اللغة الآراميّة في الكتاب المقدّس

أشخين ديمرجيان: أبوناbibleancient2

لغة ساميّة انطلقت مع قيام الحضارة الآراميّة في وسط سوريا، وكانت لغة رسميّة في بعض دول العالم القديم ، كما تُعَدّ لغة مقدّسة إذ كُتِب بها أجزاء من سِفرَي دانيال وعزرا في العهد القديم من الكتاب المقدّس، ومخطوطات البحر الميت، وهي اللغة الرئيسيّة في التلمود. ومن المؤكّد أنّ الآراميّة هي لغة يسوع المسيح.

تعود بدايات كتابتها إلى القرن العاشر قبل الميلاد، إلا أنّها أصبحت اللغة المسيطرة في الهلال الخصيب منذ القرن الخامس قبل الميلاد بعد هزيمة المملكة الأشوريّة. تطوّرت الكتابة الأراميّة عبر العصور ليتوصّل الآراميون إلى كتابة خاصة بهم في القرن السابع قبل الميلاد بالترتيب الأبجديّ. ومن الخط الآراميّ انبثقت صيغة كتابة الأبجديّات، حتّى للغات غير الساميّة، في جميع أنحاء المعمورة، كما سنوضّح في نهاية المقال.

تتكوّن الأحرف الأبجدية للآرامية البيبليّة من 22 حرفاً. كما أنّ الأحرف الأبجديّة العبريّة هي أحرف آراميّة الأصل، وما يُسمّى بالأحرف “المربّعة” في الكتابات العبريّة، قد أُخِذَ من الكتابة الآراميّة القديمة. وحالاً مع بداية العهد المسيحي شاع استعمال الآراميّة لنسخ الكتب المقدّسة، تماماً كما كانت مألوفة قبل ذلك بفترة طويلة الأمد للمراسلات العاديّة، ولأغراض أخرى في مجال الكتابة. وكذلك الحروف الخمسة في اللغة العبريّة والتي يتغيّر شكل كتابتها في نهاية الكلمة مأخوذة أيضًا من الآراميّة القديمة، وهي: “كاف نون ميم فاء وصاديه”.

الآراميّة في الكتاب المقدّس

نجد الآراميّة البيبليّة في العهد القديم في خمسة مواقع: التكوين 31: 47؛ إرميا 10: 11، عزرا 4: 8 إلى 6: 18، عزرا 7: 12-26، ودانيال 2: 4 ب الى 7: 28.

الاسم

يشتقّ اسم اللغة “الآرامية” مِن القبائل الآرامية، لقرون عدّة، قبل أن يتمّ كتابتها “بالآرامية القديمة” (والتي تعود الى حوالي القرن العاشر قبل الميلاد السيدي).

حينما رحل الآراميّون إلى أشور وبابل، حلّت لغتهم تدريجياً محل الأكَّادية، وصارت اللغة السائدة في المنطقة. ثم أصبحت اللغة الرسميّة في الإمبراطوريّة الفارسيّة إذ تبنّتها هذه الإمبراطوريّة، وفي تلك الحقبة كانت تُدعى “آرامية الإمبراطوريّة”، وبها كُتِبَت مجموعة المخطوطات اليهوديّة القديمة، المعروفة باسم “مخطوطات بردى مدينة إليفانتين” (وكانت مستعمرة عبريّة في مصر). الوثائق اليونانية القديمة لعزرا مكتوبة أيضًا بآرامية الإمبراطوريّة، كذلك اللغة المستعملة في سفر دانيال لها صلة وثيقة بتلك اللغة.

أطلق اللغويّون في القرون السابقة على الآراميّة في الكتاب المقدّس اسم “الكلديّة” أو “الكلدانية”. لا بدّ أنّ أحد أسباب تلك التسمية كان يعود إلى عمليات التنقيب الجارية في بابل في ذلك العصر، والتي كانت تُركّز الاهتمام على الإمبراطوريّة الكلدانيّة. وبما أنّ سفر دانيال ظهر حينما كانت تلك الإمبراطوريّة في أوجها، فقد كان من الطبيعي إطلاق لفظة “كلديّ” أو “كلدانيّ” على اللسان غير العبريّ للكتاب المقدّس (سفر دانيال 1 : 4 و 2 : 26). لكن هذه التسمية لا تُستخدم الآن، وبدلاً منها، يُطلق فقط اسم “الآرامية”. وفضلاً عن ذلك، نشأت لدى الآراميين لا الكلدانيين.

توزيع اللغات الساميّة

تندرج الآرامية مع اللغات الساميّة الشماليّة الغربية ومنها أيضًا الكنعانية والآوغاريتية والفينيقية والعبريّة. أمّا اللغات الساميّة الشماليّة الشرقية فهي الأكّادية والأشورية والبابلية.

