عند تأسيس دستور جديد للبلاد . ان كان رئيس الدولة – المؤقت أو الدائم – قد عمل هو بعينه , ومنذ شهور قليلة رئيسا للمحكمة الدستورية العليا . فبالطبع هو خير من يعرف أرقي وأحدث الطرق لتأسيس أفضل دستور . تستظل به كافة فئات وطبفات الشعب.
الدستور الذي يعبر عن وطن بكافة أبنائه . ويحويهم ويحميهم جميعاً كما حضن الوطن . معروف لكل الدنيا . ومعروفة نماذجه , ومعروف من الذين يجب أن يؤسسونه . ومعروفة الدول المثال التي تعتمده وتطبقه , والتي يجب الاقتداء بها .
لذا فمن الطريف أن يُجمع مختلف الناس لسؤالهم عن طلباتهم في الدستور الجديد !. وكأن الدستور الجديد هو سوبر ماركت – أو محل بقالة – جاري افتتاحه – ويراد سؤال أهالي المنطقة عن أكثر البضائع والمواد التي يكثر الطلب عليها من قبل أبناء الحي . خشية اختلاف تلك الطلبات عما يكون مطلوباً من قبل أحياء أخري .. فلا ينجح محل البقالة – أو السوبر ماركت . ويغلق أبوابه .. !
أن الدستور وثيقة ومرجعية سياسية . يُساس بها الوطن . و عندما تكون فئة غير سياسية . من فئات الشعب . تريد فرض ارادتها في الدستور بالقوة وبالتهديد وبالوعيد وعلي الجميع .. هنا فقط المشكلة .
وتتفاقم تلك المشكلة عندما تكون هناك سلطة رخوة , تنصاع لتلك البلطجة , وتكون لها مصلحة سياسية . في اقحام مواد غير دستورية وغير سياسية . في دستور البلاد . ولها مصلحة في أن تترك تلك الفئة غير السياسية , تدق لها مسماراً في جدار الدستور . يشبه مسمار جحا . وتجعل من المسمار حجة دائمة للدخول منه لكافة غرف ومواد الدستور .. للعب بها وتفريغها من محتواها وتسيير الوطن بحاله حسب هوي تلك الفئة .
طريقة تأسيس الدستور الجديد أو تعديل القديم – في توقيت لا يجوز فيه التعديل – بالطريقة التي تسير بها الآن : جلب الناس من مختلف الفئات لأخذ رأيهم – أو لجبر الخواطر ..! – في الدستور . . تذكرني بواقعة قديمة حضرتها حوالي عام 1968 – 1969 ( في عهد عبد الناصر ) ..
وفتها كنت أعمل – بالتعاون الزراعي – موظفاً شاباً . لم أكن قد أكملت 21 سنة . و كان المزارعون يشكون كثيراً من سؤ عمل المقاومة الجماعية لدودة ورق القطن. التي تجري بطريقة تخرب بيوتهم ..
وفي تمثيلية ديموقراطية . جاء للقرية التي كنت أعمل بها . أفنديات من المحافظة ومن العاصمة . لأخذ آراء المزارعين في المشكلة , ومعرفة رأيهم في أنسب الطرق لمقاومة تلك الآفة الزراعية . حفاظاً علي محصول هام . له أهميته في اقتصاد البلاد .
اجتمع الأفنديات بالفلاحين . وتظاهروا بالاستماع لأصحاب الشأن ..
وتكلم الفلاحون – أصحاب الشأن – كثيراً ومنحت الفرصة كاملة للتعبير . وأكد المزارعون علي أن المقاومة الجماعية تؤذي أعواد القطن وتدمر الكثير منها . وقال أحد المزارعين ” أنا دكتور غيطي .. وأعرف أنا وأولادي كيف ننظف حلقلنا من الآفة . امنحونا المبيد عند الحاجة . وسنقوم برشه . ان هذا المحصول فيه قوتنا وكسوتنا . نحن وعائلتنا , ونحن أحرص علي سلامته من مقاومة جماعية تضر أكثر مما تفيد “
استمع الأفنديات للجميع برحابة صدر .. ثم انتهي اللقاء . وذهبوا ..
ثم جاء القرار باعتماد نفس السياسة القديمة . بعكس اردة الفلاحين , بعكس كل ما قالوه وبعكس مصلحتهم !
استفاد الأفنديات بالحصول علي بدل سفر .. وانتقال . وأجر اضافي , وبدلات نقدية أخري …
و الفلاحون فرحوا بأن الأفنديات قد جاءوا خصيصاً الي قريتهم . من المحافظة ومن العاصمة . وأنهم تكلموا معهم براحتهم – ولا همهم – في حضور أتخن الأفنديات …. !!
أما محصول القطن – الضليع في اقتصاد البلاد – فقد كان هو الخاسر .. لأن المشكلة لم تعالج وبقيت كما هي …!
أتمني ألا تكون تلك هي نهاية الحوار والنقاشات المصرية الكثيرة التي دارت وتدور حول الدستور .. محلك سر –
أتمني أن تكون هناك نتيجة أفضل ..
بقول آخر : الدستور ليس لبن العصفور – ولا هو ابرة واقعة في كوم قش – يجب تضامن الجميع في البحث عنه .
كلا .. بل كل الناس التي تفهم معني دستور وتؤمن بوجود دستور للبلاد . يحمي حقوق كل العباد المواطنين .. يعرفون أين هو وبأي الدول يطبق , وأهم ما يجب أن ينص عليه الدستور .
ولكن المشكلة :
فيمن لا يؤمنون بالدستور من الأساس – عدا ما برؤوسهم فقط – . ويجدون من يدعونهم للمشاركة في وضع دستور . ويعملون لهم حساب , ويحرصون علي تواجد هؤلاء الناس .. وعلي استمرار تواجدهم ا!!!