بقلم د. عماد بوظو/
عادت قضية الرق والعبودية في الإسلام لساحات النقاش خلال السنوات الأخيرة نتيجة ظهور ممارسات جديدة لها، بعد حظرها دوليا قبل عدة عقود، كان آخر هذه الحوادث التقارير الصحفية التي تحدثت عن أسواق الرقيق في ليبيا عام 2017، حين ظهر في تقرير مصور لشبكة “سي أن أن” بتاريخ 14 نوفمبر- تشرين ثاني 2017 عملية بيع لشابين إفريقيين بالمزاد العلني بمبلغ 400 دولار للواحد منهما، مما لفت نظر العالم إلى ما يحدث ومما أدّى لاكتشاف تجارة رقيق على نطاق واسع هناك، تقوم بها ميليشيات مسلحة وضحاياها هم الإفريقيون الذين يأتون إلى ليبيا للعبور منها إلى أوروبا.
وندّدت رئيسة منظمة أطباء بلا حدود جوان ليو في رسالة مفتوحة للزعماء الأوروبيين: هل ستكون الحكومات الأوروبية مستعدة لتحمل ثمن الاغتصاب والتعذيب والعبودية؟ لن نستطيع الادعاء أننا لم نكن نعلم، كما دان مجلس الأمن بالإجماع في 7 ديسمبر- كانون أول 2017 العبودية في ليبيا، وقبلها ما قام به تنظيم داعش في سوريا والعراق عندما كان يبيع النساء للاسترقاق والاستعباد الجنسي في عمليات مصورة وموثقة تظهر فيه “السبايا” وكل واحدة تحمل لوحة مكتوب عليها ثمنها بالدولار الأميركي، وكذلك ما كان معروفا عن انتشار الرق في موريتانيا خصوصا بعد تسجيل لإحدى ضحاياه (حابي منت رباح) التي قالت فيه “اختبرت تجربة العبودية، في الخامسة من العمر كنت أمضي كل وقتي في العمل على رعاية الماشية وأتعرض للاغتصاب بشكل يومي كنت أعتقد حينها من دون فهم أن ما يحدث لي هو أمر طبيعي”. وكان الناشط الحقوقي الموريتاني بيرام ولد الداه أعبيدي، الذي صنفته مجلة فورن بوليسي الأميركية أحد الشخصيات المؤثّرة لعام 2014 والذي اعتقلته السلطات الموريتانية في خريف 2014 بسبب إطلاقه حملة لمنع العبودية، وصفتها الحكومة بأنها تمس بسلامة الأمن العام داخل البلاد، قد قال إن نسبة العبيد في موريتانيا 20% من السكان، بعدد يقارب 500-600 ألف نسمة، وتتحدث بعض التقارير عن أن 10% من سكان موريتانيا هم من النساء العبيد اللاتي يلدن عبيدا جدد نتيجة حالات الاغتصاب شبه اليومي لهن، وهؤلاء الأطفال يشكلون 73 بالمائة من أبناء طبقة الأرقاء حسب منظمة نجدة العبيد الموريتانية، كما مارست حركة الشباب الصومالية العبودية في مناطق سيطرتها، وكذلك هناك العبودية في السودان وخاصة خلال حرب الشمال والجنوب وحرب دارفور، والتي يتجنب السودانيون في الشمال الذين مارسوها الحديث عنها، كما كانت هناك تجربة حديثة للعبودية وهو ما تقوم به حركة بوكو حرام في نيجيريا حيث يتم بشكل منّظم اختطاف المواطنين من مناطق أخرى، وكان أكبرها ما قامت به الحركة باختطاف أكثر من مئتين من طالبات الثانوي في مدينة شبوك شمال نيجيريا في 14 نيسان 2014، وهناك الاستعباد الجنسي في أفغانستان حيث يتم تقديم فتيات عذراوات لعائلات أخرى كفدية حتى تراضيها ولا يتم هناك معاملتهن كزوجات بل كعبيد. وهناك الاستعباد الجنسي للصبية والأطفال من عمر 10 حتى 18 سنة لاستغلالهم جنسيا مقابل المال ويطلقون عليها اسم البازي باشا أو لعب الغلمان، وكل هذه الأطراف التي تمارس هذه العبودية تقول إنها بممارساتها هذه تطبق تعاليم الإسلام.
