يقول شميدت في كتابه ” اصل فكرة الله” 1912، أن فكرة الله بدأت بتصور بدائي عن الاله قادر خلق العالم ويسير شؤونه عن بعد ولكن لم يرتبط هذا الاله بدين معين ولم يتمثل في مفاهيم معينة. (أرمسترونغ، ص17، 1996). فالله البدائي لم يكن الاله متدخل في حياة البشر كان اله يراقب وفقط، هذا ما جعل الانسان يتخلى عن هذا الاله ويبحث عن اله فعال له القدرة على توجيه تصرفات البشر وقيادة حياتهم، كان الدين نزعة انسانية بحثا عن قيمة الحياة وإعطاء معنى لها.
يؤكد معظم الباحثين صعوبة تعريف الدين، غير انه هناك بعض النقاط المشتركة بين الاديان منها الايمان بوجود اله او طبيعة خارقة، ولكن المؤكد ان التوجهات الدينية تختلف باختلاف المواقف الاجتماعية
(Loewthal, k, pp. 5-7, 2006)..
فبعد تبني الانسان للفكر الديني وجد الانسان ان الدين لا يسمح فقط باعطاء قيمة للحياة ولكنه يسمح بالحفاظ على هذه القيمة كما تتصورها الجماعة وبالتالي فهو وسيلة فعالة في نقل الموروث الثقافي وعناصره عبر الاجيال ليس هذا فقط بل والحفاظ على هوية المجتمع وتمييزه عن باقي المجتمعات، ولعل المحتوى الرمزي للعادات والطقوس المختلفة التي ترتبط بالدين و الذي يعكس اللاشعور الجمعي للمجتمع خير دليل على ذلك، وهنا يمكن الحديث عن فكرة ديركايم حول الدين، والذي يعتبره كنظام من المعتقدات والممارسات المرتبطة باشياء مقدسة، والدين بالنسبة لديركايم وُجد بتجمع الافرادا ضمن جماعات هذا التقارب بين الافراد خلق ما يسمى بالدين والذي يمكن اعتباره كاسقاط للمعتقدات الجماعية ” معتقدات مستوحاة مما هو جماعي، أو ما تم اعتماده ضمن جماعة” على اشياء خارجية ” اشياء مقدسة”.
فكل مجتمع يخلق دين خاص به وبدون هذه القوة الرمزية وبدون اسقاطات الدين داخل العقل الجمعي للشعب فان المجتمع لا يمكن له البقاء، وفهو يرى ان الدين هو الروح التي توحد بين الرجل والمرأة ضمن نفس المشروع الاجتماعي.
(Baum, 1996, p. 103)
يتضح من هذه الرؤية أن الدين لم يكن الا ضرورة اجتماعية يسمح بضمان انتقال عناصر الهوية الاجتماعية (التقاليد والعادات، الطقوس، اللغة، المعتقدات الروحية حول مفهوم الحياة…)، وبذلك الحفاظ على هوية المجتمع و استمراره، واذا افترضنا ذلك، قد يسمح لنا هذا بفهم التحول الذي مس المجتمعات الأوروبية وكيف كيفت هذه المجتمعات الفكر الديني مع رؤيتها للمجتمع الذي طمحت به، فبعد ان تطور العقل البشري وأصبحت تطلعاته تتعدى مطامح الكنيسة وقد تتعارض معها، تراجعت ضرورة الدين كسيرورة تسمح بالحفاظ على هوية المجتمع وتحول الدين الى امر شخصي ذو طابع فرداني يدخل ضمن الهوية الفردانية للشخص وبذلك فقد مكانته الجوهرية في سيرورة بناء المجتمع، وهذا قد يرجع كذلك لتغير فكر المجتمع الحديث الذي يهدف الى تطوير المجتمع نحو الافضل وليس المحافظة عليه وبالتالي فان الدين الذي كان يعتبر ضروري للحفاظ على هوية المجتمع عبر الزمن ليس له ضرورة الآن، وفسح المجال امام العقل البشري الذي استغنى عن السماء لمعرفة اسرار الكون و اصبح العقل بذلك خاتم الانبياء.
المراجع:
– أرمسترونغ، ك.(1996). الله والانسان: على امتداد 4000 سنة من ابراهيم الخليل حتى العصر الحالي. ترجمة محمد الجورا. دار الحصاد للنشر والتوزيع.سوريا.
– Baum, G.(1996). L’avenir de la religion : Entre Durkheim et Weber. Nouvelles pratiques sociales. Vol. 9, N01, Pp 101-113.
– Loewenthal, K. (2006). Religion, Culture and Mental Health. New York: Cambridge University Press