سردار أحمد
الفوائد التي قدمها الإسلام للعبيد ج3
المعاملة (الحسنة):
استكمالاً للحلقتين الماضيتين وفي معرض الحديث عن تحسين أحوال العبيد والرأفة بهم، والتي يدّعي المسلمون بأنها امتياز إسلامي، نجد في التاريخ امتيازات ما كان للفكر الإسلامي التوصل لها في ذلك الوقت، فنقرأ عن:
البابليين في القرون (18- 6 قبل الميلاد) وعن الطريقة التي كانوا يتعاملون فيها مع العبيد، في قصة الحضارة ص411، نجد أن العبد: “كان له على سيده أن يؤدي عنه أجر الطبيب، وأن يقدم له كفايته من الطعام إذا مرض أو تعطل عن العمل أو بلغ سن الشيخوخة. وكان من حقه أن يتزوج بحرّة فإذا رزق منها أبناء كانوا أحراراً، فإذا مات مَن هذا شأنه كان نصف أملاكه من حق أسرته…”، وفي الرق ماضيه وحاضره لعبد السلام ترمانيني نقرأ أنه في بابل لم يكن العبيد تعساء وكان السادة يعتنون بعبيدهم ويعلمون أولادهم مهنة من المهن ويتخدون لهم مكانا لتعاطيها ويتركون لهم نصيب من الأرباح.”
وعن حياة اليونان والعصر الذهبي والعمل والثروة في أثينة والأحرار والعبيد نجد في قصة الحضارة ص2134 أنه في القرن الخامس قبل الميلاد: “اشتهرت أثينة بحسن معاملة عبيدها، وكان من المعروف أن العبيد في أثينة الديمقراطية أحسن حالاً من الأحرار الفقراء في الدويلات الألجركية، وكانت ثورات العبيد نادرة في أتكا وإن كانت مما يخشى وقوعه القائمون بالأمر فيها. ومع هذا فإن ضمائر الأثينين لم تكن ترتاح إلى وجود الرق في بلدهم، وإن الفلاسفة الذين يدافعون عن هذا النظام ليظهرون في وضوح لا يكاد يقل عن وضوح من ينددون بهِ أن ما طرأ على الأمة من تطور أخلاقي قد جعلها أرقى من نظمها الاجتماعية…” وكذا في كتاب حكمة الغرب ج1، وعن اليونانيين وحياتهم في القرن الخامس قبل الميلاد كتب: “يمكن القول على وجه الإجمال إن جموع العبيد في المدن لم تكن تعامل بقسوة متعمدة.”
ومن النظريات الفاضلة عبر التاريخ نجد في القرن السابع قبل الميلاد في قوانين دولة ليكورجوس وارث عرش إسبرطة (جنوب اليونان): “هناك نوع آخر من العبيد وهم أولئك الذين يقومون بأحط أنواع الأعمال وأقساها في بلد آخر ويفضلون أن يكونوا عبيداً في يوتوبيا، ويعامل هؤلاء الأفراد معاملة حسنة، ويكادون أن يعاملوا بنفس الرقة التي يعامل بها تقريبا المواطنون، فيما عدا بانهم يكلفون بقد أكبر قليلاً من العمل،.. وإذا أراد أحدهم الرحيل وقلما يحدث ذلك، فلا يحتجزونه على غير إرادته، ولا يتركونه يرحل خالي اليدين.” (المدينة الفاضلة عبر التاريخ- ماريا لويزا برنيري، ترجمة د. عطيات أبو السعود)
و”في روما القديمة حين كانت مدينة صغيرة تعيش حياة بسيطة فكان هناك رقابة على التقاليد والأخلاق يمارسها حاكم مخصوص فإذا وجد سيدا يسيء معاملة رقيقه نهاه وزجره ومن أهان عبدا كان يلقى عقابا. فكان الرقيق يتمتع بشخصية إنسانية وكانت حياته مضمونة وكان السيد يعطيه حصة من المحصول.. ويجير له التزوج وإليه ينتسب أولاده. (الرق ماضيه وحاضره- عبد السلام ترمانيني)
في قصة الحضارة- قيصر والمسيح- الزعامة- القانون الروماني- قانون الأحوال الشخصية نقرأ عن بدايات الميلاد في ص3663 أن: ملك روما أنطونينس بيوس “حرم السادة القاسين من عبيدهم، وقيد تعذيب العبيد في المحاكمات بقيود شديدة، وفرض أشد العقوبات على كل سيد يقتل عبداً له”… وفي ص3610 نجد أنه: في عهد نيرون على الأرجح، على الأسياد أن يحكموا على العبيد بأن يقاتلوا في المجتلد إلا إذا وافق على ذلك موظف كبير. وأجاز نيرون للعبد الذي أسيئت معاملته أن يلجأ إلى تمثاله ويحتمي منه، وعين قاضياً لينظر في شكاوي أمثال هذا العبد- وكان ذلك تقدماً متواضعاً لرومة كأنه انقلاب ثوري، لأنه فتح أبواب المحاكم للعبيد. وقد جعل دومتيان خصي العبيد للأغراض الجنسية جناية، وحرم هدريان ملاك العبيد مما كان لهم من حق قتل عبيدهم دون موافقة الحكام، وأجاز أنطونينس بيوس للعبد الذي أسيئت معاملته أن يحتمي في أي معبد، وقرر أن يباع مثل هذا العبد إلى سيد آخر إذا أثبت أنه لحقه ضرر. وشجع ماركس أورليوس الأسياد على أن يعرضوا على المحاكم ما لحقهم من الأضرار على أيدي العبيد، بدل أن يقتصوا منهم بأنفسهم. وكان يرجو أن يحل القانون والحكمة بهذه الطريقة محل الوحشية والانتقام الفردي. وآخر ما نذكره من الإصلاحات أن مشترعاً عظيماً في القرن الثالث هو أبليان Uplian جهر بما لم يجرؤ على الجهر به إلا عدد قليل من الفلاسفة، وهو أن “الناس أكفاء بحكم قانون الطبيعة”. وقال غيره من المشترعين إن من القواعد المقررة أنه إذا كان ثمة شك في أن رجلاً ما حر أو عبد كانت الشكوك كلها مؤيدة لحريته.
