بحث مهم للمحامي ادوار حشوة : المسيحيون…الوجود والدور والموقف في المستقبل
المحامي ادوار حشوة : كلنا شركاء
في هذا الزمن الصعب الذي يواجه فيه المسيحيون أزمة حقيقية في الدور والوجود بمواجهة
الصعود الكبير لتيارات اسلامية تريد ا لغاء الاخر من اقليات مسيحية وغير مسيحية ومن محاولة الاستبداد بالأكراه والتغرير والتخويف دفع المسيحية المشرقية خارج مواقعها الطبيعية في معسكر الحرية لتكون في صف سفاحي الحريات في هذا الوقت يجب أن نواجه بمزيد من الوعي والصفاء الوطني والانتماء هذه الهجمات الباغية التي اغتالت التسامح والاعتدال الاسلامي الذي تحالفت معه المسيحية المشرقية ضد الاستعمار والصهيونية وضد التخلف وهذا البحث هو مساهمة متواضعة في الدفاع عن هذا التحالف الوطني مع الاغلبية المتسامحة والمعتدلة والوطنية ولانقاذ المسيحية المشرقية من مخاطر يتاجر المستبدون بها لتبرير وجودهم ويتاجر بها الخارج للتدخل في بلادنا .
الوجود المسيحي في الشرق
المسيحيون في الشرق اصيلون فيه قبل الاسلام وبعده لافاتح جاء بهم ولا مستعمر تركهم حين غادر)
وفي التفصيل الموجز فائدة لمن لايعرف او يتجاهل . ا
في الحجاز كانت العقبة نصرانية واسقفها حضر مجمع نيقية عام 325 /م دومة الجندل كانت مسيحية
وحاكمها اكيدر بن عبد الملك من قبيلة قضاعة وادي القرى سكنته قبائل مسيحية من قضاعة وسليح
وحتى الان توجد منهما قبيلة صخر وتحمل عشائرها حتى بعد الاسلام اسماء مسيحية بنو مطران واليعاقبة والمهابدة والاحبار في تيماء كانت قبيلة طي مسيحية ومنها حاتم طي وقربها حصن الابلق
ومنها الشاعر السموؤل وهو من فئة مسيحية تطبق الناموس اليهودي وفي تبوك كانت قبيلة قضاعة مع بني كلب من تغلب وفي يثرب وخيبر وفدك كان يوجد مطران وثلاث كنائس وفي مكة توجد قبائل مسيحية تحترم المقام وتقسم امام الحجر الاسود بالصليب وبرب مكة معا ومن اشهر المسيحين في مكة عثمان بن حويرث وورقة بن نوفل عم السيدة خديجة وفي البحرين وقطر وعمان كان المسيحيون من النساطرة وفيها ست ابرشيات وفي الجنوب العربي كانت قبيلة بني حنيفة على النصرانية وكان في نجد قبيلة كندة على المسيحية ومنها امرؤ القيس وبالجملة كما يقول اليعقوبي وابن قتيبه ان تميم وربيعة تنصرتا وتغلب وطي ومذحج وسليح وتنوخ ولخم ويقول الجاحظ ان ان النصرانية وجدت سبيلها الى تغلب وشيبان وعبد القيس وقضاعة وسليح وبهراء والعباد وتنو خ ولخم وجزام وكنده
وفي اليمن دخلت المسيحية عن طريق الاحباش والصلاة بالسريانية وفي نجران كان النساطرة
وفي بلاد الشام كان الوجود المسيحي شاملا منذ القرن الثاني الميلادي في حوران وحمص وقاره وتدمر والبتراء ولبنان ولغة المسيحين العربية والاراميه معا ومنهم الغساسنة وبلغ عدد ملوكهم 31 ملكا ومنهم جفنه بن عمر وكانت عاصمتهم في بصرى الشام وفي بداية الاسلام كان لهم ملكان واحد في بصرى وهو الحارث بن ابي شمر والثاني جبلة بن الايهم في دير بحيراء الذي نزل به الرسول محمد
وفي بلاد الرافدين هاجرت الى العراق قبيلة قضاعة بعد انهيار سد مأرب وكذلك الازد وتحالفا فصار اسمهما تنوخ واقاموا في الحيرة وكانت اسماءهم عبد المسيح وعبد يشوع وعبد القيس وعبد الله فسموا بالعباد وفي بلاد النهرين كان اللخميون وتنصروا عام495 ميلادي.