هناك في الهند والصين وإفريقيا جنوب الصحراء ومناطق أخرى بالعالم ما تطلق عليه منظمات حقوق الإنسان الدولية اسم العبودية المعاصرة، والتي تعني العمل لساعات طويلة بظروف صعبة وبمردود مالي هزيل وخاصة لسداد ديون كبيرة، أو إرسال الأطفال لسوق العمل بإجور بسيطة وفي بيئة غير مناسبة فقط للتخلص من أعبائهم المادية، ويضمون لقائمة العبودية المعاصرة هذه من يقومون بالخدمات المنزلية خصوصا في الشرق الأوسط والتي تتحدث بعض التقارير عن تعرض نسبة منهم لسوء المعاملة وللاستغلال الجنسي من قبل أصحاب العمل، كما تنضم لهذه القائمة الكثير من حالات الزواج القسري عبر العالم والتي تصنف اليوم باعتبارها شكلا من أشكال العبودية خصوصا للصغيرات في السن، لكن هذه الحالات من العبودية المعاصرة أو ذات الأسباب الاقتصادية رغم قسوتها تختلف عن العبودية التقليدية التي تطبقها الجماعات الإسلامية.
العبودية التقليدية هي امتلاك إنسان لآخر واعتباره من المتاع وحرمانه من حقوقه الأساسية، ويتم توريثه للأبناء مثل بقية الممتلكات. العبودية لازمت الحضارة الإنسانية منذ بداياتها، كانت قبل الإسلام بآلاف السنين واستمرت معه وشملت كل الحضارات القديمة من السومريين والمصريين القدماء ومن الصين لليونان والرومان حتى أميركا. وقد استمر هذا النوع من العبودية حتى العصر الحديث إلى أن تم حظره قانونيا على مستوى العالم في القرن العشرين، في الإسلام حللت المذاهب الإسلامية الرئيسية الرقيق، ورغم أن العبيد يعتبرون بشرا حسب الشريعة الإسلامية ومن المطلوب إحسان معاملتهم غير أن الأحوال لم تكن كذلك دائما، وثورة الزنج في منتصف القرن الثالث الهجري، والتي استمرت أربعة عشر عاما والتي أشعلها العبيد في منطقة البصرة الذين كانوا يعملون في ظروف قاسية في تجفيف المستنقعات ونقل الملح لقاء وجبة طعام فقط، تعتبر مؤشرا على ذلك. استمرت العبودية طوال تاريخ الإسلام كما كان حال بقية العالم في ذلك الوقت، ولكن في الإسلام كان هناك مجموعة من الآيات والأحاديث النبوية التي شرحت ونظمت ووضعت القواعد الشرعية للتعامل مع الرقيق والجواري، والتي أصبحت مع الوقت جزءا من التراث الديني المقدس، واعتبر أغلب الفقهاء أن المطلوب دينيا السير على خطاها وعدم مخالفتها باعتبارها سنّة السلف الصالح.
