اليساريون العرب: لستم من الحل
طلال عبدالله الخوري
تم نشر هذه المقالة بتاريخ 13\5\2011 ونظراُ لحيوية الموضوع واهميته في الاحداث التي تجري على الساحة في هذه الايام ارتأينا اعادة نشره لتعميم الفائدة.
المنطق يقول بان الذين ليسوا جزءا من الحل, فهذا يعني بانهم بالتأكيد هم جزءا من المشكلة . وهذا حال اليساريين العرب الذين اصبحوا يشكلون عائقا حقيقيا لتطور شعوبنا في ما يسمى بالبلدان العربية. مما لا شك به, بان اليساريين العرب هم في حالة ضياع وانقسام وتخبط بمفاهيمهم, خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانمنظومة الاشتراكية في اوروبا الشرقية. فمنهم ما زال على ايمانه الثابت الذي لم يتزعزع, ومازالوا يعيشون بحقبة الخمسينات, واخرون مازالوا يؤمنون بالمبادئ الماركسية ولكن يعتبرون بان التنفيذ يأتي عن طريق الديمقراطية والانتخابات الحرة, ومنهم من لايعرف الفرق بين اليسار الاشتراكي, والاحزاب اليسارية الغربية, والتي هي احزاب يمينية, ولكن حتى الاحزاب اليمينية يتم تصنيفها الي يسار اليمين, واليمين, واليمين المتطرف, حتى انه يتم تصنيف الاعضاء بالحزب الواحد الي يسار, ووسط ,ويمين, وهذه التصنيفات ليس لها علاقة باليسار الاشتراكي لماركس, لا من قريب او بعيد. بعض اليساريين بدأوا يبحثون عن مصطلحات جديدة مثل اليسار الجديد , ولكن بالحقيقة لا يعرفون ما يريدون! فاي حزب سياسي يريد ان يقود بلد ما, يجب ان يكون لديه سياسة اقتصادية محددة يعرف فيها المواطن المنتج, والمواطن المستهلك ما هي الفائدة من انتاجهم للسلع او ماهي قيمة احتياجاتهم للسلع, اي كيف سيتأثر السوق من خلال السياسات الاقتصادية التي يقودونها؟!
في هذه المقالة سنبين بان معاداة اليساريين العرب لاقتصاد السوق التنافسي الى جانب تحالفهم مع الاسلاميين يشكل عائقا يبطئ من تطور بلداننا وسيرها الى الامام بنفس الطريقة السلبية التي يؤثر بها الاسلاميون على ابطاء ازدهار اوطاننا وتقدمها. وفي النهاية سنبين ان اشتراكهم بالحكم في بعض البلدان العربية كأحزاب معارضة صورية, كان له اثر سلبي على شعوبنا من حيث انهم ساعدوا باطالة عمر هذه الانظمة, و لمعوا صورة الديكتاتوريين العرب المستبدين, واعظوا صورة ايجابية عن حكامنا من حيث اخفاء فسادهم واظهارهم كدمقراطيين لديهم احزاب معارضة, للرأي العام العالمي.
اليساريون العرب ومعاداة الرأسمالية
تأتي جذور معاداة اليساريون العرب للرأسمالية التي ينعتونها بأدبياتهم بالرأسمالية المتوحشة, التي تستغل جهود العمال وتسرق قوة عملهم عن طريق مبدأ فائض القيمة الذي وضعه ماركس, المتأثر بالفكر الاشتراكي, الذي يعادي الرأسمالية اصلا, كما سنبين بالفقرة القادمة. لقد تصالح معظم الاشتراكيين السابقين من بلدان اوروبا الشرقية مع الرأسمالية, وأضحت الاشتراكية بذمة التاريخ ووضعوا نظريات ماركس على رفوف المتاحف, ولكن للأسف ما زال اليساريون العرب محتفظين بايمانهم بنظريات ماركس. طبعا لا احد يشك باخلاص اليساريين لمعتقداتهم وتضحياتهم ونضالهم من أجل مبادئهم, ولكن هذا لا يعفيهم من ان ننتقد ما نراه خاظئا بمبادئهم النظرية وسياساتهم العملية. في الفقرة القادمة سنقوم بدراسة قانوني ماركس للقيمة ولفائض القيمة التي ترتكز عليهما اعمال ماركس بالاقتصاد. سنحاول ان نبسط دراستنا بلغة مفهومة للقارئ الغير مختص ونبتعد عن المفاهميم الاقتصادية والفلسفية المعقدة.
