نبيل عودة
• الناصرة أضحت في السنوات الأخيرة نموذجا يحتذى لمن يريد ان يخدم مواطنية، ان يستمع لقضاياهم ومعاناتهم وان يعمل على تقديم الخدمات بكل أنواعها واحجامها.
• الفرد مهما كان عظيما، هو ليس الحل الا بما يقوم به من اعمال خدماتية وملاحقة ما يعاني منه الجمهور بدون ملل .. وليس فن الخطابة والتهريج السياسي .. مهما كانت سياسته قريبة لقلوبنا.
• نريد من الجميع ان يتعاملوا مع الانتخابات كمباراة رياضية، بعقول منفتحة، بلا كراهية وتحريض، بلا ذم لشخص، مثل من يبحثون ب “أم عينهم” بالمزابل ليجدوا ما يرضي غرورهم وسيبكيهم قريبا.
مع اقترابنا من يوم الانتخابات تكثر الحسابات، ويصبح قادة الأحزاب، زعماء العشائر ونشطاء القوائم من أحسن طلاب الجمع والطرح. لاحظت، كما لاحظ غيري، ان أكثرية حسابات ما قبل الانتخابات هي حسابات يسودها الطموح الشخصي، أكثر من منطق معرفة مكانة وقيمة كل من يطرح نفسه للمنافسة على منصب ما. أحيانا يمكن وصف تلك الحسابات بأحلام اليقظة، او تعبير عن النوايا والرغبات، التي سرعان ما تتناثر مثل سقوط أوراق الأشجار في الخريف ساعة تفتح الصناديق وتعد الصوات.
طبعا انا لا أجري حسابات جمع وطرح لأن الموضوع انساني والبشر ليسوا ارقاما، بل اتعامل مع منطق الحياة. وهو منطق بسيط: أعطني أعطيك. اخدمني اعطيك كلمة ثقة، افتح الأبواب المغلقة امامي أفتح لك الطريق لقلوب الناس، اسمع مشاكلي واشعرني إني بأيدي أمينه وسأقف معك في السراء والضراء.
نحن اليوم امام انتخابات عامة للسلطات المحلية، ليس في الناصرة فقط، لكن الناصرة أضحت في السنوات الأخيرة نموذجا يحتذى لمن يريد ان يخدم مواطنيه، ان يستمع لقضاياهم ومعاناتهم، وان يعمل على تقديم الخدمات بكل أنواعها واحجامها. هذا هو دور السلطات المحلية، وليس الجلوس والتنظير واغلاق الأبواب امام الجمهور .. واجراء حسابات الطرح والجمع كان الحديث عن سوق خضار!!
لا شك لدي ان لكل مرشح رصيده، هناك من يضاعف هذا الرصيد ويكون أهلا للثقة، وهناك من يفقد رصيده تدريجيا ولا ينفعه الصياح مثل الديك في الفجر، ظنا ان صياحه سيطلع الشمس.
السلطات المحلية هي نافذة الخدمات الأكثر أهمية للمواطنين العرب. ولا ننسى انها المشغل الأكبر في الوسط العربي. أي أن أهميتها تتجاوز كراسي الكنيست. وتتفوق على أي مكتب وزاري مهما كان نوعه واسم وزيره .. واتجرأ وأقول ان رئيس سلطة محلية عربية كبيرة مثل الناصرة، في الظرف السياسي والمحلي الذي يميز واقع المجتمع العربي في إسرائيل، مهمته تتجاوز مهمة رئيس حكومة، من حيث أهميتها للمواطن وتأثيرها على حياته وتوفير الخدمات التي يستحقها!!
الرصيد الأكثر أهمية هنا ليس انتماء المرشح لتنظيم ما، بل رصيد الخدمات، رصيد تطوير الشبكات داخل بلداتنا، حل مشاكل يواجهها المواطن يوميا ويعاني منها. طبعا هناك رغبات أكبر من الإمكانيات المتوفرة، ليس لقصور في عمل سلطة محلية، بل لعدم وجود ميزانيات كافية بالأساس(او عرقلة اقرار ميزانية للسنة الجديدة لشل المجلس البلدي كما يجري في الناصرة الآن بوهم ان ذلك يرفع اسهم المعارضة)، لذا في التطوير يجب طرح ما هو أكثر أهمية وأكثر الحاحا. لا شيء غير مهم من قضايا التطوير او الخدمات، لكن محدودية الإمكانيات المادية يجعل السلطة المحلية تقرر ما هو هام وملح وما هو اقل الحاحا، ما هو سابق وما يمكن ان ينتظر قليلا، هذا لا يعني اهمال ما هو اقل أهمية، انما توفير الموارد لتنفيذ كل ما هو مطلوب لراحة المواطنين.
هذه المعادلة بسيطة، للأسف ما كان سائدا هو اشباعنا بشعارات اكل الدهر عليها وشرب. إن هدفنا من السلطة المحلية ليس نظم الشعارات وتعلم الدبكة وصياغة الهتافات ضد الاستعمار والصهيونية، وليس تطوير عبادة الفرد، كأن الفرد هو الحل. لا أعزائي الفرد مهما ظن نفسه عظيما، هو ليس الحل الا بما يقوم به من اعمال خدماتية وملاحقة ما يعاني منه الجمهور بدون ملل .. وليس فن الخطابة والتهريج السياسي .. مهما كانت سياسته قريبة لقلوبنا.
