العلمانية في القرآن

المتصوفة بشكلٍ عام يقرون ولاية(الخضر) الوارد ذكره في القرآن مع موسى النبي(سورة أهل الكهف), ويرجع سبب إقرارهم بولايته من أجل رفع مستوى الأولياء والصالحين فوق مستوى البشر مع اعتراف القرآن ضمنا أن الله يوحي ل غير الأنبياء والرسل مثل أم موسى ومريم وحتى النحل الذي أوحى الله إليه, ويؤكد ابن حجر العسقلاني وغيره من علماء السنة على نبوة الخضر لِما ورد في القرآن سورة الكهف(وما فعلته عن أمري), أما الغالبية العظمى من المسلمين العامة منهم والخاصة وباقي العلماء فقد أفتوا بالتوقف عن البحث في المسألة وماهيتها من كونه نبي أم عالم من العلماء, على أن الإجماع بالكامل على أن الخضر عالم من العلماء وليس نبيا أو رسولا مع الاحتفاظ بلقب(ولي) من أولياء الله الصالحين.
ولنرجع إلى الموضوع الأساسي هنا وهو العلمانية في القرآن, فإذا كان الإنجيل أسس للعلمانية من خلال قول المسيح(أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله) فإن القرآن أيضا أكد على علمانية الدين الإسلامي من خلال قصة موسى والخضر الواردة في سورة الكهف وهي أن الله أمر موسى بإتباع الخضر, وهذا الكلام معناه أن على الأنبياء والرسل إتباع العلماء على عكس ما نفهمه في الدين الإسلامي حيث أن سلوك علماء الدين وفتاوى تحث العلماء على واجب إتباع علماء الدين, على أن ما ظهر في القرآن يخالف النص الشرعي المكتوب وهو أن الأنبياء يتبعون العلماء.
من هنا نفهم أنه من الواجب اليوم على كافة علماء الدين السنة منهم والشيعة اتباع مظاهر الحياة العلمانية لِما في عقول العلماء من فوائد للناس لا يعلمها الناس, فإن خالف العلمانيون الدين فعلى الدين أن يتبع العِلم, وعلى المساجد أن تخضع للسلطة العلمية وعلى الدولة أن تخضع للسلطة الزمنية وليست الروحية إذا ما اختلفنا بين ما هو زمني وروحي.
لكن حياة المسلمين اليوم مختلفة كل الاختلاف حيث يحارب العلماء وخصوصا علماء الاجتماع من قِبل رجالات الدين ومن الملاحظ أن أساتذة الجامعات يتركون كراسيهم الدراسية ويتوجهون للمساجد من أجل أن يسمعوا من أفواه الخطباء في المساجد.
المهم والأهم في الموضوع أنه على الإسلام اليوم أن يقرَ بعلمانية الدين الإسلامي ليس من خلال قصة الخضر وحدها بل أيضا من خلال قصة تلقيح النخيل التي اخطأ فيها نبي الإسلام وقال للقوم( أنتم أعلم بأمور دنياكم).
والعلمانية ليست فصل الدين عن الدولة وإنما هي أيضا استبعاد رجال الدين من الدولة , فلم يعد أحد يحكم بأمر من الله إلا في الدول العربية الإسلامية حيث يمدحون الحكام بقصائد الشعر وهذا ما لا يحدث مطلقا في الدول المتقدمة ويحملون صورا للملوك ورؤساء الجمهوريات ويسيرون بها في الشوارع ويدعون للحاكم بنهاية كل نشرة أخبار, وإذا ما دخلنا مؤسسة حكومية نجد في داخلها مسجدا وفي كل وزارة وفي كل شارع هنالك مسجدا, يبدو أن موضوع التمسك بالدولة الدينية يجلب طالع السعد في الدول العربية ذلك أن دولة مثل السعودية تكسب كل عام 35 مليار دولار أمريكي فقط من مواسم العمرة كل شهر وما يقارب 120 مليار دولار سنويا من موسم الحجيج حسب ما هو متوقع عام 2022م.
ومفهوم العلمانية يختلف من دولة إلى دولة فهنالك دولة علمانية لا تجبر أحدا على اعتناق دين آخر, وهنالك دولة مثل الأردن تحمي الدين المسيحي والإسلامي ولكن تقاوم تحول العابرين من المسيحية إلى الإسلام ومن الإسلام إلى المسيحية مثل شركة باصات اربد عمان وبالعكس, وكذلك يختلف مفهوم العلماني من رجل إلى رجل آخر كأن نجد علمانيا ملحدا لا يؤمن ولا بأي ديانة وهنالك علماني مسلم وعلماني مسيحي هذا يؤمن بدينه ولا يدخل موضوع الدين في حياته العملية وذلك مثله, وهنالك من يشبك ويخلط الأمور بعضها بعضا, بينما السعودية في موسوعتها العلمية لتعريف المصطلحات تعتبر التيار العلماني تيارا الحاديا ويحاسب عليه القانون ويُجرمه, بينما في الولايات المتحدة العلمانية تخدم الدين بحيث كل الناس أحرارا باختيار أديانهم ومعتقداتهم شريطة عدم تدريس الدين في المدارس نظرا لأن كل فصل من فصول المدرسة يوجد به طُلاب مدارس من مختلف الأديان والإثنيات العرقية والإثنيات الثقافية فمن المستحيل الانحياز لديانة على حساب الديانة الأخرى وبالمقابل كل عائلة حرة في إرسال أبنائها إلى أي دار من دور العبادة سواء أكانت كنائس أم مساجد أم معابد وهياكل يهودية..إلخ, أما في الدول العربية فالموضوع مختلف تماما حيث أغلبية الناس تنتمي إلى الديانة الإسلامية وبالتالي الدول التي تؤكد على أنها علمانية لا تجد حرجا من اعتبار مادة التربية الإسلامية مادة أساسية في المناهج التربوية.
ويبقى الحال على وضعه فموسى اتبع الخضر والخضر ولي وعالم وليس نبيا ولا رسولا ويؤكد القرآن على صحة هذه القصة وبالتالي يجب على الناس اليوم أن يتبعوا علماء الاجتماع والخبراء الفنيون الاجتماعيون في تقعيد الحياة القانونية المدنية وعلى رجال الدين من شيوخ الأزهر ومكة والمدينة المنورة أن يذهبوا إلى الجامعات العلمية لإبداء الرأي حول المسائل الاجتماعية تماما كما خرج العالم من تفسير الظواهر الفلكية من الدين إلى العلم, وإذا كنا سنصوم رمضان هذا اليوم أم غدا فعلى المتنبئ بالأرصاد الجوية أن يفتي لوزير الأوقاف وأن يأخذ المفتي منه الأمر هل غدا عيد رمضان أم بعد غدٍ ومتى هو اليوم المتمم من شهر رمضان هل هو اليوم أم الغد, ومتى سيبدأ الأول من شوال ؟ هل هو غدا أم بعد غد؟ومتى سيتم فصل ملك المملكة السعودية عن خادم الحرمين؟ هذا ما نتوقع حدوثه في السنوات القادمة.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.