المفكر و البرميل

في بداية العشرينيات من عمري . عرفت صديقاً يكبرني ببضع سنوات . كنت أهتم بسماع آرائه الثقافية. ولكن رأيه في العقاد ادهشني : ” العقاد برميل علم ” .

سالته لماذا !؟

فقال : ” لأن ضخامة ثقافته ومعارفه التي لم يكن لها نظير عند مفكري وأدباء , ومثقفي عصره .. لم يكن عطاؤه علي مستواها . وهو أحد المفكرين الذين تراجعوا عن فكرهم التقدمي . لذا فهو في رأيي برميل علم “.

ربما كان في رأيه شيء من المبالغة . ولكن لعله لا يخلو من صواب ..

هناك اناس هم بالفعل براميل ثقافة . ومن هم أشباه البراميل الثقافية .

أتذكر من ضمن براميل الثقافة التي صادفتها . رجلاً – كان شاباً في حوالي ما بين 35 : 40 من العمر ” ع ” – قيل لي أن يعمل – مرشد سياحي غير مجاز.. ” أرزُقي ” – شاهدته في بعض المقاهي التي يرتادها المثقفون بالقاهرة . في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي . كان يبدو باستمرار هو أثقف الحاضرين . بأية مجموعة يتصادف وجودنا بينها . وأكثرهم لباقة وطلاقة , وحديثاً ..

ولكن ما هي الثقافة عنده ؟

كنت أشعر بأن الثقافة عنده مجرد حصان . وهو فارس , يمتطي ذ اك الحصان , يصول به ويجول , يتخطي برشاقة . أعلي حواجز النقاش والحوار – ليس لديه هدف أو قضية . بل هو يخوض مباراة غير معلنة باستعراض قراءات وكتب ومؤلفين وأفكار وفلسفات وفلاسفة.. الخ . ليظهر بها تفوقه علي الجميع . . ثم يعود لبيته سعيداً , غير مهموم بهم المثقف الحقيقي . الذي يؤرقه الحلم بأن تكون حياة وواقع الشعب والوطن .علي مستوي ما حصله من معرفة , وثقافة يدفعها مباشرة نحو ذاك الحلم ..

انه الفرق بين المثقف الانسان , وبين المثقف البرميل , أو ” المقطف ” . العابث , اللاهي , المثقف المهرج .

منذ أسبوعين . أرسل باحث وكاتب . يقول لأصدقائه عبر الايميل – بدون وعي منه , أو بوعي المهرج – انه شارك في فبركة مادة سياسية , مقنعة جدا وجيدة الحبكة ( تدور حول الهول والرعب الذي يدور بوطنه )!

وما جاء في قوله بالنص (( .. ضحكت طويلا ﻷ-;-ني أعرف الشخص الذي فبرك التقرير , وقد إستشارني في ترتيبه وفبركته وقد اعطيته اقتراحات هههه . وجدتها حرفيا في التقرير )) انتهي ..

ملحوظة : الضحك – هههه – ليس من عندي . بل من عنده ونقلته بالنص -..

!! انه يضحك .. فمن الواضح انه لا يعي ما يقول , ولا وعي ما فعل .. ولا يعي ما يحدث بوطنه ولشعبه ..! ( ! ) ..

ولم يرد عليه أحد بالقول ” ألا تخجل مما تقوله ومما فعلته !؟

ولكن واحداً من المجموعة :- نعتذر عن ذ كر اسمه – أرسل لي – بشكل شخصي . حسبما بدا . تعليقه علي ما قاله هذا الباحث المهرج . وها هو بالتاريخ وبالنص

Date: Thu, 23 May 2013 19:45:53 -0700

باحثون يُفبركون… بحوثهم مفبركة

أقلام مفبركة…. إعلام صناعة مفبركة

اديان مفبركة..

ثورات مفبركة.. ثوار صنعتهم الفبركة

حروب مفبركة…. ضحايا حقيقيون

تائهون وسط اكوام الفبركة

نقاتل دفاعاً وهجوماَ ولا ندري

انها حرية وكرامة مفبركة

تحتضنها ديموقراطية مفبركة

ندور حوله وفرائصنا ترتعد

وحده الموت ليس له فبركة

تحياتي

— كان هذا هو التعليق .

