شهدت العلاقة التركية – الإسرائيلية توترات بالغة منذ مطلع العام الماضي، بلغت، بحسب أقاويل، حد كشف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للاستخبارات الإيرانية هويات نحو 10 إيرانيين كانوا يلتقون داخل تركيا مع ضباط الموساد.
ووصفت مصادر مطلعة التحرك التركي باعتباره خسارة استخبارية «كبيرة» للموساد و«محاولة لصفع الإسرائيليين». ويوضح الحادث، الذي جرى الكشف عنه للمرة الأولى هنا وفي هذا التوقيت الحساس، مرارة حروب التجسس المتعددة الأبعاد التي تكمن وراء المفاوضات الحالية بين إيران والغرب بشأن التوصل إلى اتفاق للحد من البرنامج النووي الإيراني. ولم يصدر تعليق عن المتحدث باسم السفارة التركية.
وقد يساعد الغضب الإسرائيلي من الكشف المتعمد لجواسيسها في تفسير سبب إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على رفضه الاعتذار لأردوغان عن حادثة الاعتداء على أسطول الحرية الذي كان في طريقه إلى غزة في مايو (أيار) 2010، وقتل على أثره تسعة أتراك.
اعتذر نتنياهو أخيرا لأردوغان عن طريق الهاتف في مارس (آذار) الماضي، بعد تدخل الرئيس أوباما والوصول إلى صيغة توافقية. ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي قاوم على مدى أكثر من عام قبل ذلك توسلات أوباما ووزيرة خارجيته وقتها هيلاري كلينتون لرأب الصدع بينهما.
ويعتقد كبار المسؤولين الإسرائيليين أنه رغم الاعتذار، لا يزال أردوغان يشعر بغضب بالغ. إضافة إلى ذلك يبدو رئيس المخابرات التركية القوي، هاكان فيدان، مشتبها به في إسرائيل، بسبب ما يُعتقد أنه وصلات ودية مع طهران، حتى إن ضابط المخابرات الإسرائيلية وصفه مازحا لمسؤولي وكالة المخابرات المركزية، منذ عدة سنوات، بأنه «رئيس محطة الاستخبارات والأمن الإيرانية في أنقرة». غير أن الولايات المتحدة استمرت في التعامل مع فيدان بشأن القضايا الحساسة.
ورغم أن المسؤولين الأميركيين عدّوا فضح الشبكة الإسرائيلية خسارة استخبارية مؤسفة، فإنهم لم يقدموا احتجاجا مباشرا للمسؤولين الأتراك. وحافظت تركيا وأميركا عوضا عن ذلك، على علاقات قوية لدرجة أن أردوغان كان من بين المقربين الموثوقين لأوباما. ويقال إن هذه الممارسة القائمة على فصل قضايا المخابرات عن السياسات الأوسع نطاقا هي النهج المتبع من الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.
لم يبدِ المسؤولون الأميركيون يقينا مما إذا كان الكشف التركي قد جاء ردا على حادثة أسطول غزة أو كان جزءا من تدهور أوسع في العلاقات التركية – الإسرائيلية. ويبدو واضحا أن المخابرات الإسرائيلية تدير جزءا من شبكة تجسس إيرانية من خلال تركيا، لما يتميز به موقعها من حركة سهلة نسبيا جيئة وذهابا عبر حدودها مع إيران. وبما أن جهاز المخابرات التركي يفرض رقابة صارمة داخل حدود بلده، فإنه يمتلك الموارد الكافية لمراقبة الاجتماعات السرية بين الجواسيس الإسرائيليين والإيرانيين.
وعدّ المسؤولون الأميركيون حادث الكشف مشكلة ثقة في غير محلها، مشيرين إلى أن الموساد لم يكن يتصور، بعد أكثر من 50 عاما من التعاون مع تركيا، أن «تعرض» أنقرة جواسيس إسرائيل إلى دولة معادية (إيران)، على حد تعبير أحد المصادر المسؤولة. لكن أردوغان قدم تحديا فريدا في نوعه، عندما برز في عام 2009 كبطل القضية الفلسطينية، وقاد بطرق مختلفة أنقرة بعيدا عما كان عليه الوضع من شراكة سرية مع إسرائيل.
بدأ تحالف المخابرات الإسرائيلية – التركية في اجتماع سري في شهر أغسطس (آب) عام 1958 في أنقرة بين ديفيد بن غوريون، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، وعدنان مندريس، رئيس الوزراء التركي آنذاك. وكتب دان رافيف ويوسي ميلمان في كتابهما «جواسيس ضد هرمغدون»، الذي صدر عام 2012 «كانت النتيجة الملموسة اتفاقا رسميا لكنه سري للغاية بالتعاون الكامل بين الموساد والمخابرات التركية».
وضع رؤوفين شيلواه، المدير المؤسس للموساد، أسس العمل الميداني سرا في إطار ما سماه «استراتيجية التحالف المحيطي». وقدم الإسرائيليون، عبر هذه الشراكة، التدريب للأتراك على التجسس، والمثير للمفارقة أنهم قدموا التدريب للإيرانيين أيضا في ظل حكومة الشاه، الذي أطيح به عام 1979.
ويعد فيدان، رئيس المخابرات التركية، مستشار أردوغان الرئيس. وتولى إدارة المخابرات عام 2010 بعد أن شغل منصب ضابط غير مفوض في الجيش التركي، وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة ميريلاند، وشهادة الدكتوراه في أنقرة. وبحسب التقرير الذي نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» فإنه بعد تولي فيدان المنصب أزعج حلفاء تركيا بنقله، حسب المزاعم، معلومات استخبارية حساسة جمعتها الولايات المتحدة وإسرائيل إلى المخابرات الإيرانية. وأشارت الصحيفة إلى خشية الولايات المتحدة أيضا من قيام فيدان بتسليح الجهاديين في سوريا.
ويعد النزاع بين نتنياهو وأردوغان، بما يعلوه من الدفاع والهجوم الاستخباراتي، مثالا على التغييرات الملونة التي ربما تأتي في الطليعة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل، وإيران والمملكة العربية السعودية ومصر، إلى بناء تحالفات جديدة والتصارع من أجل إيجاد توازن جديد – علنا وسرا.
* خدمة «واشنطن بوست»
منقول عن الشرق الاوسط