عبد القادر أنيس
أواصل في هذه المقالة السابعة قراءة كتاب محمد الغزالي (حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة).
تتناول هذه الحلقة فصل: “الحرية الدينية” في الإسلام من وجهة نظر الغزالي. (ص 60).
يستهل الكاتب هذا الفصل بقوله: “الإيمان الصحيح المقبول يجيء وليد يقظة عقلية واقتناع قلبي، إنه استبانة الإنسان العاقل للحق، ثم اعتناقه عن رضا ورغبة”.
وبما أن الغزالي يحصر في كتابه هذا مفهوم الدين الصحيح في الإسلام ومفهوم الإنسان المؤمن في
المسلم فقط دون سائر معتنقي الأديان (السماوية) الأخرى، ولا مكان للوثني (الهندوسي والبوذي مثلا) وغير المؤمن بدين في عالم الغزالي. هذا الموقف يجعله يتبنى تمييزا حقيقيا لا صلة له بحقوق الإنسان كما صاغتها الحضارة الحديثة، بل يتناقض معها تماما من حيث ضيق الأفق الذي يجعله يجرد غير المسلمين من “الإيمان الصحيح المقبول” ومن “اليقظة العقلية والاقتناع القلبي”. أما المسلمون الذين هم مسلمون بالوراثة فلا ينطبق عليهم هذا القول لأنه لا يحق لهم الخروج عن الإسلام ولو كان هذا هو رضاهم وكانت هذه هي رغبتهم في ذلك، وهذا ما سأتطرق له في الموضوع اللاحق عندما أتناول موقف الغزالي من الارتداد.
نفهم هذا من قوله “وقد عرض الإسلام نفسه على الناس في دائرة هذا المعنى المحدد غير متجاوز له في قليل أو كثير”. ليقول: “قصاراه أن يوضح مبادئه وأن يمكن الآخرين من الوقوف عليها، فإذا شاءوا دخلوها راشدين، وإذا شاءوا تركوها وافرين”.
ويدعم هذا الزعم بآية: “وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، ويختم هذه المحاججة بقوله: “إن الحرية الدينية في أرحب مفاهيمها هي التي حددت وظيفة صاحب الرسالة!.
بهذا الكلام يعبر الشيخ الغزالي عن مدى ما يعانيه الفكر الإسلامي المعاصر من بؤس وتهافت بالإضافة إلى الانتقائية والتحايل والسذاجة.
قبل تفكيك هذا الكلام أحب أن أشير إلى حقيقة منطقية تجاهلها الشيخ وهي أنه من الناحية الدينية، فإن العبد لله بالمفهوم الديني الإسلامي ليس له أدنى حرية اختيار بين الإيمان والكفر. مصيره واضح بنصوص الدين: “ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين”. ولو أن إله هذا الدين وعد المؤمنين بالجنة وحرم الكافرين منها ووعدهم مقابل كفرهم بالفناء كما هو حال الهندوسية والبوذية لهان الأمر. أما أن يخيّر الناس بين الجنة والنار فلا يمكن أن نسمي ذلك حرية اختيار. التخويف والوعيد والترهيب لا يترك مجالا لأية حرية دينية، أما من الناحية العملية فإن مقولة “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، لم تصمد في فكر وسلوك مؤسس الإسلام أمام إغراءات القوة والسلطة بعد أن تمكن منهما في المدينة يثرب، وأغلب الظن أنها قيلت عندما كان مؤسس هذا الدين الجديد ضعيفا يرجو أن يُمَكَّن في مكة اللبرالية من مساحة من الحرية لبث أفكاره، ليس إلا. ومع ذلك فإن الغزالي قد حذف بقية الآية وهي هكذا: “وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا”.
فأين الحرية الدينية في هذه الآية إذا كان مصير الظالمين أي الكفار كل هذا الترهيب ” نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا”؟
الواقع الذي يعرفه كل دارس لتاريخ الإسلام هو شيء آخر يكذب قول الغزالي: “قصاراه أن يوضح مبادئه وأن يمكن الآخرين من الوقوف عليها، فإذا شاءوا دخلوها راشدين، وإذا شاءوا تركوها وافرين”.