الخدمات ولا شيء غير الخدمات هي وظيفة السلطات المحلية وليس الوصول لكرسي الرئاسة ليصبح الشخص زعيما لا يتكلم مع الجمهور لأنه أصبح وحيد عصره، ولا يقابل الجمهور ولا ينشغل بوجع الرأس، وعلى الجمهور الاعتراف بعبقريته واحناء الرأس له حين يمر بقربهم، كأن مجرد وجوده برئاسة سلطة محلية هو المكسب الخدماتي العظيم.
تلك عهود انتهت من عالمنا.. العالم يتقدم ونحن نتقدم معه، ما سحرنا قديما لا يستحق منا اليوم أكثر من لوحة ذكرى للتاريخ، لا أحد ينكر انه انجزت تحولات كبيرة خلال العقود السابقة، لكن السلبيات لم تختف وبدأت بالتراكم، الانقطاع عن التواصل مع الجمهور أصبح مقلقا، حتى التعامل مع النشطاء والحلفاء أصبح يشكل نقطة سوداء في نهج ساد طويلا. ان من يظن ان معركته الانتخابية تحسم حسب الانتماء الحزبي او العائلي او الطائفي، كما هو في اغلبية بلداتنا العربية، هو انسان منقطع عن جذور شعبه .. كل الاحترام لكل العائلات، كل التبجيل والتقدير لكل الديانات، لكن تعالوا نفكر بمنطق، العائلة تريد خدمات، المؤسسات الدينية تريد خدمات، الجمهور الواسع يريد خدمات، اذن أعزائي الموضوع ليس من صورته أجمل، وليس من يلقي خطابات نارية من فوق المنصات، وليس من يظن انه ابن تنظيم له تاريخه المجيد، بل من يستطيع ان يعطي لموضوع الخدمات والتواصل مع المواطنين في بلدته، كل وقته، في ساعات العمل وبعد ساعات العمل. من هنا تبدأ الحسابات الصحيحة. ليس بحسابات الجمع والطرح .. وليس بحساب الطائفة، او بحساب العائلة، او بحساب التنظيم. هناك حساب واحد، ماذا تقدم للجمهور ليرد لك الجمهور مقابل ما تقدمه له.
الناصرة أضحت نموذجا خدماتيا يستحق ان يُدرس ويستفاد من تجربتها، هناك قيادات وشخصيات لا نعاديها، ولسنا أعداء لأي مرشح او عضو تنظيم او ابن عائلة او ابن طائفة. هناك منافسة في السباق لإدارة سلطة محلية، وهذا حق لكل من يرى نفسه أهلا لذلك، نريد من الجميع ان يتعاملوا مع الانتخابات كمباراة رياضية، بعقول منفتحة، بلا كراهية وتحريض، بلا ذم لشخص، بلا تشويه سمعة، بلا عقول مريضة مثل افراد لا في العير ولا في النفير يبحثون ب “أم عينهم” بالمزابل ليجدوا ما يرضي غرورهم وما يطربهم ويشبعهم، وما سيبكيهم قريبا.
علق أحدهم على مقال سابق لي، انهم هم المنتصرون. قلت له: مبروك سلفا لمن يختاره شعب الناصرة. لكن قل لي، كيف أجريت حساب الجمع والطرح؟ قال طبعا انا شاطر بالجمع. قلت: يبدو إنك لا تعرف الطرح. قال غاضبا: سأثبت لك بعد الانتخابات ان حساباتي صحيحة. سألته: وهل أخذت في حسابك اعتبار تطور الوعي النصراوي وتحرره من أوهام لم تعد تنفع بمجرد القاء خطاب ناري لا يخص الخدمات؟ قال بحدة: انا أحسب المصوتين أنا حسب الحارات والطوائف ..
قلت: هل عدتم لعهد القبائل، تعدون كم صوت في كل مجموعة عائلية او مجموعة طائفية وتطرحون وتجمعون ..وكأن الناس ارقام بلا عقل؟ وأضفت: سأروي لك حكاية تفسر اسلوبكم الحسابي .. سألت معلمة الصف الأول أحد التلاميذ ما هو جمع (2+2)؟ بدأ التلميذ يعد على أصابعه وأجاب: (4)، قالت له المعلمة الجواب صحيح لكني اريدك ان تحسب الجمع برأسك ليس بأصابعك، ضع يداك خلف ظهرك وقل لي كم هو مجموع (3+3)؟. لاحظت المعلمة انه يعد بأصابعه ويديه وراء ظهره، واجاب بعد قليل: (6). قالت المعلمة: صح لكنك تستعمل اصابعك، اريدك ان تعد بذهنك وليس بأصابعك، الآن ادخل يديك الى جيبتي بنطالك، ربما هكذا لا تعد بأصابعك، وقل لي ما هو مجموع (5+5)؟ ادخل التلميذ يديه بجيب بنطاله، ورغم ذلك لاحظت المعلمة انه يحرك أصابعه داخل جيبي بنطاله، ابتسمت وانتظرت جوابه، لكنه عاد يعد مرة أخرى ليتأكد كما يبدو من عدد أصابعه. سألته هل انتهيت من العد؟ أجاب: اجل الجواب (11). أغشي على المعلمة من الضحك، بعد برهة قالت له عد أصابع يديك فقط، انت اضفت أصبعا جديدا .. فارتفع الرقم (10%).
ذلك هو أسلوب حساباتكم يا صديقي!!
nabiloudeh@gmail.com