ما هو أفضل مكان اكتشفتموه في عام 2014م؟ أو ما هو أجمل مكان؟ أنا بالنسبة لي كان أفضل مكان ارتحت فيه هو المرحاض.
كان عندي جار رحمه الله كلما غضب من أي فرد من أفراد أسرته يأمره فورا بدخول الحمام كعقاب له, وكان يقول لي: أنا أربط أولادي في الحمام لكي ينالوا عقابهم, أما أنا فبالنسبة لي لا أحد يجبرني على دخول الحمام إلا لقضاء الحاجة وفي أغلب الأحيان لأبكي بعيدا عن عيون الأطفال, في سنة 2014م دخلت الحمام أكثر من 100 مائة مرة من أجل أن آخذ راحتي في البكاء, ففي داخل الحمام لا أحد يراني لكي ينتقدني بل أنا من يرى العالم كله أمامه, أراهم وأرى صورهم وجثثهم وآلامهم, ليس من الطبيعي في بعض الأوقات أن أدخل الحمام ولكني كنت أهرب من غرفة النوم إليه ومن غرفة الجلوس إليه, كنت وما زلتُ أدخل الحمام أو المرحاض لكي أريح نفسي بالبكاء قليلا, فعلا الحمام مريح لكي تتلاشى في داخله الأحزان والجراح, كنتُ وما زلت استلُ رموش عيني بيدي وأنا أشخط وأمخطُ على مصير هذا العالم, عالمٌ مقرف وعالم سوداوي.
بصراحة الحمام أفضل مكان نحن البشر نرتاح فيه, فهو مريح أكثر من غُرف نومنا ومريح أكثر من الصالة التي يوجد فيها التلفاز, إنه مريح أكثر من بساتيننا وحدائقنا, لذلك تفنن المهندسون في طرائق بنائه وزخرفوه بالبلاط الصيني وبالسيراميك , إننا حين ندخل بأيدينا الطعام إلى أجسامنا نشعر وقتها بالتعب وأحيانا نرغب بعدها بالنوم قليلا ولكن الحمام هو المكان الوحيد الذي نفرغ فيه حمولتنا من سوائل ,اطعمه, لذلك ليس عيبا أن نتحدث عن الحمام كمكان وحيد نفرغ فيه أحمالنا واثقالنا, كنت في عام 2014م متخذا من الحمام مصدرا لراحتي, كنت أفرغ فيه السوائل من معدتي وغير ذلك وكنت في نفس الوقت أُفرغُ فيه دموعي, كنت أدخله لكي أبكي ولكي أرتاح ولكي أريح عيوني من الدموع التي تنهمر من مقلتي حزنا وألما على هذا العالم العربي الذي كله فقر وآلام.
في عام 2014 توصلت إلى فكرة مفيدة وهي أن أفضل مكان كنتُ أرتاح فيه كان هو الحمام أو المرحاض, فأفضل مكان كان يناسبني في عام 2014م كان هو المرحاض, كان مريحا بالنسبة لي أفضل من دخول الحدائق والبساتين لأنني أينما كنت أذهب كنت أشعر بالألم, ففي غرفة نومي كنت أنبطح على جنبي الأيمن فأتألم وكنتُ أنبطح على جنبي الأيسر وأتألم, كنت أحاول أن أعثر على مكان هادئ وجميل وأنيق فلم أجد مكانا من الممكن أن أرتاح فيه إلا الحمام.
العام الذي مضى كان عاما يحمل في طياته الكثير من الآلام والجرحى, كانت مناظر الحزن والألم تشع من كل مكان وتدخل إلى كل مكان وإلى كل غرفة من غرف منزلي إلا الحمام لم تكن الآلام تدخله أبدا, كان الحمام هو أجمل مكان, ودخلت في وطني عدة أماكن من الممكن أن أرتاح فيها فلم أكن أجد مكانا فيه راحة إلا الحمام, ففي غرفة الكمبيوتر كنت أتألم وفي المطبخ كنت أتألم كلما فتحت باب الثلاجة أو كلما وقفت أمام البوتوغاز, فلم أجد الراحة المثلى التي أبحثُ عنها إلا في المرحاض, كانت هنالك مناظر مرعبة للقتل وللدمار في الدول العربية جراء ما يفعله الإسلاميون, وكنت أفكر بالهجرة إلى الدول العربية ولكن الظروف في كل الدول صعبة جدا وكان من الصعوبة أن أجد مكانا ألقي فيه قمامتي وألقي فيه أحزاني, وفتشت في الحارة وفي المدينة وفي القرية عن مكانٍ آمن ألقي فيه حمولتي وما لدي من أوجاع فلم أجد أفضل مكان مريح إلا الحمام أو المرحاض.