الغزوات التي شنها العرب المسلمون على جيرانهم وجيران جيرانهم وجيران جيران جيرانهم حتى امتدت الأراضي المحتلة ما بين نهر الغانج في الهند ونهر التاج في أسبانيا حسب قول الغزالي نفسه، لم تكن تقتصر على (توضيح المبادئ لتمكين الآخرين من الوقوف عليها)، ولا كان أمامهم الخيار الذي زعمه الغزالي “فإذا شاءوا دخلوها راشدين وإذا شاءوا تركوها وافرين”. بل كان الناس قد وجدوا على حدودهم، بعد إنذار كله تهديد ووعيد (أسلم تسلم)، وفي غالب الأحيان بدون إنذار، جيوشا تضع الناس أمام خيارين لا ثالث لهما: بين قبول الاستعمار الإسلامي ضمن وضعية أشبه بالعبودية يدفعون الخراج والجزية وهم صاغرون (يعني أذلاء مطأطئي الرؤوس)، إذا رفضوا تغيير معتقداتهم وبين الحرب، وفي هذه الحالة الأخيرة فنحن نعرف والغزالي يعرف مصير الأراضي المفتوحة عنوة (أي بالسيف): فالأرض وما عليها ومن عليها مباحة لجيوش المسلمين تقتيلا واستعبادا وسبيا، وفي أرحم الظروف بعد هزيمة المغزوين كان المسلمون يبقون الناس على أراضيهم كخدم للمسلمين بشروط لا إنسانية حتى عندما يعتنق المهزومون الإسلام، تسببت في فتن وثورات دامية مثل ثورة القرامطة وثورة الزنج الذين ظلوا يجلبون من أفريقيا نحو أسواق النخاسة العربية طوال قرون. وقد سبق لي أن عرضت على القارئ نص العهدة العمرية، ولا بأس أن أعيد نشرها هنا، فالذكرى قد تنفع بعض المؤمنين:
(قال ابن تيمية رحمه الله عنها في كتابه القيّم “الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح.
وقد ذكرها أهل السير وغيرهم، فروى سفيان الثوري عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه أن لا يحدثوا في مدينتهم ولا حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا يجددوا ما خرب ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ولا يؤووا جاسوسا ولا يكتموا غشا للمسلمين ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا يظهروا شركا ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوه وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم إذا أرادوا الجلوس ولا يتشبهوا بالمسلمين بشيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا يتسموا بأسماء المسلمين ولا يكتنوا بكناهم ولا يركبوا سرجا ولا يتقلدوا سيفا ولا يتخذوا شيئا من سلاح ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ولا يبيعوا الخمور وأن يجذوا مقادم رؤوسهم وأن يلزموا زيهم حيث ما كانوا وأن يشدوا الزنانير ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيفا ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ولا يخرجوا شعانين ولا يرفعوا مع موتاهم أصواتهم ولا يظهروا النيران معهم ولا يشتروا من الرقيق العبيد ما جرت عليه سهام المسلمين فإن خالفوا في شيء مما شرطوه فلا ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق” فوافق عمر عليها).
فكيف نفهم في ظل هذا الكلام قول الغزالي: “وإن شاءوا تركوها وافرين”؟ وما مفهومه للفظة “وافرين”؟؟
أما إذا تعرفنا على الشواهد من العيار الثقيل (القرآن) حول خرافة الحرية الدينية التي زعم الغزالي أنها موجودة في دينه، فسوف ندرك مدى الانتقائية والتحايل والسذاجة التي هي مميزات الخطاب الغزالوي والإسلاموي عموما. فالقرآن نفسه يعج بالآيات التي تتناقض مع الحرية الدينية المزعومة التي يتحدث عنها وخاصة الآيات المشهورة بآيات السيف، والتي يقول البعض إنها نسخت مائتي آية من آيات القرآن منها آيات العفو والصفح والآيات التي جاء بها الغزالي في كتابه كدليل على الحرية الدينية في الإسلام.
