كثر اللغط في الآونة الأخيرة حول مفردات : العرب والعروبة , ودخل هذا اللغط في اتجاهات شتى يمكن تلخيصها فيما يلي :
1 – ترديد مقولة استشراقية غير موضوعية ترى ان العرب مجموعة من البدو جاؤوا من صحراء نجد ليحتلوا العراق و الشام في اطار الفتوحات الاسلامية .
و القراءة الموضوعية للتاريخ _ اعتمادا على المؤرخ نقولا زيادة _ توضح ان العرب موجودون ديموغرافيا وسياسيا وثقافيا في حوض الفرات ودجلة وبلاد الشام منذ الأف الثاني ق. م .و كانت لهم ممالك قضى عليها الآشوريون والكلدان في الالف الاول ق . م . و منها :
– مملكة جندب العربية في العراق
– مملكة الحضر العربية في العراق
– مملكة الرها العربية في بلاد الشام
– مملكة عزيز في انطاكية الشام
و في مرحلة تالية نرى الممالك المزدهرة و ابرزها تدمر و الانباط العربيتان . ثم تأتي مرحلة ممالك المناذرة و الغساسنة و كندة , ناهيك عن ممالك اليمن الحضارية المعروفة.
و كانت القبائل العربية تشكل النسيج البشري الأوضح في العراق والشام قبيل الفتح الاسلامي , الى جانب السريان الآراميين , و كان البيزنطينيون يشكلون نسبة ضئيلة جدا كقوة احتلال اوربية . الى جانب الوجود العربي النبطي شرق مصر بين النيل و البحر الاحمر.
و كانت القبائل العربية في الشام و العراق تدين بالمسيحية , سواء اكانوا نساطرة ام يعاقبة , و ابرزهم : بكر و تغلب و نمبر و تنوخ و غسان .
2- ان عرب الجزيرة العربية لم يكونوا جميعا من البدو الرحل , فهناك مدن : مكة و يثرب و الطائف و مدن اليمن و البحرين و الخليج . و هذه المدن كانت لها تجارتها وحضارتها , و منها خرجت موجات الفتوحات التي طردت الاحتلال الاوربي البيزنطي من الشام , و الاحتلال الفارسي الساساني من العراق .
3- ان الواقع العربي المتردي و المهترئ بأنظمته و ارتباطاته المشبوهة و فساده الواسع لا يعني التعميم على المواطنين العرب , و من هنا جاء استعمال مفردة : “العربان” للتحقير , و كأن كل عربي نموذج للفساد و اللصوصية و التخلف و الاستبداد , شأن انظمة حكمه , وكثير من المواطنين العرب يمارسون جلد الذات احتجاجا على هذا الواقع العربي المزري , و هم المواطنون المغلوبون على امرهم تهميشا و رفضا و قمعا”.
4- ان الانتماء الوطني لا يستند الى العرق و الدم , و لكنه انتماء حضاري بمظلته الثقافية والتاريخية و لغته العربية التي تمثل ذلك الرابط الوطني والحضاري . و هذا يعني ان مواطني الدول العربية ليسوا بالضرورة من اصول عرقية عربية , بل ان اللغة العربية هي اللغة الوطنية التي تؤكد الانتماء الحضاري , مع احتفاظ كل مكون بلغته الأم و خصوصيته الثقافية , و ذلك من اكراد و تركمان و امازيغ و سريان و شركس … و سواهم .
و ليس في العالم مجتمع نقي عنصريا , كما تزعم بعض التيارات النازية و الصهيونية و الشوفينية , و مثالا على ذلك المجتمع الامريكي الذي يضم عشرات الاعراق والاصول مع احتفاظه بهوية المواطنة الامريكية , و باللغة الانكليزية لغة وطنية .
5- ان الحضارة العظيمة التي انتجت ملايين الكتب العربية في شتى مجالات المعرفة لم يكن اصحابها من العرق العربي فحسب . بل كان انتماؤهم الحضاري و الثقافي عربيا , و كتبوا باللغة العربية , و هذا ينطبق على علماء و شعراء مثل : ابن سينا و الفارابي و الخوارزمي و البيروني و الخيام و ابي نواس و بشار بن برد و مهيار و سيبويه و الفيروز آبادي , و كثيرين سواهم لم يكونوا من العرق العربي , و لكنهم ابناء الثقافة العربية. و هكذا نفهم اليوم الانتماء العربي حضاريا وثقافيا , بعيدا عن العصبية القومية الضيقة الفاشية التي فرقت الشعوب والبلدان , و خلقت صراعات نحن في غنى عنها.
6- يجب ان ننتبه ان هناك موجة جديدة من الشعوبية , ترتدي الرداء الشوفيني البغيض و المتخلف ,و تعلن عداءها و كراهيتها لكل ما هو عربي , بلا مبرر موضوعي , وليست الشعوبية حدثا طارئا في تاريخنا , و لكننا نجدها اليوم متشعبة المشارب و الامزجة و الاقطار و الدوافع . و يبقى الاحترام المتبادل , و قبول الآخر , و الحوار السمح الراقي ضرورة لكل فهم حضاري يعيد لمجتمعاتنا التوازن السياسي و الثقافي و الاقتصادي المهزوز . لعلنا نستعيد بعض دورنا في لعبة الامم .