نتيجة لهذا العرض التاريخي فان المسيحية المشرقية لم تأت من الغرب بل هي من قلب العرب ومن قلب اهل الجزيرة وبلاد الشام والعراق وقسم كبير من هذا الوجود تحول الى الاسلام ومن بقي من المسيحين
حتى الان هم ابناء عمومة واخوة اختلف الدين وبقيت العشيرة والقبيلة واللغة ومعنى ذلك ان المسيحية المشرقية لاتدين بوجودها لفاتح او مستعمر ولا تحتاج لتاكيد وجودها وحقها الوطني الى دعم من الخارج استعماريا او غير استعماري يدعي مسوؤليته عن حمايتها.
الحماية الحقيقية للوجود المسيحي يجب ان تاتي من الداخل ومن التحالف الوطني مع مكوناته وهو طريق الحماية والاحترام.
العروبة المسيحية في المشر ق لم تكن طارئة فيه ولا مستوردة من خارجه وكلاهما العروبة المسيحية والعروبه الاسلاميه نتاج وجود واحد اختلفا في الدين وتوحدا في وحدة الوجود واختلاف الدين لايمنع وحدتهما القومية في ارضهما المشتركة لانهما في الجذور اقرب ما يكونون الى الشعب الواحد .
الدور الوطني للمسيحية المشرقية
خلال فترة الحكم العثماني وفترة الاستعمار الذي جاء بعد سقوط الدوله العثمانية ومن ثم في فترة الاستقلال كان الدور المسيحي هو التحالف مع الوطنية العربية ضد الاستبداد العثماني وللحصول
حق تقرير المصير للعرب وقد علق جمال باشا السفاح قيادات عربية طالبت بالاستقلال وكان بين
الذين شنقوا في سورية ولبنان مسيحيون منهم رفيق رزق سلوم المحامي.
بعد سقوط الدولة العثمانية تحالف المسيحيون مع الحكم العربي الهاشمي وكان لهم وزراء فيه في سورية ولبنان وفي العراق والاردن وفلسطين
حين قرر الحلفاء انتداب دولهم لحكم العراق وبلاد الشام وقف المسيحيون مع الاغلبية المسلمة في رفض الاستعمار وحين اجبر الملك فيصل على مغادرة سورية لم يكن في وداعه غير بطرك الارثوذكس
تعبيرا عن رفض الانتداب.
في فترة الانتداب وقفت المسيحية المشرقية ضده متحالفة مع الاكثرية ومثلا برز في سورية فارس الخوري وفي لبنان الشيخ بشاره الخوري وآخرون كثيرون الى ان انتهى الاستعمار ورحل فكان
للمسيحية المشرقية حضور بارز في ظل الاستقلال واحزاب عديدة تضم مسلمين كانت بقيادتهم من حزب البعث الى الحزب القومي السوري وانتشر المسيحيون في كل الاحزاب وبرزت منهم قيادات فاعلة ولم يشعروا بالاغتراب ولا احد طالب بوقف دورهم.
حددت المسيحية المشرقية دورها في عهد الاستقلال وبعد الهجمة الصهيونية بما يلي :
1-التحالف مع قوى الاعتدال والتسامح الاسلامي في مواقفها الوطنية ضد اي مشروع استعماري
او حلف او سياسة ومع التوجهات الوحدوية العربية
2- رفض قيام اي احزاب خاصة بالمسيحية المشرقية وادانتها والتمسك بحق الانتماء السياسي
لاحزاب تضم المسلمين وباقي مكونات المجتمع السوري
3- الانضمام الى معسكر الحرية في المجتمع ومناهضة الاستبداد
4- الدفاع عن المظلومين ودعم الحركات التقدمية
5- مقاومة الغزو الصهيوني بكل الوسائل بما فيها المشاركة المسلحة
من هذا الدور الوطني اخذت المسيحية المشرقية مواقعها اصيلة لا مستوردة منفتحة لا مغلقة
ومساهمة في كل مؤسسات البلد لا معتزلة ولا خائفة وفي الصراع السياسي حصلت على حقوقها الوطنية من صناديق الاقتراع واحترمت دائما الدور الاول للاغلبية.
المسيحية المشرقية والربيع العربي
في ظل الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والغرب دعمت الولايات المتحدة قيام الانظمة
العسكرية التي الغت الحريات واعلنت الاحكام العرفية المستمرة حتى الآن ففي سورية مثلا الاحكام العرفية معلنة لمدة 59 عاماً.
وقف المسيحيون ضد الانظمة العسكرية منضمين الى الاكثرية الوطنية والاستثناءات فردية وقليلة
واعتقلوا وعذبوا كباقي المواطنين والاحزاب .