في التوراة: رغم وجود عقدة أفضلية العبرانيين واليهود على سائر الشعوب، لكن نرى بعض الفوائد المقررة للعبيد غير موجودة في الإسلام، ففيها نجد فيما يخص العبد الهارب في الإصحاح23 من سفر التثنية: {(16) لا تُسلِّموا عبداً لجأَ إليكُم مِنْ مَولاهُ، (17) بل دَعوهُ یُقيمُ عِندَكم في الموضِعِ الّذي یختارُهُ ویَطيبُ لَه في مُدُنِكُم. لا تُرهِقوهُ.}. في الإسلام نقرأ عن العبد الآبق أي الهارب في صحيح مسلم: “أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم”. وأيضاً: “إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة”، وفي الترغيب والترهيب للحافظ المنذري – كتاب الصلاة: ” ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم هم له كارهون”. وفي الجامع الصغير بجلال الدين السيوطي نقرأ عن النبي قال: أيما عبد مات في إباقة دخل النار وإن كان قُتِلَ في سبيل الله.”
والعبد في الموسوية معفى من العمل يوم السبت وهو يوم راحة له، حيث نجد في سفر الخروج- الإصحاح20، الوصايا العشر: {(8) أذكر يوم السبت وكرسه لي (9) في ستة أيام تعمل وتنجز جميع أعمالك (10) واليوم السابع سبت للرب إلهك. لا تقم فيه بعمل ما، أنت وأبنك وأبنتك وعبدك وجاريتك وبهيمتك ونزيلك الذي في داخل أبوابك.} لكن في الإسلام العبد معفى من العبادة يوم الجمعة كي لا ينشغل عن خدمة سيده، ذكر عن العبد في البحر الرائق- باب صلاة الجمعة: “حتى أنه لا يصلي صلاة الجمعة كي لا ينشغل عن خدمة سيده.” وعن النبي قال: الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض. (المناهج القويم باب صلاة الجمعة… و فتاوي الأزهر- المسافر وصلاة الجمعة-ج9 ص33)
تقول التوراة في سفر الخروج، الإصحاح21 عن القتل والضرب: {(20) إذا ضرَبَ أحدٌ عبدَهُ أو جاريَتَهُ بقضيبٍ فماتَ تحتَ يَدِهِ، يُنْتَقمُ مِنهُ. (21) وإذا عاشَ يومًا أو يومَينِ فلا يُنتَقمُ مِنهُ، لأنَّ العبدَ ماُلهُ. (22) إذا وَقعَ خِصامٌ وصدَمَ أحدُهُم امرَأًة حُبلى فسَقط الجنينُ مِنْ دونِ ضرَرٍ آخَرَ، فليَدَفعِ الصَّادِمُ الغرامَة اّلتي يَفرِضُها علَيهِ زَوجُ اَلمرأةِ بِمُوافَقةِ القُضاةِ. (23) وإن وقعَ ضرَرٌ على اَلمرأةِ فنفْسٌ بِنفسٍ، (24) وعينٌ بِعينٍ، وسِنٌّ بسِنٍّ، ويَدٌ بِيدٍ، ورِجْل برِجْلٍ، (25) وحَرْقٌ بحَرْقٍ، وجُرْحٌ بجُرْحٍ، ورَضٌّ بِرَضٍّ. (26) وإ ن ضرَبَ أحدٌ عينَ عبدِهِ أو جاريَتِهِ فأتَلَفها، فلْيُحَرِّرْهُ بَدل عينِهِ. (27) وإن أسَقط سِنَّ عبدِهِ أو جاريَتِهِ فلْيُحَرِّرْهُ بَدل سِنِّه.}
ولو أردنا متابعة البحث والنظر فقط في الإيجابيات نجد أنه في اليهودية العبد العبراني يخدم ستة سنين وفي السابعة يخرج حراً، وعلى سيده اليهودي أن لا يطلقه فارغاً {وحين تطلقه حراً من عندك لا تطلقه فارغاً، تزوده من غنمك ومن بيدرك ومن معصرتك، كما باركك الرب إلهك تعطيه.}
وكما ذكر سابقاً في الإسلام لا يقسم للجواري والعبيد، ولا يلزم معاملة الإماء بالتساوي، لا في المأكل والمشرب ولا في الكسوة ولا في المعاشرة، ولا توجد قيود تقيد السادة المسلمين في ذلك. في التوراة- سفر الخروج باب معاملة العبيد: {إن تزوج بامرأة أخرى فلا ينقص طعامها وكسوتها ومعاشرتها.فإن أخل معها بواحدة من هذه الثلاث تخرج من عنده حرة بلا ثمن.}
في الأسفار اليونانية المدونة قبل الميلاد- باب النصائح: “(20) لا تعامل بالسوء عبداً يخلص في عمله، ولا أجيراً يتكرس لخدمتك، (21) أحب العبد الفهيم كنفسك، ولا تنكر له حريته.”
