هل يتنحّى؟

paulshawol

بول شاوول

لطالما كتبنا، وفي هذه الزاوية بالذات، وقبل شهور عدة ان «داعش» منذ ظهوره «المدوي» هو من «صنائع» وابتكارات إيران ونظام الأسد كما كانت حال «حزب الله» عند فبركته المشتركة بين نظامَي الملالي و«البعث». الأول صنيعة «سُنيّة» (تباركها اسرائيل طبعاً)، والثاني مثيلتها «الشيعية» أعطاه العدو الصهيوني الأضواء الخضراء ليمضي «مرتاحاً» إلى سوريا «لإنقاذ النظام».

وطبعاً، كما هي العادة، فقد غطت جماعة «الممانعة» هذا الحلف «المقدس» بين داعش وإيران بغبار مموّه كثيف من حملات إدانة واتهام بالإرهاب والتكفير. صدّق كثير هذه الأكذوبة، إلى درجة راحوا يتهمون السعودية (و14 آذار) بأنهما وراء هذا التنظيم البربري. لكن ومع تطور الأحداث بدأت العلاقة تتضح أكثر فأكثر: داعش يتجنب مواجهة «حزب الله« وهذا الأخير ركز تركيزاً أساسياً على محاربة «الجيش الحر«؛ وعندما اندلعت معارك القلمون ومنذ أن اطلق حزب سليماني صفارة «الجهاد» ضد «التكفيريين» في هذه المنطقة، ظهر «داعش« وراءه، داعماً، ومهاجماً الفئات «العدوة» أي «الجيش الحر« والثورة، مع هذا بقي «العُهر» سلطاناً عند هذا الحزب، واستمرت «شعاراته» تقول لنا إنه يخوض معركة ضد أهل التكفير (وكذلك التفكير: أي خميرة الثورة السورية: «الجيش الحر«) لكن الوقائع بدأت تتبدى أكثر فأكثر بين تآلف إيران + البعث+ «حزب الله« و«داعش«، عندما وبشكل واضح وسافر عمد النظام مؤخراً إلى دعم «داعش« في حلب بالطيران ضد الثوار. هكذا بلا لبس ولا ثورية. «حزب الله« هو الصنيعة «القروية» يتكئ على دعم «داعش« له. رائع! و»كل تكفيري وارهابي للتكفيري والارهابي «نسيب». انكشفت أوراق هذا الحزب على العيان وأمام وسائل الإعلام.

انكشفت ورقة ورقة. وموقعاً موقعاً. ورصاصة رصاصة. الحلف الإيراني الأسدي (وراءهما اسرائيل)، يستجلبان «داعش« إلى الحدود اللبنانية ويرفعانه «بعبعاً» وأداة لتنفيذ مؤامرة ضد «عرسال». أكثر: الحلف الثنائي ووراءهما «حزبهما» الأثيري»، يريدان أن يورطا الجيش لمواجهة «الجيش الحر« والمسلحين في جرود عرسال والقلمون. يعني ذلك، انهما يستجران الجيش اللبناني للانضمام إلى صفوف «داعش«. إذاً، يكون جيشنا عندها «داعشياً» من جهة وإيرانياً أسدياً من جهة أخرى. وعهدا هذه المهمة إلى حزبهما العميل الذي نظم حملة مذهبية شعواء ضد الجيش اللبناني ذهبت إلى حد اختراع «لواء القلعة» من عشائر بعلبك. وتصبح المعادلة عندها مُثلثة: حرباً مذهبية بين أهل عرسال وبعلبك، تهديد الجيش بالانقسام، وغزو هذه البلدة العروبية اللبنانية الشماء، وتهجير أهلها، ونهب بيوتهم وتدميرها لتأمين ممرات إلى «الكانتون العلوي» ونظن أن هذا «اللواء المذهبي المبتكر» الذي يختزل انتماء العشائر إلى لبنانيتها، هو فزاعة، مطلوب، استخدامها، لترهيب أهل عرسال، والضغط على الجيش في ظل مؤامرة تقسيمية نرى انها من صلب أهداف انشاء «داعش» و«حزب الله«.

[نبرات فاجرة

ونسمع ونقرأ ونشاهد «مرتزقة» الحزب في وسائل الإعلام، وبهذه النبرات الفاجرة، تستحضر خطاب السيد حسن نصرالله الأخير. ووراء عنف اللهجة وإصرارها نتكهن مدى إلحاح إيران نفسها على تنفيذ مخططها التقسيمي ومؤامراتها المزدوجة على لبنان وسوريا. فاليوم بات عندها أكثر من «حزب الله«. عندها «داعش» و»الحشد الشعبي» و»حراس الثورة» و»أنصار الله» و»القاعدة» جبلّة اختلطت فيها «كيميائيات» مختلفة: من أقصى الشيعية التكفيرية (الملالية)، إلى أقصى السنية الإرهابية (داعش) تدعمها أقصى الصهيونية تطرفاً (ليكود).

