النظام السوري بين الجنس و السياسة

د. عبد السلام ضويحي: السوري الجديد*dramasyr2

لست من متابعي الدراما السورية .. و خصوصاً بعدما صارت في السنوات الأخيرة منبراً لتشويه المجتمع السوري و تزوير التاريخ ، ووسيلة لإنتاج الرسائل السياسية التي يرغب النظام بتوجيهها سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي…
في الدراما نرى الدين في سورية كحالة ظاهرها جميل و باطنها فاسد مليء بالشذوذ، أهل اللحى غالباً ما يكونون مريضين نفسياً و متخمين بالعقد الاجتماعية، مجتمعنا السوري المحافظ يظهر مشبعاً بالانحلال والتحرر، بل سبق في ذلك شعوب العالم. هذاالأمر يُصوّر و كأنه واقع طبيعي يعيشه الناس بكل بساطة و عفوية و رضا…

أكتب هذا الكلام بعد أن قرأت منشوراً للصديق إياد شربجي يتحدث فيه عن مشاهدته لحلقة من مسلسل ( منين نبتدي الحكاية ..شاهده هنا: حلقة وحدة شفتها كانت كافية لتقرفني بكل الدراما السورية وأنني كنت جزءاً منها بيوم من الأيام)..

بالمختصر المسلسل يقدم التحرر الجنسي -الغير شرعي في معظم الديانات وكثير من المجتمعات ليس العربية والمسلمة فقط – كفعل ( حضاري ) تقدمي، فالمثقف المتحضّر غسان مسعود لديه صديقة
( Girlfriend )
يمارس معها طقوس الصداقة بكل أريحية، والمقصود بالصداقة هنا ليس المساعدة والوفاء والصدق بل تحديداً الجنس.

أما ابنه فيُحضر صديقته للمنزل، فيمارس هو دور الأب الواعي المثقف المتحضر فيترك المنزل ليأخذ ابنه و صديقته راحتهما وهما يمارسان الحضارة.!!. يحدث خلاف بين غسان وصديقته. تبتعد عنه لفترة ، ثم يتصل بها يسألها عن رغبتها بعودة الوصال (الحضاري)، فتقول له أنها صاحبت شخصا آخر وفعلت معه ما فعلت مع غسان من حضارة.

الغريب أن غسان المتحّضر الذي لم يجد ضيراً في ممارسة الحضارة يشعر بالغيرة والغدر عندما تفعل ذات الشيء مع غيره ، فيشكو همه لصديقه من نفس الوسط الثقافي، والذي بدوره يعتب على غسان لتخلفه و إعطاء الموضوع أكبر من حجمه. فيعود الأخير إلى لرشده و وعيه و يخرج من قوقعة التخلف و حلزون العادات البالية.. و يدرك أنه ظلم صديقته ..!!

هذا نموذج للدراما السورية التي يجب أن نصفق لها لنصبح من المؤمنين بالبعد الحضاري و المدني للمجتمع السوري برعاية قيادتنا الحكيمة و الملهمة، وحين تعلّق رافضاً هذه الخديعة على الأقل من مبدأ لا واقعيتها في المجتمع السوري، تصبح أنت المتهم والمتخلّف الذي يفكّر بالجنس كأي متدين (شهواني) يرسمه نجدت أنزور في أعماله، وليس من قام برسم هذه الصورة واقحامها على الشاشة غصباً… يا للغرابة…!!

كنت رئيسا لاتحاد الطلبة في جامعة حلب، و أذكر في أحد المرات جاءني أب و أم و ابنتهما من إحدى المحافظات البعيدة يطلبان مني تأمين سكن لابنتهما في المدينة الجامعية. قال لي الأب على استحياء، إننا نسمع الكثير من القصص غير الأخلاقية في الجامعة و بناتنا أمانة عندكم….
و هنا أقولها صراحة و دون تحفظ، توجد أحيانا مظاهر و مناظر من تلك التي تحدث عنها المسلسل في بعض حدائق الجامعة و خلف أبنيتها ، و الأمر لا يقتصر على طلاب الجامعة بل يتعداه إلى أناس من خارج الجامعة .

خطرت لي فكرة ناقشتها مع زملائي في المكتب و لاحقا مع رئيس الجامعة الذي استحسنها.. و الفكرة هي تسيير دوريات من اتحاد الطلبة بالتنسيق مع الحرس الجامعي لرصد و منع هذه الظاهرة و محاسبة جماعة دراما ( العشق الحرام ).. و تم التأكيد على الحرس الجامعي لمنع دخول الغرباء للحرم الجامعي خاصة في أيام العطل .. أخذت هذه الخطوة صدى إيجابياً و نتائج ملموسة، حيث كنا نضبط حالات كثيرة في البداية، ثم بدأت هذه الظاهرة تختفي تدريجيا على الأقل في أروقة الجامعات، هذه الخطوة لاقت استحساناً من كثير من الاداريين في الجامعة، لكنها بالمقابل لاقت استنكارا من البعض الآخر و كذلك بعض ( الرفاق ) خاصة و أن بعض الطلاب المضبوطين بالجرم المشهود قد لجؤوا إليهم، حيث إننا كنا نحيل الطالب للجنة الانضباط بسبب مخالفة الأنظمة الجامعية – لا نذكر السبب حرصاً على سمعة الطالب، و الطالبة نهددها بإخبار أهلها و نأخذ منها تعهداً خطيا ًبعدم تكرار الأمر تحت طائلة الإحالة للجنة الانضباط و إعلام الأهل، أما من أتوا من خارج الجامعة فكنا نرسل خطاباً رسمياً للشرطة لاتخاذ المطلوب، وغالباً ما يتم كان يتحل حل الموضوع في جمهورية الأسد المتحرر بتبويس الجيوب .

في أحد الأيام اتصل معي ضابط من الامن السياسي مسؤول ملف الجامعة – طبعا في كل فرع هناك ضابط مسؤول عن ملف الجامعة – و طلب مني بأدب أن أمر في وقت مناسب لي لنتناقش ببعض قضايا الطلاب، بالفعل ذهبت بعد عدة ايام برفقة عضو قيادة فرع الحزب في الجامعة و مدير المدينة الجامعية، كان الكلام ودياً و عمومياً عن وضع الجامعة و الطلاب، حتى جاءني سؤال مباشر مع ابتسامة : ما هي قصة الدوريات التي يسيرها اتحاد الطلبة في الجامعة.؟! إجابتي كانت واضحة بأننا نطبق أنظمة الجامعة فحسب.
كان رد الظابط مفاجئاً و مترافقاً مع ضحكة صفراوية:
“لك يا أخي شو بدك فيهن…. خلي هالشباب يلتهوا بالسكس أحسن ما يلتهو بالسياسة”.

هذا هو الجواب على سؤال المسلسل الدرامي أعلاه ” نبتدي منين الحكاية”….. إبدؤوها من جواب الضابط…!!

*طبيب سوري مقيم في المانيا – خريج جامعة حلب – رئيس اتحاد الطلبة في جامعة حلب 2001 – 2007

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.