في كتابنا ( التحليل السياسي في قضايا الشرق الاوسط ) الصادر في ٣١-٧-٢٠٠٨
والمطبوع في مطلعة جرمانوس ببيروت
والممنوع تداوله كان اول مقال فيه هو (التغيير الديمقراطي في سورية) وكان صرخة في وجه النظام لكي يرتدع وأعيد نشره مؤكدا على أهمية تاريخه ١٠-٩-٢٠٠٦ في ذلك الزمن الصعب ونشر في جريدة المحرر والاهم انه توقع كل ما يحدث الان .!
التغيير الديمقراطي في سورية
منذ نصف قرن تقريبا وبالتحديد منذ انقلاب حسني الزعيم على السلطة في عام ١٩٤٩ ثم انقلاب الحناوي عليه ثم انقلاب الشيشكلي ثم الانقلاب على الشيشكلي
ثم مجىء حكم الشراكة بين الجيش والبرلمان وانتهاء بانقلاب الوحدة مع مصر
والتي قررها الضباط العشرة الذين ذهبوا الى مصر وعقدوا الوحدة من وراء السلطة الشرعية ثم إنقلاب الانفصال ثم الانقلاب على الانفصال عام١٩٦٣ ثم انقلاب حزب البعث على الناصرين ثم الانقلابات التي تمت في البيت (لبعثي) عام ١٩٦٦ ثم في عام ١٩٧٠ الحركة التصحيحية ثم انقلاب رفعت الاسد الفاشل عام ١٩٨٤.
كل هذه الانقلابات المتتالية توكد حقيقة مطلقة هي ان قوة التغيير كانت تنطلق من
القوات المسلحة وان دور الأحزاب كان معدوما او لاحقا لها ولا يوجد تغيير من صنع الأحزاب او من قوى المجتمع المدني .
الجيش منظمة منضبطة مسلحة ولديها
تراتبية في صنع القرار في حين ان احزاب الساحة تتمحور حول أشخاص وزعامات محلية او عشاىرية او طاىفية وكلها تعمل
بردود الفعل وتفتقد التنظيم وتتصارع فيها المصالح ويصعب اتفاقها على برنامج عمل موحد .
الأحزاب الدينية كانت تولي اهتمامها لمعاداة الشيوعية وتتحالف من اجل ذلك مع الإقطاع ومع الطبقة الحاكمة التقليدية لمجرد معاداتها للشيوعية ثم للاشتراكية
الى درجة اعتقد الكثيرون انها مصنوعة لهذه الغاية وتتلقى الدعم من مصادر داخلية وعربية وغير عربية لمواجهة التيار
العربي الاشتراكي او الشيوعي .
الأحزاب (العقائدية ) ! من قومية سورية الى شيوعية الى اشتراكية كلها كانت تتلقى تأييد الفقراء والطبقات والعناصر المسحوقة والمضطهدة لأسباب طاىفية او عنصرية او دينية وتتلقى التأييد من الكتل العسكرية الموالية لها في الجيش .
لذلك كل عملية تغيير في سورية كانت ترتبط بهذه الكتل في الجيش او بتوازنها او اتفاقاتها المرحلية او صراعاتها .
على الصعيد المدني كان التجار الكبار في دمشق وحلب خصوصا يشكلون قوة الضغط الشعبي بيد التيارات الدينية والإقطاع الحاكم .
من كل هذا يتبين ان قوة التغيير في سورية ترتبط بالجيش الذي فقد تعدديته السياسية وصارت كتلة البعث هي الوحيدة الحاكمة فيه وأي تغيير سيكون في البيت البعثي اذا حدث.!
الأحزاب الاخرى فحدود نفوذها في الجيش هو في حدود الصفر الامر الذي يجعل شعارات التغيير صعبة لان المجتمع المدني ضعيف بأحزابه وفِي اهم التظاهرات لا يستطيع ان يحشد الابضع عشرات .!
هذا الوضع أدى الى نمو وتصاعد التيارات الدينية التي قدمت نفسها بديلا وتملك جماهير مشبعة بروح دينية تدعي ان الحل هو في العودة الى الحكم الديني بعد ان فشلت الأحزاب اليسارية الاشتراكية في تحقيق مجتمع العدل والرفاه وحتى في تحرير الارض .
كل محاولات اعادة بناء الحركة الشعبية
فشلت ثم صارت الأحزاب تصنع في الأجهزة
وتصنع قياداتها وتحولت كلها الى قطيع يتلقى ولا يساهم في الحياة السياسية الا كمتلقي فقط ولا سلطة قرار لاحد منها ابدا .
حتى الحزب الحاكم تحول الى الى حزب سلطة منقطعا عن تاريخه وحول كل صلاحياته الى قاىده الذي بموجب الدستور هو قاىد الجيش و السلطة التنفيذية والقضاىية ويملك حق التشريع ايضا خلال فترة عدم انعقاد مجلس الشعب .
فمن يصنع التغيير الديمقراطي في سورية في هذا الواقع السياسي ؟
اما ام يقود النظام نفسه التغيير ملبيا لبعض المطالَب الشعبية لكي يتفادى احد أمرين كلاهما مر كما يقول المثل .
الاول هو عودة المتطرفين الذين يمارسون العنف لقيادة التيار الديني وعودة الاغتيالات والاعتقالات الى ما يشبه حربا أهلية .
الامر الثاني هو التدخل الخارجي الذي شهدنا نموذجه في العراق والذي بحجة نشر الديمقراطية فكك الدولة وحل الجيش وأعاد العراق الى ما قبل الدولة الوطنية ناشرا الاحقاد العنصرية والطاىفية والدينية معززا ثقافة القمع والسحل والنسف وعمليا أدى الى تقسيم العراق .
فهل تختار النخب السياسية الاصطفاف الى
جانب الوطن والحلول السياسية من خلال مصالحة وطنية ام نترك الأمور على احتقانها لكي يتولى الخارج استغلالها فيأخذ لا النظام بل الوطن كله!؟
هذا هوالسوال
١٠-٩-٢٠٠٦