الفاسدون.. يمنعون الشعب في البصرة من تنفس الهواء، بل من كل العراق

فواد الكنجي

الحراك الاحتجاجي الذي يتصاعد في مدينة البصرة منذ أكثر من شهرين؛ مطالبين الحكومة الاتحادية إيجاد حل لأزمة الخدمات التي يعاني منها أهالي المدينة نتيجة تردي الخدمات وانعدام فرص العمل وغياب مقومات الحياة الأساسية؛ ولكن ما يدعو للأسف؛ هو عدم تسجيل أي فعل حكومي وقيام بعمل يوازي حجم الكارثة التي يواجهها المواطنين في مدينة البصرة واتخاذ إجراءات عاجلة لحل الكارثة البيئية الخطيرة التي تعاني منها المدينة هذه الأيام، حيث زيادة التلوث المياه وارتفاع اللسان الملحي بسبب إقدام إيران على ضخ مياه مالحة إلى الجانب العراقي؛ وهو الأمر الذي جعل العراق مضطرا قبل سنتين إلى بناء ساتر ترابي مع إيران عند منفذ (الشلامجة) الحدودي بطول ثمانين كيلومترا لمنع وصول مياه المبازل الإيرانية شديدة الملوحة إلى شط العرب، ولكن هذه المعالجة الوقتية التي قام بها الجانب العراقي ببناء السد الترابي لم يصمد طويلا بعد إن تجمع خلفه بحيرة ضخمة فانهار الساتر الترابي ولم تباشر ألدوله بوضع حلول دائمة لهذه المشكلة، وهذا ما يجعل المد العالي الذي يدفع تلك المياه باتجاه مركز مدينة البصرة فتتلوث مياهها. تراكم أزمات المياه التي تواجه البلاد تتوالى ليكون العراق اليوم على موعد أخر مع أزمة جفاف بعد قيام تركيا ببناء سدود على منابع انهر دجلة والفرات ودون أن تراعي حصة العراق من المياه وتلكؤ حكومة العراق باتخاذ ما يلزم إزاء ما تقوم تركيا من تصرفات غير مسؤولة اتجاه حصة العراق من المياه والتي تشترط بتركيا التزام بها وفق اتفاقيات دولية موقعة بين الأطراف المعنية، والذي سبب بشحه المياه وارتفاع نسبة الملوحة وبشكل ملفت في عدد من المحافظات العراق ومنها عدد من أقضية الفاو وأبي الخصيب جنوبا وشط العرب شرقا، وهي المناطق التي تضررت نتيجة ملوحة المياه وشحتها؛ كما جفت في هذه المناطق العشرات من بحيرات تربية الأسماك ونفقت الكثير من الحيوانات الحقلية وتراجع إنتاج النخيل وهلكت معظم بساتين الحناء؛ بحيث أصيب الواقع الزراعي بشلل شبه تام، إضافة على ما ترتب من انتكاسات جسيمة مست حياة الإنسان ذاته في مدينة البصرة بعد تفشي الأوبئة والإمراض والتي تسببت إلى إصابات الآلاف المواطنين بأمراض معوية جراء تلوث المياه وارتفاع نسب الملوحة بسبب التلوث الحاصل في مياه شط العرب، الأمر الذي وصل بحجم التلوث إلى حدّ انتشار الأمراض

والأوبئة الناتجة عن تلوث المياه بالأملاح والبكتريا الملوثة وعدم صلاحيتها للاستهلاك البشري، ومما أزاد الحالة سوءا هو قيام بعض الأهالي نتيجة أزمة المياه الحادة في الكثير من أحياء المدينة التي باشرت بنقل مياه الشرب إلى المواطنين بمركبات خاصة بـالصرف الصحي لعدم وجود مركبات معدة لنقل المياه تحديدا؛ وهو ما تسبب بحالات تسمم إضافية، وإضافة إلى ذلك وبسبب انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة أدى إلى نزول المياه الثقيلة إلى شط العرب مسببة تلوث كبير، فضلا عن دمج مياه الآبار التي