وطن السمك وبيته هو البحر , الطيور أوطانها في البراري , أوطان البشر وبيوتهم هو ذلك الشعور بالفراغ الروحي عند مغادرة المكان الأعز
الإنسان الذي يسافر أو يعيش بعيداً عن بيته ووطنه يحن دوماً للعوده , بينما كثيرون ممن هم في بيوتهم وأوطانهم يحلمون بالمغادره , لن يشعر المرء بقيمة البيت والوطن إلا حين يكون بعيداً عنهما
يختلف الناس من حيث رغبتهم العودة الى بيوتهم وأوطانهم , فمنهم من يرغب ومنهم من يحجم , يعتمد ذلك على مقدار الإنتماء , وعلى نوع العلاقات التي تربطه بالمحيطين به . أسوأ بيت ووطن لكل إنسان هو ذلك المكان الذي لم يعد له فيه مكان , ولن يستقبله فيه أحد , ولا ينتظر عودته إليه أحد
اذا كانت العودة الى البيت والوطن طيبه فعلى المرء أن يفعل , وإن كانت الغربة هي المصير فعلى المرء أن يتذكر قول الدالاي لاما بأن المرء وهو ينفتح على العالم عليه أن يأخذ معه أحسن عاداته وتقاليده وثقافاته ولا ينساها أو يتركها للبلى بل يمازجها بأحسن ما في مجتمعه الجديد لينتج منها قيماً متطورة جديده تفيد الإنسانية كلها
اذا كانت الغربة هي المصير فعلى المرء أن يوسّع قلبه ليحب العالم كله ويكون صالحاً منتجاً متفاعلاً مع الخير والإنسانيه في مستقره الجديد وأن يبقى محافظاً على هويته الأولى ولا ينسلخ عنها , وأن لا يكون عالة على مجتمعه الجديد فذلك أكرم للنفس وأكثر حفظاً للكرامه
أطيب لنفس كل إنسان أن يكون له بيت يعود إليه بعد العمل اذ لا أحد يرغب أن يكون واحداً من هؤلاء المشردين الذين يفترشون الأرصفه عند الليالي , حيث لامأوى يعودون إليه , ولا قلب يسأل عنهم , أو يهمه غيابهم أو عدم راحتهم
هناك تشبيه جميل للعودة الى البيت والوطن يقول بأن المرء وهو يعود فهو يشعر كأنه كان ورقة خريف ساقطة على الأرض وبالعودة طارت وإلتحمت بشجرتها وجذورها , بينما من يغادر يشعر كأنه شجرة معمره إقتلعت من جذورها لتزرع في أرض جديده , تختلف فيها رائحة الأرض وطعم الماء ولون الشمس
يزخر الشعر العربي بقصائد الحنين الى الوطن لعل من أشهرها قصيدة ابن زريق البغدادي الذي ارتحل عن بغداد قاصداً الأندلس بحثاً عن الرزق لكنه يمرض ويموت في الغربه حيث وجدت معه قصيدته اليتيمه التي نستمع لها في التسجيل التالي
د. ميسون البياتي