وقد وجدت للقرضاوي صديق الغزالي نفس التبرير والانتقائية والتحايل. فهو، ردا عن سؤال: وماذا عن الفتوحات التي كانت في خلافة الراشدين، ما الذي جعل الصحابة عليهم رضوان الله يخرجون من جزيرة العرب، أليس في هذا نوع من بسط القوة والنفوذ؟
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout&cid=1251021449659
أجاب بكلام عجيب غريب ذكرني بقصة الذئب والخروف، قال: “هو عندما تقوم الدولة وتريد أن تمكن لنفسها، هناك ضرورات، ومن هذه الضرورات تأمين الدولة إذا كان جيرانك يهددونك، فلابد إما أن تعاهدهم أو تحاربهم، أما هذا الوضع المائع فغير ممكن، والرسول والمسلمون كانوا يرحبون بكل معاهدة، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعدما دخل المدينة أقام اتفاقية بينه وبين اليهود، وهم الذين بدأوا بنقضها. وفي ذلك الوقت كانت هناك دولتان كبريان تتنازعان العالم، الفرس والروم، وهؤلاء رفضوا الدين الجديد، والروم قتلوا الدعاة، وكسرى مزق كتاب محمد، فكان لابد من هذا الصدام”.
فمن كان يهدد صحراء العرب في ذلك الحين؟ ثم لماذا يجب تخيير الأمم بين الحرب والمعاهدة؟ ثم من راسل ملوك (العجم) برسائل مغلفة بالتهديد، مثلما جاء في خطاب محمد لملك الروم: “أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فعليك إثم جميع الآريسيِّين”.
ولملك الفرس: “فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك.”
إن آيات السيف التالية لا غموض فيها ولا يمكن للغزالي ولا لغيره الادعاء بحرية الدين أمام وضوح عنفها:
“إِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”
“قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.”
“يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ”
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.”
بالإضافة إلى أحاديث كثيرة أشهرها حديث السيف: “بعثت بالسيف بين يدي الساعة” وحديث: “ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله “.
فكيف يستقيم كل هذا الموروث الإسلامي قرآنا وسنة وتاريخا مع تحايل وخداع الشيخ الغزالي وهو يقول: “قصاراه أن يوضح مبادئه وأن يمكن الآخرين من الوقوف عليها، فإذا شاءوا دخلوها راشدين، وإذا شاؤوا تركوها وافرين”.
فماذا يعني الشيخ بـ “أن يُمَكِّن الآخرين من الوقوف عليه”؟ التاريخ يخبرنا أن قريش كانت أكثر تسامحا من محمد ومكنته من التبشير بدينه مدة 13 سنة رغم أنه كان يسب آلهتها ويسخر منها، أما المسلمون بقيادة محمد فقد شكلوا جيوشا لاحتلال البلدان والتمكين لدينهم، وليتهم توقفوا عند هذا الحد. لقد تحولت الغزوات التي ظاهرها نشر الإسلام إلى غزو للاحتلال والاسترقاق والسبي والاستعمار والاستيطان. طبعا يجب أن نعترف أن كل الشعوب كانت تتصرف هكذا تجاه بعضها، أما أن يأتي الإسلاميون اليوم ويوهمونا أن أسلافهم المسلمين كانوا رحمة للعالمين ويجب أن يكونوا قدوة لنا الآن وينتقون لنا نُتَفًا من تراثهم وسيرة سلفهم لاستغفالنا حتى نجعلهم علينا أئمة، فهذا مرفوض.
وقوله: “إن الحرية الدينية في أرحب مفاهيمها هي التي حددت وظيفة صاحب الرسالة !.
ثم يتساءل: “ما وظيفة صاحب رسالة يحترم هذه الحرية ويبني عليها سياسته؟” ويجيب مباشرة بكلام أغرب إن لم يكن أكذب مما سبق: “إنها لا تعدو الشرح والبيان واستخدام القلم واللسان في تحبيب دينه للناس وترغيبهم في قبوله”. تماما مثلما فعل الشيخ الغزالي وإرهابيوه مع فرج فوده !!!