كان العسكريون يتسترون باحزاب تواليهم في الجيش ولكن مع افتضاح امرهم وظلمهم صاروا يبحثون عن الانصار في الجيش من طوائفهم وقراهم وعائلاتهم فطوفوا جيش البلاد فاستثاروا الا غلبية تماما
كما استثاروا كل الديمقراطين والاحرار.
ما يسمى الربيع العربي هو عمليا الانفجار الشعبي ضد الحكم العسكري والاستبداد وبدا في المغرب
العربي ثم امتد الى مصر وسورية.
في المغرب وليبيا وتونس والجزائر لاتوجد مسيحية عربية .
في مصر خرج الاقباط المسيحيون من حياة العزلة والخوف التي عاشوها وانضموا الى معسكر الحرية السلمي وساهموا بالوحدة مع المسلمين على اسقاط الاستبداد ووقفوا وراء التحول الديمقراطي
وكان هذا تحولا مهما في المشهد المصري الذي كان يعاني من العزلة في كل شىء.
في سورية انضم المسيحيون الى الحراك الشعبي وساهموا في التظاهرات السلمية المطالبة بتغيير النظام الديكتاتوري الى نظام ديمقراطي برلماني واعتقلوا وقتلوا وعذبوا كغيرهم.
رفع المتظاهرون الشباب شعار ( سورية بدها حرية وبدنا اسقاط النظام ) و تحت هذا الشعار انضم المسيحيون وحتى الشباب العلوي اليه ولم يذكر المتظاهرون الرئيس الاسد ولا الطائفة العلوية وكان هدفهم بسيطا ومحددا بالشعار المذكور ولدى الحوار السياسي معهم حول شعار اسقاط النظام وما
اذا كان المقصود منه اسقاط الدولة على غرا ر ما تم في العراق قالوا انهم يريدون من هذا الشعار فقط تغيير النظام الديكتاتوري الرئاسي ويريدون نظاما برلمانيا واصدروا منشورا تبنوا فيه دستور 1950
الذي وضعته جمعية منتخبة واسقطته كل الانقلابات العسكرية .
الحل الامني وتطويف الصراع السلمي
رفض النظام اي مشروع جدي للاصلاح السياسي ولجأ الى الحل الامني وهو مواجهة التظاهرات السلمية بالرصاص الحي وبالاعتقالات والتعذيب و اجهزة المخابرات اقنعت الرئيس ان العنف المسلح هو الافضل لانه سبق ان نجح في مواجهات النظام مع الاخوان في حماة عام 1982 وتجاهلت هذه الاجهزة ان الرئيس حافظ الاسد كان متحالفا مع مصر والسعودية في حين ان الرئيس بشار متحالف مع ايران ضد المحيط العربي .
تحويل الصراع من السياسة وشعاراتها الديمقراطية الى حرب طائفية كان من اهدافها اكراه
العلوين في الجيش والامن على مساندة النظام وتخويف الاقليات من مسيحية ودرزية واسماعيلية
من تصاعد المد الاسلامي لتنضم الى النظام وتسانده.
الحل الامني وتحويل الصراع الى حرب طائفية كانت من اعمال الشيطان على الجانبين .
المتظاهرون السلميون رفضوا حمل السلاح وعسكرة الاحتجاجات و لكن بعض التنسيقيات ذهبت
الى المقاومة المسلحة التي تم امدادها بالسلاح من المهربين ثم من تركيا وقطر ومن الحركة الوهابية السعودية فصار الصراع طائفيا ومسلحا واقليمياً والمؤسف ان عددا كبيرا من شباب التظاهرات السلمية تمت تصقيتهم لا على يد النظام فقط بل على يد مسلحين من المعارضة .
المسيحيون لم يشاركوا في حمل السلاح مثلهم مثل كثيرين من الشباب المسلم الذين الذين قالوا ان
مجاراة النظام في اهدافه لتطويف الصراع خطأ وهو في صالح النظام ولخدمته.
في هذه الفترة استخدم النظام بعض رجال الدين المسيحي لمساندة النظام بحجة انه يحمي المسيحين
وللاسف كان ابرز هؤلاء البطريرك الكاثوليكي اللحام واحد الاساقفة الارثوذكس وقاموا عبر الاعلام
بالتحريض وحتى بتحريض الخارج ضد الحراك الشعبي منذ انطلاقته السلمية ووقفوا مع الاستبداد خلافا للمواقف المسيحية المستقرة بمساندة الحرية وقد زعزع الثقة لدى الكثيرين من المسلمين المعتدلين ..
