المؤتمر القومي الكردي…1

منذ فترة قصيرة أطلق رئيس إقليم كوردستان السيد مسعود برزاني دعوة لقد مؤتمر قومي للكورد بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية و الجغرافية …. هذه الدعوة لا تمثل الحلم الكوردي التاريخي فحسب … بل كما يؤكد شركاء الرئيس برزاني في اقليم كورستان و اعني بها الاتحاد الوطني الكوردستاني فان هذه الدعوة تمثل ايضا امتدادا لدعوات و محاولات سابقة تقدمت بها قوى سياسية فعالة و شخصيات ذات تاثير..

و بغض النظر عن الرؤئ المختلفة حول تاريخ هذه الدعوة إلا انه يبدو أن الدعوة تجد ترحابا من لدن اغلب القوى السياسية و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية في كل اقاليم كورستان اي في البلدان التي تحوي خارطتها السياسية جزءا من جغرافية كوردستان المترامية… حيث تبدي تلك القوى استعدادها للتفاعل مع الدعوة و المساهمة في بناء الأسس العملية و القانونية لامة تؤكد الكثير من المؤشرات التاريخية انها وجدت منذ آلاف السنوات لكنها تعرضت لهيمنة قوى خارجية عملت على تمزيق اوصالها…. و لذلك فان التصور العام لدى جميع تلك القوى هو انها بغض النظر عن اختلافاتها السياسية و الأيديولوجية ينبغي لها أن تساهم في تحقيق هذا المشروع الكبير الذي يؤشر الى تطور هائل في الشرق الأوسط..

مما لا شك فيه ان هذا التطور الاجتماعي السياسي و الجيواستراتيجي لا يمكن أن تقتصر تأثيراته على الكورد وحدهم بل ستمتد اسقاطاتها الى جميع شعوب المنطقة بجميع بناها و هيكلياتها السياسية و الاقتصادية و مكوناتها الاجتماعية و الثقافية و ستشكل تحديات جوهرية في المفاهيم و الأسس المعرفية امام الجميع في مرحلة تاريخية تتشابك فيها القيم و المصالح بشكل عابر لكثير من الحدود التقليدية …..

لذلك سابداً هذه السلسة من المقالات حول هذا التطور المهم بعرض بعض التحديات القيمية و المعرفية فيما ساحاول في مقالات لاحقة مناقشة عناصر اخرى و هي كثيرة….

و حيث أن الهوية تشكل احد اهم المرتكزات في بناء أي تشكيل سواء كان هذا التشكيل يتعلق بتنظيم سياسي او اقتصادي او اجتماعي … او أنها تتعلق ببناء شعب او أمة فان من الضروري أن نناقش أساس هذه الهوية خاصة أننا نعتقد أن العناصر التاريخية ليست هي وحدها الحاسمة في عالم اليوم بكل تطوراته التكنولوجية و الاجتماعية التي تجد امتداداتها عبر التطور السياسي و الاقتصادي…. بل نعتقد أن الأسس التاريخية و اللغوية و الثقافة العامة المشتركة … و هي الأسس الكلاسيكية التقليدية للهوية… يجب أن تدرس و تقيم بل و ينبغي إعادة تعريفها في ضوء التطور الحاصل في العقود الماضية و التطور القادم في العلاقات بين المجموعات البشرية.. و كذلك بين الفرد و الجماعة بالإضافة الى العلاقة بين الدولة و المجتمع حيث تنتشر قيم حقوق الإنسان و الديمقراطية و الشفافية و المحاسبة … الخ…

من هنا فان الملاحظة الأولى … هي أن هوية الامة الكردية لابد ان تتسم بقيم إنسانية تتجاوز الاختزالات التقليدية… هذا لا يعني أن تكون أمة إنسانية ليبرالية جامعة لكل البشر كما قدمتها بعض المدارس الفكرية او الديانات تاريخيا…. و إنما يمكنها أن تؤسس مفاهيمها و خصوصيتها بشكل لا يشكل تحديا او تجاوزا لخصوصيات الامم الأخرى… و لعل اهم أساس هو الابتعاد عن الدوافع نحو الانتقام او الانتقاص من قيم الأمم الأخرى و خاصة العرب و الفرس و الترك الذين عانى الكورد من هيمنتهم عبر السنوات الطوال…

هوية الأمة الكوردية يجب أن تؤسس لمفهوم امة خلاقة متعاونة متعاضدة و متضامنة ليس فقط بين شرائحها المختلفة … بل أيضاً بين الذين يحملون تلك الهوية و يؤمنون بقيمها و بين الذين يحملون قيما لهوية مختلفة و يؤمنون بامم مختلفة…