تحتوي على مواد كبريتية بمواد التعقيم فتتكون مواد سامة، إضافة إلى ما سببه تأكل شبكات الأنابيب الناقلة للمياه الخام إلى مشاريع التصفية بالتلوث البكتيريلوجي في المياه، وتأتي هذه الأزمات في ظل ما تشهده المدينة من تفاقم أزمة البطالة وانقطاع التيار الكهربائي وسوء الخدمات؛ لتشهد المدينة موجة عارمة من التظاهرات واحتجاجات التي تشهدها المدينة بين الحين والآخر، احتجاجا على تردي الخدمات وانعدام فرص العمل، وغياب مقومات الحياة الأساسية، لدرجة التي تم لحد إعداد هذا المقال إصابة أكثر من ثمانية عشر ألف مواطن إضافة إلى أربعة آلاف حالة تسمم تم تسجيله في مستشفيات المحافظة وهو الأمر الذي أقرته الجهات الرقابية والمعنية بحقوق الإنسان؛ والتي أكدت بأن الأوضاع الصحية في المدينة خطيرة نتيجة ارتفاع نسبة الملوحة وزيادة التلوث في شبكة المياه التي تغذي المدينة، ورغم مناشدات المواطنين للحكومة المركزية للوقوف علي هذه الكارثة والاطمئنان على أهلها؛ غير إن ما يلفت انتباه المراقبين هو هذا الصمت الذي يلف موقف الحكومة بشأن ما يحدث في البصرة، وباستثناء بعض التحركات والبيانات وتصريحات إعلامية من وزراء الصحة والبيئة والموارد المائية لا ترتقي إلى مستوى الأزمة وأفق حلها وطرق معالجتها، باستثناء وعود بـصرف ملايين الدولارات من دون أي تطبيق على ارض الواقع؛ لان رئاسة الحكومة المركزية في بغداد للأسف تخوض غمار التنافس مع منافسيه في الكتل الأخرى لإعلان الكتلة الأكبر المؤهلة لتشكيل الحكومة والتي تجد منها خير أولوياتها مما يعاني الشعب في مدينة البصرة، إضافة إلى صعوبة اتخاذ إجراءات عاجلة لحل مشكلة البنى التحتية ومشكلة المياه المتفاقمة منذ سنوات طويلة في مدينة البصرة لعدم وجود أي إصلاحية للحكومة لصرف الأموال العاجلة أو اتخاذ قرارات فورية لوجود فراغ دستوري في مؤسسات الدولة؛ وهذا ما يأخذ على النظام البرلماني الذي هو سبب كل الأزمات في العراق؛ ولهذا فان الشعب العراقي يطالب إلغاءه لوجود ثغرات يتطلب إيجاد حلول فورية طارئة؛ كما يحث اليوم في مدينة البصرة حيث ألاف المواطنين يتعرضون لحالات التسمم والدولة عاجزة من إيجاد حلول ومعالجات فورية ومن دون أي إجراء لإنقاذ أبناء المدينة المنكوبة بسبب فراغ الدستوري ومشاكل التي خلفتها الانتخابات وإطالة فترة تشكيل الحكومة والبرلمان؛ ولحين إن يتم تشكيلهما فان معاناة أهالي البصرة ستزداد سوءا نتيجة أزمة المياه التي تعتبر من أكثر الأزمات خطورة تتعرض عليها المدينة، لتفرز هذه الأزمة بأن المدينة تفتقر لأبسط وسائل الرعاية الصحية، لان واقع الحال في مستشفيات المدينة يؤشر بوجود عشرات المرضى يفترشون الأرض، بعد أن غصت المشافي بأعداد كثيرة من المرضى نتيجة حالات التسمم، ليكشف هذا الواقع المرير عن وجود خلل كبير في إدارة الملف الصحي في المحافظة، لذلك يجب إن يكون هناك إجراء حكومي وتحرك سريع وفوري، لان المواطنون في البصرة اليوم يرزحون تحت وطأة حالات التسمم الكبيرة التي تزداد أعداها بالساعات والتي تحتاج إلى استنفار حكومي قد يطول انتظاره