المولد النبوى: شرك أصغر أم أكبر؟

 نادين البدير

 حتى مولد النبى يخاف منه. الفرح. الابتسامة. كلها مختزلة غائبة فى بنية شخص غضبان من الحياة، ما استطاع أن يحقق إنجازاً واحداً وما كسب أى قضية. مازال ساكناً بين الكثبان، لم تمحُ الأبراج خشيته من الحضارة، انتقل للمدينة رغماً عنه بحكم التوطين. المدنية لم ترق له. كرهها. وعاش حتى ٢٠١٣ حالفاً على البقاء بعيدا عنها. حجة خوفه من التغيير معارضة شرع الله. حجته ليست بهشة. تقف مستندة على ركيزة السيف.

 راقب قبل أيام وحلل تآزراً علمانياً صوفياً. سخر من عبارات التهانى التى تبادلها العلمانيون مع الصوفيين بمناسبة المولد.

 قبل الحديث عن المولد كان يسمع من يحكى عن المواطنة فيقول: حرام. وعن القومية فيقول: حرام. عن الهوية قال: ضلال. والجهات العليا تتبعه خشية غضبه. وفجأة: توالت الأحداث السياسية.

 بعد كامب ديفيد تغاضى عنه السياسى «بعض الشىء» وهو الذى بدأ عقده الأول بتحالف بين القبيلة والدين لا العروبة، تغاضى عنه إذ لابد من بديل عن مصر فى ذلك الوقت لتسلم الدور الإقليمى الأكبر فى المنطقة، وصار واجباً الحديث عن الانتماء للعروبة «ولو بعض الشىء». بعد ١١ سبتمبر تمادى السياسى فى تغاضيه وتحول الحديث عن الهوية والمواطنة والوطنية من كفر إلى حاجة ماسة للأمن القومى بعد فشل الرهان على عمود التشدد الدينى كرابط يضمن التفاف الأفراد حول الدولة مخلصين لها. بدلا عنها التفوا حول «بن لادن» وفكرة الأممية. ثم ولد الإرهاب.

 لا تتحرك الجهات المسؤولة أمام المشاريع الفكرية المتخلفة إلا حين تتعارض تلك المشاريع مع وجودها.

 مثل الاهتمام المتأخر بالانتماء الوطنى، والبدء متأخرين جداً برفع الحظر عن الاحتفال بالعيد الوطنى.

 أما العيد النبوى فلا يزال حبيس أدراج الانتظار. وأتمنى ألا تلتفت الدولة للمذاهب المتنوعة والمختلفة لساكنيها بعد فوات الأوان كالمعتاد.

 رغم الحظر يحتفل كثير من السعوديين بالمولد النبوى فى منازلهم. فمستحيل أن تمنع الأمم الغفيرة من الاحتفال بشخصية قدسية يستقون منها كل شىء حتى مناسكهم اليومية. وما اهتزاز الشوارع العربية والإسلامية نقمة على الإساءة للنبى إلا احتفالا بوجوده فى حياتها.

 يسخر من الموالد وما يحدث بها من ممارسات قائلاً إنها مثال صريح على الشرك بالله. يقاومها، يحارب وجودها. كل وجود لمختلف تهديد لوجوده.

 هو حائر ويجهل المصير: إن كان سيعود يوماً للتنقل بين الصحارى، أم سيبقى عالقاً ببيئته العالمية الجديدة بين أفراد يرونه ذلك الهمجى الذى استوطن بجسده المنزل والشارع وفنادق الخمس نجوم دون أن يعى أن هكذا حياة تتطلب منه أن يحسب حساب «الآخرين».

 كل عام وأنتم بخير.

About نادين البدير

كاتبة صحفية سعودية , قناة الحرة
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.