سألتكم أكثر من مرة كم شهر بقي لينتهي ديسمبر، ولم يجيبني أحد…
لقد قالوا الصديق عند الضيق، ولكن أين أنتم أيها الأصدقاء؟
*****
ضغوط اليوم لم تكن سهلة، لا لأنها بحد ذاتها صعبة، بل لأنها أثارت لدي ذكريات بعيدة ذات شجون مؤلمة!
كنت قد وعدت ابنتي فرح منذ اسبوعين أن أنقل جازي اليوم من البيت إلى عيادة طبيب الأسنان،
لأنها تحتاج إلى بعض العلاج.
العيادة قريبة من بيت فرح وقريبة من مكان عملها، وهي مصرّة على أن تتواجد مع طفلتها في العيادة، ولذلك أخذت لها موعدا خلال استراحة الظهيرة كي يتسنى لها أن تترك عملها وتلتحق بها!
كان بامكان فرح أن توفر عليّ ساعتين أحتاج لأنهي بهما عمل اسبوعين، وكان بامكانها أن تلتقط جازي من البيت وتعيدها إليه بعد انتهاء العلاج وقبل انتهاء مدة استراحة الظهيرة!
لكنها لم تفعل!
لماذا؟
لأنها خلال الدوام تقود سيارة حكومية وبالقانون لا يُسمح لها أن تركّب أحدا فيها…
…..
حملني الحدث إلى وطن مازال يعيش في عمق وجداني رغم محاولات كثيرة وشاقة لأقلعه من هناك…
أعادني إلى وطن سقط ضحية حرب عصابات، لا تعرف متى وكيف ستنتهي!
فرح تلتزم بالقانون كما هو أي أمريكي، فسيارة الدولة ليست ملكا لوالديها، بل هي وسيلة للقيام بعملها على أتم وجه!
….
في ذلك الوطن البعيد الحاضر الممزق والنازف كان هناك رجل يسمى عزّ الدين ناصر (لا أعزه الله ولا نصره)، وكان رئيسا لإتحاد نقابات العمال في سوريا.
قابلت السيدة زوجته مرتين، وأعادني حدث اليوم إلى هاتين المرتين!
المرة الأولى كنت في التاسعة من عمري على أبعد تقدير!
كان وعائلته يعيشون في حينا، وكانوا من فقراء ذلك الحي..
في طريقي يوما إلى المدرسة ضربت عاصفة مطرية شديدة جدا حينا، وكادت أن تبتلعني مع طفلين آخرين..
فركضنا نحتمي بشرفة بيت السيد عز الدين، ولم يمضِ دقائق حتى فتحت زوجته الباب وفي يدها عصا غليظة وهي تزمجر: يا أولاد….انقلعوا من هون!
……
المرة الثانية كانت بعد حوالي خمسة عشر عاما، وكانت في حفل عزاء..
كنت وأمي ندخل بيت المتوفي لنقدم تعازينا وإذا بتلك “الساحرة” تزمجر وتسب وتشتم السائق الذي أوصلها لسبب لم نعرفه…
طبعا كانت سيارة حكومية وكان السائق “خادما” عند زوجها…
هكذا هو مفهوم “المنصب والوظيفة” في ذلك الوطن منفعة واستعباد!
أعادتني زمجرتها إلى ذكرى العاصفة المطرية فانتابني احساس بضرورة الهرب من عصاها!
….
للأسف، هذا هو النمط المطلوب لقيادة البلد، امرأة تطرد أطفالا يحتمون بشرفتها، وتستعبد موظفا لمجرد أنه محكوم بسلطة زوجها!
مالم يكن هناك منظومة أخلاقية لا يمكن أن تسمي الماخور وطنا!
………..
قرأت مرّة عن قرية صغيرة في مكان ما من العالم…
بيوتها مصنوعة من الخشب…
قبل عشرين عاما من الكارثة التي شهدتها تلك القرية، عشعش نوع من النمل الصغير في خشب البيوت، فتجاهل السكان الأمر من منطلق
استهتارهم بالنمل!
ذات يوم، ضربت عاصفة خفيفة تلك القرية فهبطت البيوت فوق سكانها دفعة واحدة وراح ضحيتها الكثيرون منهم!
……
لم يكن السيد عز الدين ناصر وأمثاله إلا ذلك النمل الصغير الذي غزا وطنا غاليا على قلوب سكانه…
ولأننا استهترنا يومها بذلك النمل…
هبط الوطن دفعة واحدة ودفعنا الثمن غاليا!
……….
توجهت فرح إلى عملها مسرعة قبل أن تنتهي مدّة استراحتها…
وأوصلتُ جازي إلى البيت، ثم عدت إلى مكتبي لأنهي أكداسا من الوثائق والأوراق قبل أن تغرقني…
أجمل مافي الرحلة، سألني بنجي عند وصولي إلى بيتهم: ؟
Have you been a good gril
ـ هل كنت بنت عاقلة وكويسة ها السنة؟
عندما أجبته بالإيجاب، رد:
Then Santa will bring you a gift
ـ إذن ستصلك هدية من سانتا!
***************
أنا الآن بانتظار سانتا….
ما أجمل الإنتظار عندما نترقب وصول هدية!!!!
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهرانبقلم مفكر حر
- #خامنئي يتخبط في مستنقع الهزيمة الفاضحة في #سوريابقلم مفكر حر
- العد التنازلي والمصير المتوقع لنظام الكهنة في #إيران؛ رأس الأفعى في إيران؟بقلم مفكر حر
- #ملالي_طهران وحُلم إمبراطورية #ولاية_الفقيه في المنطقة؟بقلم مفكر حر
- بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديثبقلم آدم دانيال هومه
- آشور بانيبال يوقد جذوة الشمسبقلم آدم دانيال هومه
- المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستاتبقلم مفكر حر
- أفكار شاردة من هنا هناك/60بقلم مفكر حر
- اصل الحياةبقلم صباح ابراهيم
- سوء الظّن و كارثة الحكم على المظاهر…بقلم مفكر حر
- مشاعل الطهارة والخلاصبقلم آدم دانيال هومه
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهران
أحدث التعليقات
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
كل عام وأنت بخير أيتها الجميلة بروحك وبزوقك الجميل، في كل كتاباتك تتمتعين بجاذبية لقراءة ما تكتبين لا أظن أحد يتمتع بها…هدية سانتا هي محبة وتقدير
جمهورك الذي يحترمك ويقدرك..دام قلمك الجميل أبدا
وما إبنتك فرح سوى صورة عن أمها البطلة
كل الإحترام والتقدير