وهنا نتساءل: ماذا يهيئ حزب خامنئي للبنان؟ هل يسعى إلى غزو عرسال لتأمين الخط المفتوح للكانتون الأسدي؟ هل يريد أن يربط «شيعة» البقاع الغربي بعلويي الأسد (وماذا تبقى منها)؟ أو ان هذه ليست سوى مجرد مقدمات، لاستنساخ التجربة الحوثية في اليمن، ونقلها إلى لبنان؟ أي اسقاط لبنان كله في أتون حرب، لا تُبقي ولا تذر! نحن نعرف ان الحزب هم حوثيو لبنان، وان حوثيي اليمن هم «حزب الله« وان دور عبدالله الحوثي هو دور السيد حسن نصرالله: اغتصاب السلطة، تفكيك الجيش، تدمير الدولة ومؤسساتها، إحداث فوضى سياسية وأمنية، واستكمال رسم الهلال الصهيوني (يسمونه خطأً الهلال الشيعي) بغطاء «سني» تكفيري هو «داعش«. فما اروع جمع التناقضات؛ وما أفظع عقد العملاء والقتلة! وإذا كان الرئيس الخليع المخلوع علي صالح استخدم نفوذه في الجيش اليمني ليقسمه ويحوله ميليشيا رديفة للجيش (كما حصل مع الجيش اللبناني في 1975 فوزع على الميليشيات المذهبية سلاحه الثقيل ومدافعه وذخائره) فإن «حزب الله« متماهياً بالميليشيات اللبنانية السابقة وبخيانة علي صالح، يسعى إلى تحويل الجيش اللبناني من عقبة في وجه مخططاته التكفيرية والإرهابية، إلى أداة. (نجح في ذلك في عدوانه المجيد في 7 أيار وفي استخدامه الجيش ضد العشائر البعلبكية في الضاحية، بديلاً من الحزب). وعندها لا يبقى جيش ولا من يجيّشون. ولا عسكر ولا من يعسكرون: تصبح كل الطرقات سالكة لإعلان الحزب حربه «الحوثية» على لبنان. ومن أجل هذه الأهداف (الصهيونية الفارسية) ها هو الحزب «يجيّش» كل ما عنده في الإعلام، وصولاً إلى الحكومة. فعندما يٌضرب الجيش لا بد أن تلحقه الحكومة (بعدما سبقهما «الشغور» الرئاسي) والبرلمان (معطلاً منذ سنوات)، وهكذا تكتمل دائرة الفراغ. حُلم السيد حسن نصرالله يتحقق. ويا لفرحة نتنياهو (سبق أن عبرّت اسرائيل عن فرحتها بدور «حزب الله« و«داعش« التدميري للعالم العربي)، ويا لفرحة سليماني هذا النازي اللامع بنازيته!

[أكبر من الحرب

لكن يبدو أن هذه المسألة، باتت أكبر من «حزب الله«، وبني فارس لسبب بسيط ان هذا الحزب عاد إلى لبنان (القلمون وعرسال) مهزوماً في سوريا، تماماً كالنظام الذي ذهب لتعويمه فازداد غرقاً، وذهب لإنقاذه فخسر كل شيء! الخاسر أي الحزب يعود ليسجل انتصاراً على لبنان. لم تعد المسألة لا حماية «مقام السيدة زينب» (هذا الغش المضحك)، ولا ربح معركة هنا، أو موقعة هناك. خسر الحزب الحرب وعاد يعوّض خسارته بربح «رمزي» في معركة. وماذا ينفع النصر في المعركة (إذا تمّ) عندما يخسر الحرب.