تفنيد قانون القيمة لماركس
ولد كارل هنريك ماركس عام 1818 وتوفي عام 1883 ولقد برز في هذه الحقبة مبدأ فصل الكنيسة عن الدولة. وقام انذاك كوكبة من الفلاسفة والمفكرين لوضع المبادئ الاساسية لترسيخ قاعدة الحريات، وعلى رأسها حرية الفكر وحرية التعبير وحرية النقد, وفي تلك الحقبة ايضا مرت أوروبا بتقلبات سياسية كثيرة ومن الطبيعي ان يصاحب ذلك اضطرابات اقتصادية جراء التركيز على الحرية الاقتصادية, وكانت الطبقية بارزة, حيث طبقات البورجوازيين من أصحاب رؤوس الأموال و طبقة العمال، الى جانب الطبقات الارستقراطية الحاكمة. تأثرا ماركس بالأفكار الاشتراكية, فوضع الأسس النظرية للمادية الجدلية. ثم وضع المادية التاريخية، وصنف على أثرها المجتمعات البشرية على أساس أداة الإنتاج وأساليب الإنتاج، و اعتبر ان الانتقال يتم طبيعيا في المجتمعات بناء على تغير وتبدل أداة الإنتاج ومفاهيم الإنتاج.
نظرية ماركس في القيمة ليست جديدة، وإنما هي امتداد لنظرية كمية العمل السابقة له والتي وضع أصولها آدم سميث, ومن بعده ريكاردو . أما الجديد في نظرية ماركس هو أنه قد طبقها على العمل نفسه، واستنبط منها نظريته في “فائض القيمة” التي تعتبر أساسا لتحليله للنظام الرأسمالي ولهجومه عليه. أي ان كل ما فعله ماركس هو اختراعه لقانون فائض القيمة لكي يبني على اساسه هجومه على الملكية الخاصة لصالح الافكار الاشتراكية!!
يقول ماركس: تتحدد قيمة السلعة بكمية العمل التي تبذل فيها. وكمية العمل هذه, هي في المتوسط مدة العمل اللازمة اجتماعيا لإنتاج السلعة, وهي المدة التي يتطلبها كل عمل بواسطة درجة متوسطة من الكفاءة، وفي ظروف تعتبر عادية. اذا حسب ماركس الذي يحدد قيمة السلعة, هو مدة العمل اللازمة لجماعة معينة لإنتاج هذه السلعة. ويعتبر ماركس أن قيمة سلعة ما بالنسبة لقيمة سلعة أخرى تتحدد بنسبة العمل اللازمة لانتاج كل من السلعتين. وعلى ذلك فإن قيمة السلعة تبقى ثابتة ما بقيت مدة العمل اللازمة لإنتاجها ثابتة. وقد خلص ماركس إلى أنه كلما ارتفعت القدرة الإنتاجية للعمل تنخفض قيمة السلعة. وعلى العكس من ذلك، كلما انخفضت القدرة الإنتاجية للعمل ازدادت المدة اللازمة لإنتاج السلع وارتفعت قيمتها. وعلى ذلك فإن قيمة سلعة ما تتغير في اتجاه طردي مع كمية العمل، وفي اتجاه عكسي مع القدرة الإنتاجية للعمل.
يعتبر ماركس ان مدة العمل ليست من طبيعة واحدة، لذلك لجأ ماركس إلى ضرورة تحويل العمل الموصوف إلى عمل بسيط , واعتبر أن العمل الموصوف مضاعف العمل البسيط. وهنا, برأينا. وقع ماركس بمشكلة صعبة للمضي قدما بنظريته!! هذه المشكلة هي كيف يمكن أن نتعرف على العمل المضاعف؟ أي كيف يمكن أن نحدد معدل تحويل العمل الموصوف إلى العمل البسيط؟
هنا ماركس لم يجد بدا من ان يعتمد على معدل مبادلة المنتجات!! فإذا, على سبيل المثال, تمت مبادلة تمثال صغير تطلب ساعتين من عمل نحات مبدع، مع حمل من الأحجار تطلب عشرين ساعة من عمل قاطع الأحجار، فإن هذا يدل على أن ساعة من عمل النحات المبدع تساوي عشر ساعات من عمل قاطع الأحجار.