ويا لخيبة الأمل, إنسان مثلي مدني وحديث ومعاصر بحث في كل الأمكنة لكي يرتاح فيها ولكنه لم يجد إلا المرحاض, ومع كل ما تبذله الدولة لبناء مراكز الترفيه لم أجد فيها ولا أي مكان مناسب لإسقاط الحمولة من نكد وتعب وسوائل إلا الحمام, لذلك أنا أطالب الدولة بأن تبني لنا في المدن والقرى وفي كل حارة أو في كل حي مراحيض نرتاح فيها أفضل من أن تبني لنا دور السينما ودور اللهو, فبالرغم من وجود حدائق وبالرغم من وجود المدن العصرية إلا أنني أنا وكثير من الناس لا نجد لنا مكانا نرتاح فيه إلا المرحاض.
عامٌ مضى بكل ثقله ترك في نفسي منه أثرا مروعا, لم يكن عاما مريحا بالنسبة لي وحين استقبلته كنت أتمنى أن يكون أفضل من عام 2013, وها أنا استقبل عام 2015 والأمل يحدوني بأن يكون أفضل من عام 2014, إنني مصاب بخيبة أمل من ذاك العام الذي انصرم, ذلك العام الذي فتشتُ فيه كثيرا عن مكان أرتاح فيه فلم أكن أجد إلا المرحاض, أنا إنسان لا أحتمل رؤية المشاهد المؤلمة, والحمام أو المرحاض هو المكان الوحيد الذي من الصعب عليك أن تجد فيه منظرا مؤلما, تدخله وهو نظيف فترتاح جدا من منظره ومن تلك القطع الخزفية التي تزين أرضيته وجدرانه, إنه أفضل من غُرف النوم, تتمدد فيه وتغرق بالمياه ولا أحد يستطيع الدخول عليك فيه ليقطع خلوتك, إنه أفضل مكان وجدته في عام 2014م , لم تعد بي طاقة قادرة على التحمل وكل الأماكن التي اعتدتُ أن اذهب إليها مؤلمة ,فالأسواق مؤلمة جدا وتقتلني فيها الأسعار المرتفعة دوما, وفي الشوارع منظر الناس مؤلمٌ جدا, ودخول المستشفيات مؤلم جدا ودخول السجون مؤلم جدا ودخول باب حارتنا مؤلم جدا ومقرفٌ جدا لكثرة من يلاحقونني لسداد الديون, ولا يوجد مكان أرتاح فيه إلا الحمام, فهو هادئ وجميل وأنيق ولا أحد يجلس فيه إلى جوارك, أنا أبكي من أتفه سبب وأجزع من أبسط سبب, والمرحاض هو المكان الأنسب لكي أبكي فيه , لا أستطيع أن أرى ما أرى من هموم وويلات, سئمتُ من هذا العالم الشرقي الغبي بكل مكوناته, سئمت من النوم في البيوت المرعبة والشوارع المرعبة, كلما مر عليّ يوم أحلم فيه بأن يكون أفضل من الذي سبقه ولكن للأسف أجمل الأيام هي تلك التي مضت والأيام القادمة ليست جميلة, هذا ما تشير إليه كل الدلائل, وأن ترى المرحاض حتى ولو كان متسخا أفضل من أن ترى العقول في الشوارع وهو متسخة جدا, أنا قلق جدا على مصير الناس وقلق جدا على صحتي النفسية ففي الشهور الأخيرة من عام 2014 حزنت كثيرا وجزعت كثيرا, وازداد دخولي إلى المرحاض أكثر من أي وقتٍ مضى, كنت أبكي من غير أن يراني أحد وأحيانا أمام الناس كنتُ أحبسُ دموعي خشية أن تظهر, كنتُ أمسك بها بيدي الاثنتين, كنتُ أغمض عيني وأنا تحت الغطاء لكي أنام قرير العين ولكن مشاهد الحرب والدمار كانت تنغصُ عليّ نومي, فمتى نرتاح من أصحاب العقول القذرة التي تدمر كل شيء أمامها؟ متى يا رب , كنت يا رب أعصر عيوني كما ولو أن عيني حبتين من الليمون, كنت أعصرهما على طعامي, كانتا لقمة الخبز التي آكلها أحيانا تكون بطعم الدم وأحيانا تكون بطعم الليمون, لم يمر عليّ يوم واحد من دون أن أبكي أو من دون أن أنزف من خاصرتي, إن مجموعة الآلام كلها تتركز في داخلي وتحفر في أعماق أعماقي, كنتُ بين الفينة والفينة أدخل إلى المرحاض بحجة الاستحمام أو قضاء الحاجة ولكن لم أكن في أغلبها صادقا, كنت أدخل لكي أمسح دموعي بعيدا عن الناس وعن الأطفال, الناس في 2014 وأيضا في 2015م تدخل الحمام بحجة الراحة أو الاستحمام إلا أنا كنت دوما أحاول دخوله من أجل أن أشفي غليلي من وجع السنين, وأتحداكم جميعا أن تجدوا مكانا ترتاحون فيه أكثر من المرحاض.