يذكرنا «حزب الله« اليوم بحال هتلر في أيامه الأخيرة: بعد خسارته الحرب، ووجود الروس على بعد أمتار من مخبئه الأرضي، ازداد «جنوناً»: معركة واحدة مقابل الحرب! مقابل ألمانيا. (نتذكر صرخة مكبث عندما اندحر وسقط عن حصانه وصرخ «المملكة مقابل حصان». من هتلر، إلى «مكبث» (الطاغية في مسرحية شكسبير) كأن «عرسال» هي حصان الحزب الأخير. كل «أمجاده» تهاوت وراءه. ودماء الشباب الشيعي اللبناني المهدرة ما زالت تصرخ الانتقام منه بعدما ورّطه في هذه الحرب. لكن كلما خسر الحزب حرباً في الميدان «يربحها» في إعلامه. يربحها بينه وبين نفسه، ثم يستثمرها انتصاراً سياسياً، تحت إرهاب سلاحه، ويهلل له من وُجد ليهلل له، ويكبّر «تفوقه»، على كل قوة في الأرض. من أميركا إلى أوروبا إلى إسرائيل… وطبعاً إلى السعودية. كأن الحزب ينتصر حتى من دون حرب. ولأنه مكتظ «بالأنبياء» و»العرّافين».. ها هو يعلن أن حربه «الوهمية» استباقية. وليزيد «خرافيته» خرافية، وهلوسته هلوسة، يزعم في كل مغامرة غير مضمونة أنه يدافع عن لبنان، يحارب مع حليفه «داعش» دفاعاً عن لبنان. يحارب مع النظام السوري دفاعاً عن لبنان. يحارب في اليمن والعراق دفاعاً عن لبنان. حارب إسرائيل «تحت إمرة ولاية الفقيه» دفاعاً عن لبنان. اعتبر أنه جنود في حزب الملالي دفاعاً عن لبنان. وها هو اليوم، وبكل «جهوزية» (نتذكر مسرحية «جحا في القرى الأمامية»)، والجهوزية بالنسبة إليه، استجلاب كل ما هبّ ودبّ إلى لبنان: كل خطر، وكل جنون مذهبي، وكل تحريض. فبـ «داعش« نبني لبنان، وبتأليب عشائر بعلبك نصنع وحدة وطنية، وبالتهديد والترهيب نصنع حواراً. وكل ذلك بات اليوم مظاهر ضعف وخسارة ووَهن. استغل الشباب الشيعي حتى الأولاد (أعمارهم 14 و15 سنة)، واستنفد استغلاله. نضب دم المقاتلين وتكبد خسائر فادحة، فها هو يستنجد بـ «داعش» ثم يستنجد بالعشائر، ليحول بعضهم «حشداً» شعبياً على غرار «الحشد الشعبي» في العراق الذي ظهر أنهم قاموا بنهب المنازل، وقتل الأبرياء، وتحطيم المقامات، وإشاعة الفوضى، والخراب، والرعب، ليؤدي ذلك إلى موجة نزوح سكاني كثيف. «الحشد البعلبكي» و»الحشد الداعشي» يتوسلهما الحزب لتحقيق آخر «أمنياته» الجليلة، بفرض واقع تقسيمي يصيب الأرض والجيش والناس. إنه الحشد الطالع من اليأس. «حشد اليأس»: فقد ذهب إلى سوريا بمقاتلين وأسلحة بمهمة «جهادية» مذهبية، وعاد بخُفَي «داعش»، و»لواء القلعة»، وكأنك تسأل أين صار مقاتلو «حزب الله« اليوم؟ في أي بقعة من سوريا؟ في أي معركة؟ في أي موقع؟ ذاب الحزب في سوريا، تهالك، تَنْهًنه، تقطّعت أوصاله، وها هو يعود إلى لبنان وكأنه ذهب ولم يعد إلاّ بسواه. حلّ سواه محله، لأن محله قد احتل. عودة المحبط القانط الذي جعل منه قنوطه مجنوناً، ضائعاً، يبحث عن دور ولا يجده إلا عند سواه («داعش« اليوم)، يخسر في المواقع ويخليها لسواه. انهزم في درعا، وفي حلب، وفي حمص، وفي تدمر، وإدلب، وها هو يعود وكأنه لم يعد. أم لم يعد وكأنه عاد. بلا ظلاله. يجد نفسه مستجيراً، مستجيراً، هو ونظام الأسد ووراءهما إيران. لم يعد من تبقى من شراذمه كافياً، ولم يعد ما تبقى من «هالاته» لامعاً، عاد بألوان رمادية، سوداء باهتة، وبأعلام ليست أعلامه. تماماً كالنظام الذي فقد كل شيء، ولم يتبق له سوى إسرائيل و«داعش«.. وأوباما. تقنّع بسواه، أي بـ «داعش«، فغذاه، لاستخدامه (كما فعل مع الإرهابي شاكر العبسي في نهر البارد)، والتلطي وراءه. وهذا ما قاله وزير الدفاع في الحكومة السورية الموقتة «أن لدى نظام الأسد 180 شخصية قيادية في «داعش». فَقَدَ جيشه، فاعتمد على صنائع الإرهاب. خسر سوريا فسمح لداعش بالوصول إلى السويداء لتسهيل نشوب فتنة مذهبية. وسلّمه تدمر، كل تدمر، ومناطق واسعة، وها هو يدعمه بطيرانه في حلب ضد الثوار. فليأخذ «داعش» ما يشاء من الأراضي الواسعة (تماماً كما سلّم في السابق الجولان لإسرائيل)، وليأخذ هو رقعة ساحلية متواضعة لبناء دوليته المذهبية. وهكذا يحقق أمنية إسرائيل القديمة، ومساعي إيران: تقسيم المنطقة: «بعدي الطوفان». تدمير كل شيء: بعدي الخراب. فقدان الحكم: فلتذهب سوريا واستبقي من فُتاتها ما يكفي لإعلان جمهوريتي. صغُر الطموح البعثي. من دور «كبير» في لبنان، العراق وفلسطين، إلى رقعة في سوريا لا تعادل أكثر من 20 في المئة من مساحتها. ومن الهيمنة على كل الشعب، إلى «الهيمنة» على فئة مذهبية. صغُر الحلم حتى صار أصغر من أصحابه. وما يفعله «حزب الله« اليوم في القلمون، يصب في هذا الاتجاه. فالخاسر الأكبر في سوريا يستنجد بما تبقى من الشباب العلوي لحماية كانتونه الجديد، في مؤامرة تقسيم فظيعة، و«حزب الله« يستنجد بالعشائر البعلبكية، ليرسم حدود دويلته القائمة. من مشروع إيران الكبرى إلى الدويلة السورية الصغرى، والكانتون الحزبي الأصغر. من موجة التطوع والتطويع من شيعة العالم، إلى التطوع والتطويع بـ «داعش«. من التجنيد الطوعي عند المضللين، إلى اللجوء إلى القاعدة. لتكون المعادلة الإرهابية هذه المرة أوسع لكن مفلتة.