أو قد لا يأتي؛ وهو ما يتطلب من الحكومة الاتحادية عدم الاكتفاء بإرسال اللجان والوفود، وتقديم الوعود وتصريحات إعلامية لا تقدم ولا تؤخر من شيء؛ فالمواطنون اليوم يحملون الأحزاب مسؤولية الفساد والمحسوبية وسوء الخدمات والسيطرة على مقدرات الدولة منذ 15 عاما، وهو آت نتيجة النظام البرلماني والذي يعتمد على إدارة ملفات الدولة على المحاصصة السياسية وهو النظام يسمح بخلق حلقات الفساد؛ فلا رابح ولا خاسر في الانتخابات والكل مشترك في الحكومة والجميع معارض وهذا ما زيد من بؤر الفساد في مؤوسسات الدولة وتجعلها منفلته بغياب الرقابة والمحاسبة وهو ما ترتب باستشراء الفساد في كل ميادين الحياة؛ وهذا كله يؤشر بان الوضع يتجه إلى مزيد من التصعيد لاسيما أن الاستجابة لمطالب المتظاهرين في مدينة البصرة من قبل الحكومة المركزية وتنفيذها تحتاج إلى وقت طويل وهو ما يرفضه المتظاهرون في وقت الذي لا توجد حلول حقيقية، فأزمة المياه وتلوثه وملوحته يزداد سوءا وأزمة الكهرباء مستمرة في المدينة وان كل ما تقوم به الحكومة المركزية في بغداد من تقديم حلول ترقيعية التي لم تترجم إلى فعل واقعي في المدينة، ليكون مؤشر قراءة الواقع في مدينة البصرة متجهة إلى التصعيد في وقت الذي تقف مدينة البصرة بخصوصية متميزة بكونها منفذ الوحيد للعراق نحو الخليج العربي فيها موانئ العراق الوحيدة لاستيراد البضائع وتصدير النفط، وهي منبع ثروات العراق النفطية، فيها أكبر حقول النفط و الذي يمثل المصدر لصادرات العراق الوحيد، إذ يتجاوز حجم إنتاج النفط في مدينة البصرة اليومي إلى ثلاثة مليون برميل يوميا؛ ففيها أكثر من خمسة عشر حقلا نفطيا، وهي أشهر حقول النفط بعد حقول النفط في كركوك؛ ليس في العراق فحسب بل في المنطقة ودول العالم، ونذكر منها حقل الرميلة الشمالي و حقل مجنون وحقل غرب القرنة و حقل نهر عمر وحقل الزبير وحقل اللحيس وحقل الطوبة، فالعراق الذي يمتلك احتياطات نفطية هائلة، وثمة 143 مليار برميل من النفط أو أكثر تحت الأرض فان 70 بالمائة منها موجودة في البصرة ومحيطها؛ إذن فليست الثروة هي ما ينقص هذه المدينة وإنما سوء الإدارة في الحكومة المركزية والمحلية واستشراء الفساد ونهب خيرات الدولة وتهريبها؛ هي من تجعل الأوضاع في مدينة البصرة وكل مدن العراق متفاقمة؛ وهذا ما يجعل الملايين العراقيين ينظمون التظاهرات من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، تظاهرات تصب جام غضبها على الأحزاب الدينية التي تسيطر على إدارة ملفات الدولة منذ 2003 والى يومنا هذا، وخصوصا في هذه الأيام حيث أن ولادة حكومة في بغداد متعسرة منذ أشهر وان تشكلت فان الشعب العراقي لن يتوقع منها إي حل لمشكلات التي تعصف بالبلاد لأسباب كثيرة منها :
أنها تفقد لشريعة حقيقية كونها جاءت عبر نتائج مزوره.
وان أكثر من ثمانون بالمائة من إفراد الشعب العراقي قاطع الانتخابات.
وان الوجوه التي تتواجد مجددا في البرلمان هي ذاتها منذ 2003.
وان الفساد صفة لازمت أنشطة البرلمان عبر كل دوراته منذ تشكيله بعد 2003 والى يومنا هذا.
