العلاقات الأسرية بين الماضي والحاضر

Annegret Raunigkfamilyتمتازُ حياتنا العصرية بكثرة مشاغلنا وكثرة أعمالنا حتى لو كنا عاطلين عن العمل الرسمي فدائما ما نجد أعمالا من الممكن أن نملئ فيها وقت فراغنا, على عكس الحياة القديمة وطبيعتها, حيثُ كنا أو كان أجدادنا يعانون من قلة الأعمال والأشغال وهذا على غير ما يتوقعه الناس العوام حيث يتبادر إلى أذهان الناس العوام بأن حياة أجدادنا وأسلافنا كانت مليئة بالعمل وبالنشاط وبالحيوية وهذا اعتقادٌ خاطئ 99%.

كانت أيام الحصاد معدودة وأيام الحرث معدودة وهكذا هي الحياة وكان الناس طوال النهار يجلسون في بيوتهم وهم يعانون من البطالة وقلة الأعمال, لذلك كانت أيضا الروابط الأسرية قوية نظرا لكثرة أيام البطالة وهذا كان ينعكس إيجابيا على حياة الناس حيث كانت كثرة أيام البطالة تؤدي إلى الانغماس الشديد بالتعارف وبالتجاذب فكانت الناس ترى بعضها كثيرا وتتحدث كثيرا وهذه ميزة كانت تعمل على خلق بيئة اجتماعية ومجتمع تكافلي بامتياز, على العكس مما نلاحظه اليوم, حيث ساعات العمل طيلة الأسبوع كثيرة جدا وطويلة جدا والأقارب لا يرون بعضهم إلا ما ندر جدا لذلك العلاقات الاجتماعية بين الناس وبين الأهل والأخوة ليست متينة بل متراخية نظرا لعدم رؤية بعضهم البعض.

وكانت الناس قديما تعتمد على اليد العاملة لذلك كانوا ينتجون طعامهم باعتمادهم على اليد العاملة ولهذا السبب كان الأقارب والأخوة والقبيلة الواحدة دائما متراصون مع بعضهم البعض في الحقول الزراعية من حيث الحرث والحصاد وجمع الثمار ولهذا السبب كانت العلاقات الاجتماعية قوية نظرا لأنهم يعملون بيد واحدة , على خلاف ما هم عليه الناس اليوم, فاليوم العلاقات الاجتماعية ضعيفة جدا جدا والسبب معروف وهو أن الناس لم تعد تعتمد على اليد العاملة بل على (الآلة), الآلة اليوم دخلت الحقول الزراعية ودخلت إلى المصانع وما ينتجه أفراد القبيلة كلهم مجتمعون في أسبوع تستطيع الآلة إنتاجه في ساعة أو في يوم واحد, وكان من حق ابن العم الزواج من ابنة عمه نظرا لتكاتفهم في الإنتاج بفعل اليد العاملة ولم يكن بمقدور والد العروس أن يرفض لأنه سيتسبب بتفسخ العلاقات الأسرية وبالتالي سيصاب بالجوع نظرا لأنه لا يستطيع أن ينتج غذاءه وحده بعيدا عن يد الجماعة, ولكن بعد فترة تبدلت الأحوال الاقتصادية وتغيرت العلاقات الأسرية, وبما أن الآلة تنتج مئات أضعاف ما ينتجه الإنسان لهذا السبب لجأ الإنسان إلى الآلة وترك أقاربه ولذلك العلاقات الاجتماعية القبلية اليوم ضعيفة جدا, ولكن الدول العربية تُبقي عليها وتحافظ عليها كبديل عن الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدنية.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.