ثانيا…مع كل الاحترام للبنى الاجتماعية التقليدية إلا أن هذه الهوية لابد أن تؤشر الى وجود حضاري تفاعلي للأمة الكردية… أي التأكيد على أن اللامة الكردية هي أمة مدنية لا تؤسس بناها الاجتماعية و السياسية على أساطير الأولين بغض النظر عن القيمة التاريخية لتلك الأساطير و إنما على أسس تطورية للعلاقة بين الفرد و المجتمع من جهة و من جهة ثانية بين التطور في المجتمع الكوردي و تطور المجتمعات المحيطة بل و تطور المجتمع الكوني بكل ما تحمله قيمة التطور من متغيرات و تحولات…

ثالثا… الهوية الجديدة لابد أيضاً أن تقدم الأمة الكردية على أساس واقعي فيما كل ما يتعلق بالطموحات السياسية و الاقتصادية… شاًنها في ذلك شاًن التلاقح بين استراتيجيات التطور الاجتماعي مع التطور المادي في عالم تتغير فيه القيم على نسق متسارع مع التطور المادي خاصة التطور التكنولوجي… على هذا الأساس فان العلاقات بين الدولة و المجتمع و كذلك بين الأمة الكوردية و الامم الأخرى لابد أن تبنى على أساس حقيقة التطور المتسارع و أساس استراتيجيات قابلة للتطبيق و التحقيق..

رابعا… بناء على ما تقدم فانه من الضروري الأخذ بنظر الاعتبار بان مفهوم الأمة… مثله مثل كل المفاهيم الأخرى… هو مفهوم تطوري متغير… بل أن الامم ذاتها تتغير وفق التطور العام في العلاقات بين البشر… سواء كانوا أفرادا او مجموعات… هذا لا يعني إلغاء للأسس التاريخية و اللغوية و غيرها… لكن أهمية المفهوم التطوري أساسي في جمع شتات أمة مثل الأمة الكوردي تعرضت الى إلتقسيم بشكليه العمودي و الأفقي … أي السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي-الثقافي بجانب التقسيم الجغرافي… بكلام اخر حيث شهد كل قسم من أقسامه الرئيسية الى مسار تطوري يختلف عن المسار التطوري في الأقسام الأخرى….. هذا الاختلاف في المسار التطوري بكل أشكاله ينسحب أيضاً على الكثير من الشرائح داخل كل قسم..

هذه المبادئ العامة التي عرضت هنا بشكل مختصر جدا سيتم في المقالات التالية تطويرها و مقارنتها للعناصر الأخرى المكونة للامة و منها العلاقات السياسية بين القوى الرئيسة و كذلك دور مختلف الشرائح و المكونات الأخرى..

أتوقف هنا و أرجو أن تكون هذه المقالة و المقالات القادمة مساهمة متواضعة في النقاش العام و الضروري في هذا الموضوع الحيوي الذي قد يغير الكثير في الشرق الأوسط…. كل النقد و التعليقات مرحب بها… سنتابع…

أكرم هواس (مفكر حر)؟

About اكرم هواس

د.اكرم هواس باحث متفرغ و كاتب من مدينة مندلي في العراق... درس هندسة المساحة و عمل في المؤسسة العامة للطرق و الجسور في بغداد...قدم الى الدنمارك نهاية سنة 1985 و هنا اتجه للدراسات السياسية التي لم يستطع دخولها في العراق لاسباب سياسية....حصل على شهادة الدكتوراه في سوسيولوجيا التنمية و العلاقات الدولية من جامعة البورغ . Aalborg University . في الدنمارك سنة 2000 و عمل فيها أستاذا ثم انتقل الى جامعة كوبنهاغن Copenhagen University و بعدها عمل باحثا في العديد من الجامعات و مراكز الدراسات و البحوث في دول مختلفة منها بعض دول الشرق الأوسط ..له مؤلفات عديدة باللغات الدنماركية و الإنكليزية و العربية ... من اهم مؤلفاته - الإسلام: نهاية الثنائيات و العودة الى الفرد المطلق', 2010 - The New Alliance: Turkey and Israel, in Uluslararasi Iliskiler Dergisi, Bind 2,Oplag 5–8, STRADIGMA Yayincilik, 2005 - Pan-Africnism and Pan-Arabism: Back to The Future?, in The making of the Africa-nation: Pan-Africanism and the African Renaissance, 2003 - The Modernization of Egypt: The Intellectuals' Role in Political Projects and Ideological Discourses, 2000 - The Kurds and the New World Order, 1993 - Grøn overlevelse?: en analyse af den anden udviklings implementerings muligheder i det eksisterende system, (et.al.), 1991
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.