وما إثارته نتائج الانتخابات الأخيرة في 2018 كشفت كل الحقائق؛ وما من أمل – حتى الآن – يلوح في الأفق القريب، لان النخب لا تؤمن بالتغير والإصلاح بقدر ما تنشده لمجرد تسويق إعلامي ليس إلا، فحال مدينة البصرة كحال كل مدن العراق التي تعاني من سوء وتردي الخدمات، مطالبين بتحسين أوضاع المحافظة اقتصاديا وخدميا، وان الأوضاع المتدهورة على كل أصعدة الحياة في العراق مستمرة و لا أمل يلوح في الأفق؛ لان – كما قلنا سابقا – إن الوجوه التي تتنافس لإدارة الحكم في البلاد هي ذاتها، وهي وجوه قد استفلست سياسيا وليس في جعبتهم ما يقدموه لبناء البنى التحتية والفوقية لدولة العراق بقدر ما يبذلوا كل سعيهم وجهودهم من اجل الاستحواذ على أموال العامة وبناء ميلشيات خاصة بهم وشراء الذمم وإقصاء الأخر ليمهدوا لأنفسهم طريق التجديد لولاية أخرى بعد أربعة سنوات، وهكذا دواليك تستمر اللعبة السياسية في العراق عبر نظامه البرلماني الذي دمر قدرات الدولة التنموية والصناعية والزراعية والثقافية والعلمية ليكون الشعب والوطن هو ضحية هذا النظام التي شارك في صياغته دول إقليمية ودولية إرادة من خلاله تدمير قدرة العراق العسكرية والاقتصادية وبسط نفوذهم عبر عملاء أمكنتهم ماديا ومعويا وسلحتهم وجهزتهم بأحدث المعدات والتقنيات العسكرية على حساب القوى العسكرية النظامية التي همشت في الدولة بعد ان تم تدميرها وتفتيتها وحلها بعد احتلال الأمريكان لدولة العراق في 2003 لتجعل قوة الميلشيات المسلحة التابعة للأحزاب الدينية تفوق قدراتها التسليحية قدرة الجيش العراقي النظامي، وهذا ما مهد لهذه للأحزاب السيطرة على كل مفاصل الإدارة في الدولة لتكون هيمنتهم على القرار السياسي للدولة قرارهم يعترضون عن أي قرار يتعارض مع مصالحهم، لتشكل غطرستهم هيكلية دكتاتورية مهيمنة على الدولة بشكل لا مثيل لها في سطوة سلطتهم وقمع إرادة المواطنين ومطالبهم المشروعة؛ والتي جلها هي مطالب معيشية في تحسين الخدمات الصحية والتعليمية وماء وكهرباء ومشتقات النفط والغاز وتخفيف أسعار السلع الغذائية وتوفير فرص العمل متكافئة، وهذا ما أدى إلى احتقان وغليان الشارع العراقي ليس في البصرة فحسب بل في كل مدن العراق لتعج الشوارع المدن بملايين المتظاهرين محتجين لسوء الإدارة واستشراء الفساد ونهب أموال العامة وسوء الخدمات وانتشار الأمراض والأوبئة وشحه المياه وانقطاع الكهرباء وانتشار البطالة والعوز والفقر والجوع والقتل والخطف والتهجير في كل أنحاء العراق، لدرجة التي تكاد تكون التظاهرات ظاهره من ظواهر الشعب العراق لحجم الفاقة والعوز التي تخنق المواطنين وتنكد عيشتهم بالذل والإذلال من قبل زمر سيطرة على زمام السلطة في العراق ليتسلطوا على رقاب الشعب يخنقونهم .. يمنعونهم حتى من تنفس الهواء، فما إن تخمد تظاهرة حتى تفور أخرى مجددا، وهذا هو حال المواطن العراقي منذ عام 2003 والى يومنا هذا، ورغم كل الإشارات التي يرسلها الشارع العراقي لساسة العراق من مقاطعة الانتخابات ومن نقد وإطلاق ألفاظ وشعارات منددة ومتوعدة بهم وبسياساتهم، فان تجاهل الساسة والأحزاب الحاكمة حراك الجماهير وغطرستهم هو هذا الخطأ الذي يقصم ظهورهم لا محال؛ لان صبر الجماهير قد طال ولكن لن يطول لان حكم الجوع سيحكم بتحركاتهم بثورة، ثورة تكسر أغلال العبودية التي كبلتها الأحزاب الدينية الديكتاتورية الحاكمة على الشعب، وان الشعب العراقي في النهاية سيقول كلمته بثورة التغير.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.