النسل

منع ماو تسي تونغ أن يكون للزوجين أكثر من ابن واحد، ولا يزال القانون معمولاً به رغم اللين الذي طرأ على جميع أوجه 30002446_mday09_w_RKIAa_20137النظام. وكان القانون قاسيًا. والبعض كان «يهرِّب» ولادة أخرى ويعيش معها سرًا طوال العمر. فما هو في الحياة أجمل من الأمومة والأبوة، وبأي حق تحرم الناس من سر الوجود؟ وإلى الآن لا تزال الكنيسة الكاثوليكية تحرّم استخدام وسائل منع الحمل، رغم الدعوات المتكررة من داخلها ومن خارجها. غير أن نسبة الولادات المتدنية في أوروبا، وأحيانا المنعدمة، تدل على أن الأوروبيين لم يعودوا يعملون بتعاليمها.
هذا جانب. الجانب الآخر، تصور للحظة لو أن الصينيين الذين يعدون الآن نحو مليار و200 مليون نسمة، مسموح لهم أن تتألف العائلة من 3 أبناء، أو أكثر. أعرف أنك لا تريد أن تتخيل الوضع. أفكر في ذلك كل يوم وأنا أقرأ عن «المهاجرين غير الشرعيين» الذين يغرقون وهم في الطريق إلى أوروبا بحثًا عن لقمة وعن ثوب وعن حياة خالية من كل شيء، لكن فيها بعض الشبع. قال لي وزير اقتصاد سوري سابق إن المكوّن الحقيقي والخفي لاضطرابات العالم اليوم هو فائض الولادات. الملايين منهم يؤتى بهم إلى هذا العالم وليس لهم مكان في مدرسة، أو في وظيفة، أو حتى في بيت. وأما في الهند فلا مكان لهم حتى في الشارع.
كل شيء في الدنيا يقوم على التوازن، والاختلال خراب. برغي واحد يتعطل في سيارة، يوقفها. شخص واحد زائد في مصعد، يعطله. ما بين الصين والهند لا يزال هناك نحو مليار فقير رغم التقدم الخيالي الذي تحقق. في أفريقيا، لا يبحث الشبان عن الطعام في أكياس القمامة، بل أيضا عما يرمى من الثياب. فائض، أو فيضان الولادات، يؤدي إلى فيضانات في البؤس والتعاسة والصراعات والنزاعات.
لا بد أن هناك ميزانًا عادلاً يحمي القادمين الجدد من أن يمضوا حياتهم في العشوائيات، أو غارقين في المراكب، أو مشردين بين حدود الدول. العام الماضي بلغت الولادات بين النازحين السوريين في لبنان 65 ألفًا: أي مخيم ينتظرهم، وأي شوارع؟ عند شارة كهربائية وسط بيروت تجلس أم صبية ومعها رضيع وطفلان. ويفترض في الطفلين أن يطلبا المساعدة من السائقين. لكنهما طفلان مثل سائر أطفال البشر. ولذلك، يلهوان ويلعبان ويقفزان. وبدل أن تغضب الأم تفرح لهما وتضحك.
هؤلاء بشر، لكنهم محرومون من حياة البشر. وربما كل ما يبقى من الحياة لهم هو الخصب. لكن المؤسف أنه خصب يؤدي إلى الجدب والجفاف والقلّة في كل شيء. لا يمكن للتطور أن يلحق بمعدلات التوالد والتزايد. المثال الأوضح هو الهند والصين. إذ ثمة قاعدة لا تخطئ، وهي أن قوة الأمم في عدد العقول، لا في عدد البطون، خصوصًا إذا كانت خاوية.
تحرص الطبقات الوسطى على حياة أفضل لمن تأتي بهم إلى هذه الحياة، فتحسب الحسابات لما يجب أن يُحسب له حساب. لكن الطبقات المعدمة لا وقت لديها إلاّ للبحث عن الشبع. وأحيانا لا تلقاه إلا في الخرافات. ويزداد الجائعون جوعًا وأعدادًا وغرقًا.
نقلا عن الشرق الاوسط

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.