متضاربة المشاريع. تبلبلت الأمور، عند «ذوي الألباب»، واختلطت الأهداف، وتداخلت المؤامرات. وصار المزيج الكيميائي والفيزيائي من المواد المتنافرة، ينفصل وهو يتصل، ويتصل وهو ينفصل. إنها مرحلة الاستجارة عند الحزب والنظام، «كالمستجير من الرمضاء بالنار»! لكن أين المفر؟ الأوضاع التي قلبتها إيران انقلبت عليها وعلى رؤوس «حزب الله« والنظام السوري، حتى بتنا نبحث عن رؤوس ولا نجدها: أفي القلمون رأس «داعش«، أم رأس الحزب؟ من يفكر عن من؟ من يتقدم من؟ من يقطف من؟ لكن، وبرغم كل ذلك فالاتصال «القسري» ما زال مطلوباً، خصوصاً عندما انفضح كل شيء. لكن الغريب، أن «حزب الله« ما زال يدوي بصريخه أنه لا يقبل أن يبقى تكفيري واحد في القلمون وعرسال. غريب. يتحالف مع من سماهم تكفيريين، ثم يزعم أنه يحارب التكفيريين. أصمّ آذاننا بضرورة التصدي لـ «داعش«، وإذا به «رفيقه» في الجهاد وفي همجية «داعش«، لتدمير الآثار، وقطع الرؤوس، وضرب الحضارة، ليتبين أنه جزء من «داعش«.

[الشيخ صبحي الطفيلي

ماذا يعني كل ذلك، أن الحزب الذي ورّطته إيران في سوريا بات جزءاً أساسياً من عدّة إرهابات: «داعش« + القاعدة + النظام البعثي + ولاية الفقيه، وصار، علناً، فرعاً من فروع التكفيريين. بل كأن قوة اندماجه في هذه «الإرهابات» لم تترك له مكاناً خاصاً. بات جزيئية من بانوراما تكفيرية واسعة حتى فقد ما تبقى من دوره في لبنان. بل أكثر، فإن المسؤوليات التي تتحملها هذه الإرهابات بجرائمها، والبراميل المتفجرة، والكلور، والكيميائي، والمجازر، لا توفر هذا الحزب الذي بات عنصراً من هذه العناصر الإجرامية. وهذا يعني أيضاً، أن المحاسبة التي سيتعرض لها هؤلاء… لن ينجو منها «حزب الله«. وها هو الأمين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي، وانطلاقاً من هذه الاعتبارات يطالب بتنحي كل من تورّط في «المحنة السورية»… مطالباً السيد حسن وخامنئي بالاستقالة. وهي المرة الأولى التي يطالب فيها من هو بمقام الشيخ صبحي الطفيلي ومكانته بمحاسبة نصرالله… مطالباً إياه بأن ينزاح عن قيادة «حزب الله«، مفسحاً للمجال لجيل آخر، لعله يصلح ما تخرّب.

إنها بداية الغيث. أي نهاية بداية السقوط!

* نقلا عن “المستقبل”

مواضيع ذات صلة: بول شاوول يرّد على زياد الرحباني

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.