اللغات واللهجات الآراميّة

تشمل “الآرامية القديمة”، وآراميّة الامبراطوريّة”، والآراميّة في الكتاب المقدّس (أي البيبليّة). ويُصنّف معظم الخبراء هاتين الاخيرتين تحت اسم “الآراميّة الغربية”.

الآراميّة الغربيّة

انتشرت الآرامية الغربيّة في مناطق متفرّقة من بلاد آرام التي دعاها اليونان الهلينيّون خطأ “سوريا” وجنوبها، وبقيت سائدة في الممالك الآراميّة السوريّة، مع سعة انتشار اليونانيّة. بقيت الآراميّة لسان الشعب إبّان القرن الميلادي الأوّل، ولم تنافسها إلاّ العربيّة بعد قدوم المسلمين في القرن السابع للميلاد.

يمكننا ان نميّز على الأقلّ اربع لهجات سادت الآرامية الغربية: الآرامية اليهوديّة وظهرت في جنوب “سوريا” وفلسطين. وقد بقيت عبارات في صيغتها الآرامية في العهد الجديد (متى 27: 46، مرقس 3: 17، 5: 41، 7: 34، 14:36، 15: 34، اعمال الرسل 9: 36، 1: 19، 1 كور 16: 22، روم 8 :15، غلاطية 4: 6).

وكانت آراميّة الجليل اللهجة التي نطق بها المسيح ورسله، وهي تختلف اختلافاً واضحاً عن لهجة الجنوب السائدة آنذاك في اورشالم وما حولها (متّى 26: 73). وقد كُتِب بها التلمود وأقدم المداريش، والترچومات الأورشليمية وبعض من الترچوم الفلسطيني. ومن لهجات الآراميّة الغربية الآرامية السامرية، ثمّ الآرامية الفلسطينية المسيحيّة، وكان يستخدمها أيضًا مسيحيّو مصر الناطقون بالآرامية كذلك.

كما أنّ الآراميّة التي ازدهرت في منطقة من سوريا والمستعملة في معلولا وبخعا وجبعدين هي الآراميّة الغربيّة.

الآراميّة لسان التداول

تُستخدَم للتداول اليوميّ في الشرق الأوسط خاصة بين معتنقي المسيحيّة في تركيا وإيران، وفي ولاية ميشيغان في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الهجرة الكثيفة للناطقين بالآرامية ولاسيّما في لهجاتها السريانيّة من السوريين والعراقيين إلى مدينة ديترويت، وفي السويد وألمانيا وهولندا بين المهاجرين من الشرق.

خاتمة

تعلّم الآراميون من الكنعانيين فنّ الكتابة الأبجديّة، وحاولوا استخدام الكنعانية في كتاباتهم، وسرعان ما تخلّوا عنها وأخذوا في استعمال لغتهم الخاصة.

أصبح الخط الذي اقتبسه الآراميون من جيرانهم الكنعانيين مصدراً لمعظم الكتابات الحاليّة، للّغات الساميّة وغير الساميّة، فانتشرت إحدى صِيَغه في آسيا الصغرى، ومنها انتقلت إلى بلاد اليونان، حيث أعطت الأبجديّة اليونانيّة التي أصبحت بدورها –مع اليونانيّة- مصدر اللاتينية الغوطية والأبجديّة المستعملة في أوروبا والكتابات القبطيّة في مصر.

وإحدى صيغها الأخرى كان مصدراً لبعض أحرف من الكتابة الارمنيّة التي منها جاءت الكتابات الجيورجية والقفقاسية.

وهناك صيغة أخرى انبثقت منها الكتابة البهلوية في إيران، ومن خلالها الافستية والسغدية والمانوية التي منها أتت الكتابات الويغورية والمغولية والمانشؤية والكالموكية واليورياتية.

وأعطت صيغة أخرى منها الكتابات الخروشتية والبرهمانية، ومن خلالها الكتابات التيبتية وكتابات مستعملة في الهند والجنوب الشرقي من آسيا واندونيسيا.

وعن إحدى صيغها نتجت أيضاً الكتابة العربيّة المربّعة وينسب علماء آخرون القلم العربيّ مباشرةً إلى النبطيّ. ومن الآراميّة انبثق أيضًا الخطّان التدمري والنبطي، ومن هذا الأخير جاء الخط العربي باشكاله العديدة في الفارسية والتركية والاوردية والمالوية والماندية.

وهكذا ينعم العالم الشّرقيّ بتعدّديّة وتنوّع في الألسنة الساميّة، ويا ليت المودّة والوفاق والوئام تجمع الشّعوب المختلفة خصوصًا في الوطن العربيّ الحبيب!.

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.