كانت مفارقة تدعو للخجل ان تقوم مجموعات مسيحية فردية ومعها ابواق من الكهنة بالاعتداء على الثابت المسيحي وهو الانضمام الى معسكر الحرية وعدم معاداة اغلبية دائمة نعيش معها من اجل
نظام مهما امتد سيظل مؤقتا.
في هذا الموضوع سبق لي ان بعثت برسالة الى بطريرك الارثوذكس العرب طالبته فيها بوقف انشطة بعض الاساقفة المتعاونين مع المخابرات بل وطالبت بطردهم من السلك الكهنوتي لان تصرفاتهم في الموالاة للنظام وتحريض بعض الافراد ضد المسلمين سيؤدي الى اغتيال التسامح الاسلامي في التعامل مع المسيحين وبدلا من ان يكونوا كما كانوا دائما دعاة حرية وتطور يشايعون الاستبداد وقد استجاب غبطته واوقف نشاطات هؤلاء بالحدود التي يقدر عليها فبعضهم مرتبط بالاجهزة وقلت لغبطته يجب الكف عن الادعاء بان رجال الدين يمثلون المسيحين لانهم يرأسون الكنائس فقط وليس لهم صفة تمثيلية للمواطنين المسيحين الذين يتصرفون كمواطنين بعضهم مع النظام وبعضهم ضده و اغلبهم اختاروا الحياد والصمت والاحتجاج الضمني على مجمل المشهد .
مكان رجال الدين المعابد ومكان رجال السياسة الاحزاب والخلط قد يتسبب في اذى كبير يمكن ان يستخدمه متطرفون للعدوان والتهجير .
مع كل هذا التحريض الكهنوتي لم يستجب المسيحيون لطلب النظام ان يتسلحوا ويشاركوه في ما يسمى
لجان الدفاع الوطني فعمد النظام الى الحزب القومي السوري الذي يضم اكثرية مسيحية وعن هذا الطريق تم تجنيد بعض المسيحين( سياسيا )مع النظام ولكن الاغلبية المطلقة من المسيحين لم تحمل السلاح.
المسيحيون والتيارات الدينية الاسلامية المعاصرة
التيارات الاسلامية المعاصرة هي مشاريع سياسية أكثر مما هي حركات دينية موجهة ضد الاقليات .
في بلادنا نشهد قهراً دوليا ضد المنطقة من الغزو الصهيوني الى الحرب المباشرة الى السيطرة على الثروات والقرار السياسي عن طريق انظمة عسكرية ديكتاتورية الغت الحريات واستباحت دماء الناس
هذا الوضع هو الذي ادى الى تصاعد التيارات الدينية فحين لانسمح للناس ان يتنفسوا سياسيا يتنفسون دينيا وحين تسد كل الطرق امام المظلوم فان لجوؤه الى الله هوأمر مستقر في الوجدان في كل الشرق . .
التيارات المعاصرة لم يصنعها الاستعمار كما يزعمون بل صنعتها انظمة الاستبداد العربي التي اجتاحت
حريات الناس وحقوقهم وما لم ينته هذا الاستبداد ويتوقف القهر الدولي ضد المنطقة فان تصاعد
هذه التيارات ليس بالامر الذي ينطوي على مفاجأة .
الموقف الوطني للمسيحية المشرقية
-1- رفض الحرب الطائفية
2- مساندة قوى التغيير الديمقراطي حيثما وجدت
3- رفض اي تدخل خارجي من الدول والافراد
4- التمسك بالثابت المسيحي في دعم معسكر الحريات في المجتمع وعدم مغادرته
5- الاستمرار في التحالف مع الاسلام المعتدل واحترام الدور الاول للاغلبية
6- الدعوة الى اعادة دستور 1950 في سورية كمدخل لاي حل سياسي داخليا او دوليا .
المسيحية في الشرق امام مفترق صعب ولا يمكنها استعادة دورها الوطني الا على قاعدة البدايات ( مع المظلوم حتى يأخذ حقه وضد الظالم حتى يرتدع ).
ان دور المسيحية المشرقية في حضارة المنطقة كان ايجابياً وبناءً ومعتدلا واستمرار هذا الدور على قاعدة حرية الرأي وحرية الاعتقاد وافضلية الولاء الوطني على كل الولاءات يمكن ان يساعد على
نجاح قوى الاعتدال وردع المتشددين ومواجهة هجمات المتعصبين والمستبدين.
النضال المسيحي المشرقي يجب ان يكون وطنيا اولا ومعتدلا ثانيا وحرا تقدميا لانه حين لايكون الوطن للجميع لا يكون الجميع للوطن ووطن بدون حرية وكرامة من المحتمل ان تدوسه اقدام الغزاة والمستبدين.