وهنا ماركس يناقض نفسه, فبعد ان وضع نظريته لقانون القيمة معتمدا على مدة العمل اللازم لانتاج السلعة, يعود ويتبنى قانون معدل المبادلة وهو مصطلح اخر لقانون العرض والطلب المعروف بالاقتصاد التنافسي. اي ان نظريته في القيمة لم تساعده في حساب القيمة السوقية, فبدلا من ان يتخلى عن نظريته , يتابع بها ويحسب على اساسها قانون الفائض بالقيمة لكي يتهجم على الملكية الخاصة لصالح الافكار الاشتراكية التي تأثر بها. ومن هنا يتضح أن ماركس يعتبر المنفعة ضرورية للقيمة ولكنه من ناحية أخرى لا يعتمد عليها في تفسير القيمة، ولا في قياسها.
بعد ذلك, طبق ماركس على العمل النظرية التي طبقها على أي سلعة أخرى، وخلص إلى أن قيمة قوة العمل تتحدد بكمية العمل اللازم لإنتاجها، وعلى ذلك فإن رب العمل لا يعطي للعامل إلا القدر اللازم لاستمراره (واستمرار جنسه) حتى يعمل، ويحتجز لنفسه الفرق بين قيمة المنتجات وقيمة قوة العمل، وهو ما يعرف “بفائض القيمة”, ثم قام باستخدام مغالطة نظريته بفائض القيمة للهجوم على الرأسمالية, التي ما يزال يتمسك بها اليساريون العرب بعد ان نسيها اصحابها ووضعوها على رفوف المتاحف. ولكن هنا لا بد ان نشير الى ذكاء ماركس وابداعه في وضع تفاصيل نظريته قانون القيمة وفائض القيمة , والتي ما يزال يلجأ الباحثون في الاقتصاد لدراستها كعمل بحثي ضخم في الاقتصاد.
من هنا نرى بان ماركس خلص إلى أن العامل تكون له قيمة قوة العمل لا قيمة ناتج العمل أي خلص إلى أن الأجر هو ثمن قوة العمل لا ثمن المنتجات. وعلى ذلك فإن الأجر يتحدد في نظره بقيمة قوة العمل، لا بقيمة المنتجات, اي فرق ماركس بين العمل وقوة العمل، ويعني بقوة العمل قدرات المرء الجسمانية والذهنية على أداء العمل, وإذا أصبحت قوة العمل سلعة تباع وتشترى فقيمتها تحددها تكاليف إنتاجها, أي يحددها العمل اللازم لإنتاجها، ويقصد بهذا وقت العمل اللازم لإنتاج وسائل العيش اللازمة للإبقاء على حياة العامل وأسرته, والفرق بين هذا الحد الأدنى اللازم للإبقاء على العامل وأسرته، وبين قدرة العامل الإنتاجية عندما تستخدم في العمل يظهر على هيئة “فائض قيمة” وهذا هو سر تجميع أو تكوين رأس المال. اذا, تفريق ماركس بين العمل وقوة العمل، كان مدخلا له لإيجاد فائض القيمة الذي يتكون منها الربح لصاحب العمل، والذي هو أساس لتكوين رأس المال.
اذا مغالطة ماركس المنطقية،انه قال بالعمل كمفسر للقيمة، وقدمه كأساس مشترك، ونسي أن العمل يختلف من شخص إلى اخر ,وكما الحالة في االمنفعة, في كمية ما يبذله من جهد لانتاج السلعة. فهو من جهة يقول بإن المنفعة ضرورية للقيمة، وبأنها الدعامة المادية لها, ثم لا يعتبرها في تفسير القيمة ولا في قياسها ؟! اي ان ماركس يعود ويبتعد عن قانون السوق, العرض والطلب, فليس من الضروري أن تكون أكبر الأشياء قيمة أكثرها تضمنا للعمل, وكذلك توجد أشياء تقتضي كمية واحدة من العمل ولكنها تختلف في القيمة، ويمكن أن نفسر هذه الأوضاع السابقة باختلاف منفعة الأشياء.
من هنا نرى بان معاداة اليساريين العرب التاريخي لاقتصاد السوق التنافسي يشكل عائقا لبلداننا في سبيل تطويرها وتقدمها, حيث ان علم الاقتصاد يبين بانه لكي يتطور اي بلد اقتصاديا , عليه تبني سياسة الاقتصاد التنافسي وهو السبيل الوحيد لتطوير البلد وازدهارها اقتصاديا وعلميا واجتماعيا. وللاستزادة بهذا الموضوع راجعوا مقالاتنا عن اقتصاد السوق التنافسي.