لذلك في العصر الحديث عندما حظرت الشرعة العالمية لحقوق الإنسان الرق والعبودية بكل أشكالها ووقعت عليها دول العالم بما فيها الدول الإسلامية، واجهت المرجعيات الإسلامية مأزقا حول كيفية الالتزام بقانون إنساني وضعي يمنع حسب ما يقول بعضهم ما حلّله الله، ولتبرير الالتزام بهذه القوانين الدولية الجديدة التي تمنع الرق لجأ رجال الدين لأساليب مختلفة، فمؤسسة الأزهر استندت على الآيات والأحاديث التي تدعو إلى عتق رقبة أي تحرير إنسان من العبودية للتكفير عن بعض الأخطاء، للتدليل على أن الإسلام كان يسعى لتقييد العبودية، وقد استنتجوا من ذلك عدم ممانعته إبطال العمل بها عندما تكون الظروف مناسبة، كما قالت مؤسسة الأزهر أنه يوجد مبدأ فقهي يقول أن بإمكان الحاكم تقييد المباح، ومنه تعطيل آيات الحدود والرق، أي اعتبروا موضوع حظر الرق قرارا حكوميا وليس حكما شرعيا، ووصفوا ما قامت به الحكومة بأنه تعطيل العمل بالعبودية وليس إلغائها باعتبارها بالأساس مباحة، كما كان موقف الأزهر مترددا مثل ما حدث خلال المباحثات بين الأزهر والفاتيكان والكنيسة الإنجليكانية مطلع عام 2014 لمكافحة العبودية، والتي نفى الأزهر توقيع الوثيقة التي صدرت بنهاية الاجتماع باعتبار مندوب الأزهر للمباحثات الشيخ الدكتور محمود العزب غير مفوض بالتوقيع قبل مراجعة رئاسة مؤسسة الأزهر لبنود هذه الاتفاقية.
أما المراجع الفقهية السعودية فقد عبروا بطريقة مختلفة: “لقد انتهى الرق تقريبا في عصرنا هذا، ولم يعد هناك عبيد ولا إماء لأسباب معروفة وهذا لا يعني إبطال أحكام الرق إذا وجدت أسبابه كالجهاد بين المسلمين والكفار فإن نساء الكفار المحاربين يكونون سبايا تنطبق عليهم أحكام الرق وملك اليمين، وإن أبطلته قوانين أهل الأرض”، حسب ما قال بإحدى الفتاوى عبد الله بن غديان وعبد الرزاق عفيفي وعبد العزيز بن عبد الله بن باز، حتى أن فقهاء آخرين قالوا: “يندر الآن وجود الرقيق بالمعنى الشرعي الذي يجوز معه ما ذكر من أحكام الاستمتاع ونحوها وذلك لتخلي عامة المسلمين عن فريضة الجهاد في سبيل الله منذ زمن بعيد مع ما يعانونه من ضعف وذل ومهانة أمام أعدائهم الكفار، حتى وقعت الكثير من الدول التي أكثر شعوبها من المسلمين البروتوكول الخاص بمنع الرق والعمل للقضاء عليه والمحرر في مقر الأمم المتحدة عام 1953”. وهؤلاء يعبرون عن الأسف لعدم وجود الرقيق حاليا ويعزون سبب ذلك لضعف المسلمين، ويضعون الرق باعتباره الحلال الذي اضطرّوا للتخلي عنه إلى حين، أما الجهات الأكثر تطرفا ومنظرو الفكر الجهادي فموقفهم واضح ومعلن بتحليل الرق باعتباره من صميم العمل الجهادي ولا قيمة عندهم للقوانين والمواثيق الدولية التي يكفي أنها من صنع البشر.
رغم الصور المخجلة لبيع البشر كعبيد في ليبيا والعراق وسوريا وقصص معاناة الرقيق والسبايا مثل حالة الموريتانية حابي والتي لا يستطيع ضمير أي إنسان قبولها تحت أي ذريعة، نرى موقف أغلب رجال الدين الإسلاميين خجولا وضعيفا في التعامل مع هذه المآسي الإنسانية ولا نسمع منهم مفردات الرفض والاستنكار للعبودية من حيث المبدأ، بل أقصى ما استطاعوا الذهاب إليه هو تقييد وتعطيل مشروط للعمل بها سببه الالتزام بقوانين دولية، والذي يرى بعضهم أن سببه هو ضعف وهوان المسلمين اليوم بسبب تخليهم عن فريضة الجهاد!
شبكة الشرق الأوسط للإرسال