عندما أسأل رجل مسلم يتعامل مع المسيحيين في العمل, عندما أسأله عن سلوكهم يقول لي بصوت خافت: والله إنهم جماعه حقانيين, وبعطوك حقك على داير مليم, وعلى دوز بار, وعندما يريد أي شخص سب المسيحيين نراه يرتفع بصوته عاليا: الله يلعنهم. إننا تعودنا على الكراهية بصوت مسموع وعلى المحبة بصوت خافت غير مسموع, إننا نخجل من أنفسنا عندما نريد أن نتحدث عن أصحاب الديانات الأخرى حين نكتشف صدقهم ومحبتهم, لذلك نخفض صوتنا لا شعوريا , إن تربيتنا الدينية عودتنا وعلمتنا على أن كل الناس ضالين ولن يشموا رائحة جنة الله, وبأننا وحدنا على طريق الحق وغيرنا على طريق الضلال, ولكننا نُصدم عندما نتعامل مع اليهود عن قُرب أو مع المسيحيين عن قُرب, فنخفض أصواتنا عندما نمدحهم لكي لا يسمع أحدٌ بخيبتنا.
ومن عادات أهلنا المسلمين أنهم إذا أرادوا أن يشتموا أمريكيا وإسرائيل فإنهم يشتمونهما بأعلى ما عندهم من صوت ويقدمون أغلى ما لديهم في سبيل سب وشتم أمريكا وإسرائيل , أما إذا أرادوا مدح أمريكيا وإسرائيل فإنهم يخفتون أصواتهم لدرجة أنه من الصعوبة بمكان أن تسمع أصواتهم وهم يمدحون ويتغزلون بجمال أمريكيا, حدث هذا ليلة الأمس حين كنت في سهرة عائلية عند أحد الأقارب حيث جلس على الطاولة التي أجلس عليها أحد أقربائي القادمين من أمريكيا , وبعد قليل ازداد عدد الجلوس على الطاولة وبدأ الحديث عن أمريكيا, وكان طبعا القادم من أمريكيا يسب بأمريكا علنا ويفضل عليها الدين الإسلامي ويصف الأمريكيات بالعاهرات والرجال الأمريكان بالقردة والخنازير, فقلت له:
-إذا أنت تسب أمريكيا ولست راضيا عنهم فلماذا تعيش بينهم؟ أنت هربت من بلدك إلى أمريكيا لأن وطنك لا يوفر لك الحياة الكريمة, ولو كانت الحياة الكريمة متوفرة لك في بلدك لَما تركت بلدك وهاجرت إلى أمريكيا.
عندها دافع الرجل عن بلده ودينه وقال بصوت مرتفع وكان بنفس الوقت يراقب نظرات الناس له ليتأكد من مدى إعجاب الناس بكلامه: نحن لا نُطبق الإسلام في بلدنا, ولو طبقنا الإسلام في البلدان العربية بالشكل الصحيح لكنا أفضل بكثير من أمريكيا وإسرائيل وأوروبا . والمهم في الأمر بعد أن تحدثنا قليلا سألته عن غير قصد قائلا له: بشرفك أيهما أفضل العرب أم الإنكليز؟ يعني: المسلمون أم المسيحيون, الغرب أم الشرق, عندها خفض صوته كثيرا واقترب بفمه من أذني اليمين حيث كان جالسا عن يميني , وهو يراقب عيون الناس من حولنا ليتأكد بأن أحدا لن يستطيع سماعه غيري, ثم قال هامسا: بدك الصحيح؟ فقلت له: اممم, فقال: والله كل شيء عندهم أحسن من عندنا, المدن الشوارع الهندسة المدنية, المحاكم النظام الصحي, كله أفضل.
فابتسمت وقلت له: أنا هذا الآن مش موضوعي وليس أصلا بالنسبة لي موضوعا للنقاش, الموضوع عندي هو أنك عندما كنت تسبُ أمريكيا كنت ترفع صوتك ليسمعك آخر رجل في الصالة, والآن وأنت تمدح أمريكيا أراك تمدحها بصوت خافت, لماذا يا رجل كل هذا السلوك والتصرف؟ لماذا لا ترفع صوتك عندما تمدح أمريكيا؟.
هذه الملاحظة أينما ذهبت ألاحظها حتى عندما يمتدح المسلمُ الديانة المسيحية نراه يقول عنها كل كلام جميل ولكن بصوت خافت, وبإمكانك عزيزي القارئ أن تلاحظ هذه الملاحظة عندما تسأل أي قادم من إسرائيل لتسأله عن إسرائيل ليقول لك بصوت خافت عند مدحها: والله بيني وبينك إنهم جماعه حقانيين. وهذه الجملة أسمعها بصوت خافت عند أكثرية القادمين من أمريكيا حيث يقولون بصوت منخفض عندما يريدون المديح: بيني وبينك؟ والله إنهم جماعه حقانيين.
أو يقولون لك بصوت أكثر انخفاضا: بدك الصحيح؟ والله إنهم أحسن منا وجماعه حقانيين.