زواج المتعة بين اليساريين والاسلاميين
من شدة تخبط اليساريين العرب , أرتؤا ان يتحالفوا مع الاسلاميين , وحججهم بذلك بان مايجمعهم بالاسلاميين هو عدائهم المشترك للغرب. ولقد وجه الكثيرون نقدا لهذا الادعاء, حيث قالوا بانهم ركزوا على مايجمعهم مع الاسلاميين وهوقليل مقارنة بما يفرقهم من الاسلاميين. ومنهم من ذهب ابعد من التحالف مع الاسلاميين, حيث حاولوا ان يفسروا المفاهيم الاسلامية بطريقة تقربها مع المفاهيم الماركسية لكي يقربوا بينهم وبين الاسلاميين, و للمزيد في هذا الموضوع نحيلكم الى مقال الباحث احمد القاضي ” تديين كارل ماركس”.
تصورا ان الحزب الشيوعي اللبناني تحالف مع حزب الله!! أعتقد هذه المسألة لا تحتاج الى تعليق. وعلى كل حال فقد تم تفنيد هذا التحالف من قبل الكثرين من الكتاب اليساريين, ويمكنكم الرجوع الى كتاباتهم للاستزادة.
وهنا مرة اخرى يساهم اليساريون العرب من حيث يدرون او لا يدرون, بدعم الاسلاميين وسياساتهم والتي لا ينتج عنها الا التخلف واضطهاد الاقليات والمرأة, هذا عدى الانحطاط بكل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية, وبالتالي ابقاء اوطاننا تحت نير المستبدين الفاسدين الذين يحتكرون اقتصاد بلداننا ويعادون بنفس الطريقة الاقتصاد التنافسي.
اليساريون العرب في المعارضة العربية الرسمية
شاركت بعض الاحزاب العربية اليسارية, بالمعارضة الرسمية العربية , ولكن للاسف كانت معارضة صورية , وكل ما انجزته لبلدانها بالمعارضة كان سلبيا, حيث انه تم تدجينها من قبل الحكومة الرسمية مقابل بعض الفتات هنا وهناك, مثل منصب وزير لا يحل ولا يربط, او مكتب هنا وجهاز فاكس او كومبيوتر او سيارة مع راتب هناك. ولكن للأسف دفع شعبنا ثمنا كبيرا لقبولهم بهذه الفتات. فمن جهة هم ساعدوا باطالة عمر هذه الانظمة, و لمعوا صورة الديكتاتوريين العرب المستبدين لدى الرأي العام العالمي, واعظوا صورة ايجابية عن حكامنا من حيث اخفاء فسادهم واظهارهم كحكومات ديمقراطية وبأن لديهم احزاب معارضة. وبهذه الطريقة سهلوا مهمات الزعماء المستبدين العرب على احتكار اقتصاد بلداننا وتسخير شعوبنا لمصلحة الحاكم وعائلته.
من هنا نرى بان اليساريين العرب يعرفون بانهم لا يملكون اي مشروع اقتصادي واقعي , و اصبحوا يشكلون عقبة في سبيل تطور اوطاننا, وان رسالتهم اصبحت بائسة, وجل
ما يصبون اليه, هو ان يبقوا قوة انتخابية وسياسية, لكي يحصلوا على ما يرميه عليهم الاستبداديون العرب من فتات العطايا والهبات المادية او السياسية. وهم اصبحوا يشكلون عبئا على التغيير الذي نطمح له في بلادنا, وهم قطعا ليسوا جزءا من الحل بل جزءا من مشاكلنا.
نحن نتمنى ان يعي اليساريون العرب هذه الحقائق لكي ينضموا الى النضال الايجابي للعلمانيين والاقتصاديين العرب, والخبراء باقتصاد السوق التنافسي لكي يساعدوا بفعالية بالثورات العربية التي تدور رحاها الان من قبل شباب سأم الظلم وينشد الحرية والتي هي بالنهاية حرية اقتصادية والتي لا يحققها الا الاقتصاد التنافسي وهذا ما افضت اليه خبرات وتجارب شعوب العالم.
http://www.facebook.com/pages/طلال-عبدالله-الخوري/145519358858664?sk=wall