لم نكن نقصد أحداً سوي هذا الباحث المُهرج . عندما نشرنا مقالاً من قبل 4 سنوات , قلنا فيه : ” كثيرمن الوعي وقليل من الثقافة أفضل من العكس . فالثقافة الغزيرة مع قلة الوعي . تجعل صاحبها . لا يحسن توظيف ثروته الثقافية . ولا يجيد تسديد اهدافه النقدية . فيفتعل النقد إفتعالا ، ويقول رأيا متكلفاً ، ويتخبط بفكره منحرفا به مرة لأقصي اليمين ، ومرة أخري لأقصي اليسار ، وتارة ثالثة يتذبذب بين كل الاتجاهات في مقولة واحدة ! دونما أصابة هدف . سوي : الشغب ، العبث ، و اللامعني ، و اللاجدوي ! .. نعم : الوعي قبل الثقافة .” .

– من مقال ومضات – 8 – الفقرة 2 .الحوار المتمدن-العدد: 2641 – 2009 / 5 / 9

—http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=171346

المثقف الضخم , الموسوعي . غير المحصن بقدر متكافيء , من الوعي – والجدية والالتزام والأمانة – هو مثقف خطر ..

لانه يخدع ليس وحسب البسطاء . بل يخدع كُتاب ومثقفين ! حيث يستعرض أسماء كُتب وكتابات , وأبحاث وباحثين , وعلوم , وعلماء , وفلسفات , وفلاسفة ..بكثرة . تبهر وتشل عقل من يقرأ له بدون عقل.. فلا يبقي في رأس القاريء سوي الانبهار .(!).

!!

وبذلك يكون ذاك الكاتب – أو المثقف – مثل الشيخ الشعراوي .. الذي كان يحكي ويروي أحاديثاً ببراعة وفن وحركات في الالقاء تشد المستمع البسيط , بل وأغلب المتعلمين أيضا ! وتبهرهم .. وعقولهم تلتهم دجلاًً كثيراً , وتخاريفاً غير معقولة !., لأنه حتي الفلاح البسيط لو شغل عقله قليلاً لعرف انها تخاريف – بحكم علم ذاك الفلاح بالزراعة . التي تكلم فيها الشيخ الشعراوي كلاماً يضحك الثكالي . ولم يجد من يقول له : قف عندك يا مولانا , كُف يا فضيلة الشيخ ( أوردنا مثال لذلك بكتابنا ” الشيخ الشعراوي وعدوية ” – طباعة عام 1997 بالقاهرة) – حينها .. نقلت وكالات الأنباء مقتطفات من الكتاب . ولاسيما وكالة الأنباء الفرنسية . وكُتب عنه عامود بجريدة الجمهورة . بقلم الكاتب ” محمد العزبي ” – .

وكذلك هو حال الكُتاب والمثقفين الذي يخدعهم كاتب أو باحث . هو برميل ثقافة – مصاب بأنيميا في الوعي والجدية .. مهرج – هؤلاء الكُتاب المعجبون بمهرج ,أشبه بجمهور الشيخ الشعرواي . الذين يوصدون عقولهم . ويفغرون أفواههم دهشة , من حكايات وكاريزما الشيخ البهلوان . ويستمتعون بمحض براعة وانسيابية في الكلام .. وبفن الحكي المبهر . أو بتقارير وأبحاث ودراسات مفبركة – باعتراف وإعتزاز – (..!..) !.

!!

About صلاح الدين محسن

صلاح الدين محسن كاتب مصري - كندي . من مواليد القاهرة عام 1948 عضو"اتحاد كتاب مصر" . عضو " جماعة الفنانين التشكيليين والكتاب " بالقاهرة عضو اتحاد كتاب كندا - تورنتو - PEN CANADA عضو " جمعيةالكتاب المغتربين " بكندا - تورنتو- التابعةلاتحاد كتاب كندا PEN CANADA. له عدد من المؤلفات في عدة مجالات - 16 كتاب . طبع بالقاهرة حتي عام 2000 تنشر مقالاته بأكثر من موقع الكتروني سجن بمصر 3 سنوات من 2000 : 2003 عن كتابيه " لا أحب البيعة " و "ارتعاشات تنويرية ".. لمطالبته بالديموقراطية وتداول السلطة بالكتاب الأول ، ولدعوته لعهد جديد من التنوير الفكري بحقيقة العقيدة البدوية والتاريخ العرباوي : بكتاب ارتعاشات تنويرية
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.