يقترب الرئيس أوباما من إحدى هذه اللحظات الفارقة التي يمكن أن يحدث فيها تحول كبير في السياسة الخارجية. يمكن أن يتجادل الناس بشأن ما إذا كان ذلك الأمر متساويا مع الانفتاح على الصين أو نهاية الحرب الباردة، ولكن مما لا ريب فيه أن الوضع الحالي يعتبر وقتا للفرص، مثلما يشير مثل إنجليزي قديم مفاده أنه ثمة احتمال للفشل مع وجود مقومات النجاح.
وما كان محالا منذ أشهر قليلة بالنسبة للعلاقة مع إيران وسوريا يبدو الآن وارد الاحتمال. ففي ما يخص الشأن الإيراني أجرى أوباما محادثات مباشرة مع الرئيس حسن روحاني للتفاوض السريع من أجل إبرام اتفاق ينص على وضع قيود على البرنامج النووي الإيراني. وبالنسبة للمسألة السورية، وافقت الولايات المتحدة الأميركية وروسيا على خطة الأمم المتحدة لتدمير مخزون الأسلحة الكيماوية الذي يمتلكه الرئيس بشار الأسد.
ولأن هذه الدبلوماسية تتضمن بعض الدول المناوئة لنا، يرى بعض الملاحظين علامات للضعف الأميركي أو حتى الاستسلام، بيد أنهم مخطئون بشأن ذلك. ستظل الولايات المتحدة أكثر قوة إذا كان بإمكانها خلق إطار عمل أمني جديد في الشرق الأوسط، بحيث يشمل إيران، بالإضافة إلى نزع فتيل الصراع الطائفي بين السنة والشيعة – الذي يهدد المنطقة. بيد أن الشعب يهاب التغيير، لا سيما عندما يكون قائد هذا التغيير هو رئيس يراه الشعب ضعيفا في الداخل والخارج.
إن البراعة التكتيكية تشكل أهمية في لحظات استراتيجية مهمة كهذه. وقد كان هذا أحد الدروس التي تعلمتها من الطريقة التي اتبعها الرئيس ريتشارد نيكسون (مع هنري كيسنغر) في الانفتاح على الصين في أوائل السبعينات من القرن الماضي، وتمكن الرئيسان رونالد ريغان وجورج بوش الأب، مع برنت سكوكروفت وجيمس بيكر، من إنهاء الحرب الباردة في أواخر ثمانينات القرن الماضي. فقد جعلوا تغيير سياسات الانحياز التي كانت قائمة على مدار الأجيال أمرا يسيرا.
وكان أحد الأمور التي قام بها فريقا نيكسون وريغان – بوش على نحو جيد مسألة إدارة عملية التواصل: كان الانفتاح نحو الصين مصحوبا بإجراء حوار منتظم مع الاتحاد السوفياتي، أكثر الشعوب تأثرا بالتغيير الذي طرأ على سياسة الولايات المتحدة. وتطلبت المرحلة الأخيرة مع السوفيات وجود اتصال متكرر مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، والذين كانوا خائفين من سياسة الصقر ريغان التي تمثل تحديا لموسكو، وكذلك ضغط بوش لتوحيد ألمانيا. وكان الدبلوماسيون الأميركيون يقومون برحلات جوية في كل أسبوع تقريبا لطمأنة الحلفاء.
ومن أجل الاقتراب من إيران سيحتاج أوباما إلى التأكد من تعهد المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي بعدم تصنيع قنبلة، مع منع وجود أي إمكانية لحدوث انفجار سريع. وسيتعين على إيران تقييد مستوى تخصيب اليورانيوم (بنسبة 5 في المائة) وكذلك مخزونها من المواد المخصبة. ويجب أن تكون هذه الأرقام أقل بالشكل الكافي، مما يعني أن إيران ستكون بحاجة إلى شهور لإطلاق قنبلة، وهي فترة طويلة بما فيه الكفاية بحيث يكون لدى الولايات المتحدة وإسرائيل تحذير استراتيجي بشأن ذلك. وفي المقابل، سيوافق الغرب – من حيث المبدأ – على قبول حق إيران في التخصيب.
وتعتبر عناصر الاتفاقية العملية لإيران واضحة المعالم للجميع. ومما هو جدير بالذكر في هذا الصدد أنه من أجل تحقيق التقدم في هذا الشأن، يتعين على الولايات المتحدة أن تتواصل باستمرار – ليس فقط مع شركائها في التفاوض في مجموعة «خمسة زائد واحد» (بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا)، ولكن أيضا مع الدول المجاورة مثل السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة وتركيا، وكذلك إسرائيل. وفي الواقع، يتعين على أوباما توجيه الدعوة إلى القادة الإقليميين للتوجه إلى كامب ديفيد في هذا الخريف من أجل استكشاف هياكل أمنية جديدة لمنطقة الخليج.
وقد يكون التنسيق الإقليمي أكثر أهمية في ما يخص سوريا. مع دول الجوار. ويعتبر هذا أشبه بملء منطاد بالسم: يهرول المقاتلون الأجانب إلى سوريا للانضمام إلى الجهاد الممول جيدا، بما في ذلك مشاركة نحو 100 مقاتل بريطاني مسلم وأكثر من 130 فرنسيا وما يزيد على 100 أسترالي وما يصل إلى 800 مقاتل من بعض الدول العربية. ويعتبر هذا الأمر خطيرا فعلا.
إن الطريق نحو الوصول لسوريا أكثر استقرارا لا بد أن يمر بجنيف، من خلال المفاوضات لتحقيق التحول السياسي الذي يجري التباحث بشأنه الآن من قبل الولايات المتحدة وروسيا. إذا كان يمكن لكل الأطراف (بما في ذلك إيران) أن توافق على أن الأسد لن يحكم مرة أخرى بعد نهاية فترة ولايته في العام المقبل، فحينئذ يمكن أن يبدأ الكابوس السوري في الاختفاء. وتحتاج المعارضة السورية المعتدلة إلى إظهار ذلك في مرحلة ما بعد الأسد في سوريا، بحيث يمكنها المساعدة في الحفاظ على مؤسسات الدولة. ويحتاج المسؤول الأميركي إلى تنسيق الخيوط الظاهرة والخفية للسياسة والدفع بها نحو الوصول إلى مرحلة جنيف. كذلك، فإن ترك هذه العملية الدقيقة للعمليات الجهادية يعد ضربا من الجنون.
يجب على أوباما ووزير الخارجية الأميركي جون كيري توصيل حقيقة أن الولايات المتحدة في طريقها للوصول إلى منعطف خطير مفاده: من أجل أن تكون في الطليعة، يتعين على إيران أن تلطف من أحلامها الثورية لسنة 1979، كما يتعين الكف عن إظهار القلق المبالغ فيه من «الهلال الشيعي». إن الأمر وشيك الحدوث يتمثل في صياغة إطار عمل إقليمي جديد يتلاءم مع الاحتياجات الأمنية للإيرانيين والسعوديين والإسرائيليين والروس والأميركيين.
يعد هذا الأمر فرصة استراتيجية عظيمة، لكنها ستتطلب الإرشاد الدبلوماسي المستمر والمتقن.
* خدمة «واشنطن بوست»
منقول عن الشرق الاوسط