سمير عطا الله الشرق الأوسط
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي دخلت الكاميرا الحرفية إلى أرجائه للمرة الأولى. يومها رأينا صورة قرية زعيم الكرملين، ميخائيل غورباتشوف، وكان مدخلها أرضا ترابية لم يصلها الإسفلت. وبعد سقوط النظام العراقي وصلت الكاميرا وكان المشهد مؤلما: بغداد بلا نمو وبلا تقدم. وعندما دخلت الكاميرا إلى ليبيا كان السؤال الأول: أين ذهبت بقية الأموال؟
مصر كانت بلدا تنقل في التجارب والمحن الاقتصادية، وكنا جميعا نعرف أنها تعاني من الفقر، فلم تكن هناك مفاجآت. سوريا كانت بلدا ممنوعا فيه كل شيء: التصوير والصحف غير الرسمية والهمس وانتقاد كوريا الشمالية، لأنك ربما لا تقصد كوريا الشمالية.
لم تخرج الصور الاحترافية من سوريا بعد، لكنّ السوريين بدأوا يتحدثون ويكتبون. ويقول باحث سوري متخصص في الإسكان («السفير») إن ثمة 700 ألف إنسان في عشوائيات دمشق. والعشوائيات هي المكان الوحيد الذي لا يعترف بالطائفية.
ليست سوريا ولا مصر ولا العراق ولا ليبيا، الدول الوحيدة في العالم التي تعاني من ألوان الفقر. لكن ليست بلدان العالم في غنى العراق وليبيا. ولا أحد كان في مثل غنى سوريا وأصبح في مثل فقرها. وما من دولة يسكن ربع شعبها في العشوائيات مثل مصر، أي على هامش كل شيء إلا البقاء، لا علاقة للدولة بهم سوى أنهم يولدون ويموتون على أرض مصر.
جميع هذه التجارب شبيهة بالتجربة (والنتيجة) السوفياتية. والسبب أنها حاولت، بدرجات متفاوتة، تقليد السوفيات في كل شيء، من دون أن تحاول لحظة واحدة دراسة النموذج الذي تقلده. حاول بعض حكامها أن ينسخ ستالين، بعدما أصبح ستالين ممنوع الذكر والصورة. وانكبوا على «الاشتراكية العلمية» في بلغاريا ورومانيا بدل الاشتراكية الإنسانية في النرويج. أبعدوا الأثرياء وسحقوا الفقراء وأنشأوا طبقة من الفاسدين في المال والفاسقين في الظلم.
لم يقتنِ أحد من السيارات القديمة مقدار ما اقتنى ليونيد بريجينيف وعدي صدام حسين وصديق ليبيا والعراق فلاديمير جيرينوفسكي الذي كان يحلم برؤية العرب راكعين من جديد. هذا الرجل الفاضح الذي رحبت به بغداد وطرابلس، منعته سويسرا من الدخول حتى للمعالجة الطبية. لا نعرف أين اختفى صوته واختفت صورته. لكن موسكو خففت عن نفسها وعن العالم أقوال مهرج غير خفيف الظل، ومنها أن «الخطر مصدره الديانات الشرقية والإسلام».