فهل إن الشيخ عندما وقف أمام المحكمة كشاهد وأفتى بجواز قتل فرج فوده كان يجهل هذه الآية “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؟
طبعا لا، وإنما كانت شهادته مصداقا لمذهبه الأصولي التكفيري ضد الخصوم مهما كانوا.
ثم بعد هذا يواصل الشيخ سرد مزاعم عن دينه لا تستقيم أبدا، كأن يقول: “والقارئ اللبيب يري أن الكتاب العزيز قد تناول المعارضين له والكافرين به بأساليب شتى، ليس من بينها قط إرغام أحد على قبول الإسلام وهو عنه صاد، كل ما ينشده الإسلام أن يعامَل في حدود النصفة والقسط، وألا تدخل عوامل الإرهاب في صرف امرئ انشرح صدره به”.
هكذا يحول الشيخ الضحية إلى مجرم والمجرم إلى ضحية. فحسبه من حق المسيحي أو اليهودي أو البوذي مثلا أن يتخلى عن دينه ويعتنق الإسلام، ومن يعترض طريقه هو إرهابي، أما أن يحاول المسلم ترك دينه ليعتنق دينا آخر أو لا يعتنق أي دين فهو مرتد مصيره القتل شرعا ولا يسمى هذا إرهابا. فأي نصفة (إنصاف) وقسط في هذا الموقف يا شيخ؟
لكن الشيخ الغزالي غير معني بالمنطق الذي يخلو منه كلامه، لأنه ببساطة ظل يصول ويجول في عالمنا الإسلامي ولا يجد من يعترض على أغاليطه بسبب ما يفرضه أتباعه مدعومين بحكومات الاستبداد من قمع على الحريات، وإذا حدث العكس وتحلّى أحد المثقفين بالشجاعة وعبر عن رأيه بلا نفاق فمصير فرج فوده في الانتظار.
مقابل آيات الترهيب والدعوة إلى القتل والقتال والجهاد التي وردت في سورة التوبة بوصفها من بين آخر السور والتي نسخت ما قبلها، يأتينا الغزالي بآيات مثل: “لكم دينكم ولي دين” ومثل “لي عملي ولكم عملكم”، وهي آيات تجاوزها الفكر الإسلامي المدني بعد أن اشتد ساعده وقويت شوكته.
ومع ذلك يقول الغزالي: “هذه الكلمات وأمثالها مما تردد في صدر الإسلام هي التي ظلت تتردد في أواخر العهد المدني ويخاطب بها كل إنسان”.
وشخصيا لا أعتقد أن الغزالي يجهل أن كلامه هذا غير صحيح كون أن الخطاب الإسلامي في فجر الإسلام وفي صدره اختلف تماما عن الخطاب الذي صار يقال في العهد المدني ولهذا وبسرعة البرق نسيه الغزالي وعاد إلى طبيعته الحقيقية ليقول كلاما آخر مغلفا بالتهديد والترهيب:
“كن مسيحيا أو إسرائيليا ولكن لا تكن خصما للإسلام ونبيه وأتباعه تتمنى لهم الشر وتتربص بهم الدوائر… وإذا استفحل في نفسك الكره لهذا الدين فاحذر أن يتجاوز فؤادك إلى الحياة الخارجية عراكا مسلحا، وإلا فأنت الملوم”.
طبعا، وحسب الشيخ، من حق الإسلام والمسلمين أن يسفهوا معتقدات الآخرين كيفما ومتى يحلو لهم وينعتوها بالزيف والتحريف والوثنية والكفر وليس من حق معتنقي هذه الديانات الرد وإلا حولوهم إلى أعداء الإسلام والمتآمرين عليه ووضعوا ترسانتهم التشريعية الإرهابية محل تطبيق.
يتبع: “حول حرية الارتداد”