لما نتج عنه هذا الواقع الذي صار الإنسان فيه يتوجه لأخيه الإنسان ويصب عليه غضبه , فتزداد أوهامه وتزداد بها مصائبه .
إبداعنا بوعينا وقوتنا بأملنا .. به نهزم التخلف وننصر الإنسانية