وفي الأسفار اليونانية- باب معاملة العبيد: ” النير وما إليه لتدجين الحيوان، والعصا والكرباج للعبد الشرير. (28) أجبره على العمل لئلا يتكاسل، والكسل يعلم كل أنواع الخبث. (29) العمل هو كل ما يليق به، فإن لم يطع ثقل عليه القيود. (30) لكن لا تبالغ في عقابه ولا تفعل شيئاً خارج العدل. (31) عامل عبدك كنفسك، لأنك اقتنيته بعرق جبينك، (32) عامله كأخيك.”
في الصين “أصدر الإمبراطور: كوانجوان الصيني في سنة 35 بعد المسيح مرسومين ملكيين يعرض فيهما، لوقاية حياة الرقيق وشخصه، وضمنهما عبارات، تشف عن كمال مروءته وعطفه نحو أرقاء مملكته. فقد جاء فيهما: أن الإنسان هو أفضل، وأشرف المخلوقات، التي في السماء وعلى الأرض، فمن قتل رقيقه، فليس من سبيل في إخفاء جرمه، ومن تجرأ وكوى رقيقه بالنار، حوكم على ذلك بمقتضى الشريعة، ومن كواه سيده بالنار دخل في إعداد الوطنيين الأحرار.” (تقريع العصا في الرق والنخاسة والخصا)
وعن البوذية ووصايا بوذا الخمسة بخصوص العبيد: التعاليم هي أن لا يعذب العبيد ويشغلهم فيما لا طاقة لهم به، إن لا يشغلوهم إن كانوا مرضا، أن يحرروهم بعد فترة من الخدمة، أن لا يستأثروا بطعام شهي دون العبيد.
وفي كتاب الرق ماضيه وحاضره- عبد السلام ترمانيني نقرأ: “في مصر القديمة كان الرقيق يعامل برقّة ولطف، وقد جاء في كتاب الموتى الفرعوني (عن بردية آني بالمتحف البريطاني) أن رحمة الله تَسَعُ العبيد، وأنه لا ينبغي أن تُساء معاملتهم، وكانت شريعتهم تحمي العبد من الاعتداء والأذى، فمن قتل عبداً قتل به. وتقرر ديانة المصريين أن الميت عند محاسبته أمام محكمة أوزوريس، يشهد على نفسه أنه لم يَسْعَ في ضرر عبده….في الهند يقضي قانون مانو “بحسن معاملة العبد، ويرتكب السيد ظلماً إذا أساء معاملة عبده، فالعبد ظلّ سيّده، وعلى السيد أن يصبر عليه، ولو أصابه مكروه. وللسيد أن يقتّر على نفسه، وليس له أن يقتّر على عبده إذا كان يؤدي عمله. تقول بعض الكتب عن تاريخ الهند: إذا كان هناك من فرق بين الخدم وبين العبيد، فذلك أن هؤلاء أقرب إلى أفراد الأسرة من الخدم، ولا يمكن لأحد أن يميزهم عن الأحرار.”
في النهاية ليست غاية ما كتبته البرهان على أن العبيد في الحضارات الأخرى كان وضعهم ممتازاً، فمجرد وجود مفهوم العبودية والرق يعني الغبن والظلم وانتفاء المساواة ما بين البشر في الحقوق والواجبات، لكن ما كتبته هو رد للذين يقولون أن: “الإسلام لم يشرع الرق بل نظم أوضاعا كانت موجودة قبل الرسالة وعمل في نفس الوقت على إلزام المسلمين بأفضل طرق المعاملة للرقيق ماداموا موجودين.” وللذين يمتدحون فقه الرق في الشريعة الإسلامية ويقولون متبجحين: “هل رأيتم مثل هذا”.
فليس من المنطق بشيء أن يقوم البعض في يومنا هذا بتعظيم الإسلام واعتباره مناسباً لكل زمان ومكان لمجرد أن الإسلام أوصى بإطعام العبيد ونادى بعدم ضربهم ضرباً مبرحاً!! ذلك ليس من مبادئ الحرية والكرامة والإنسانية والمجتمع المدني، والذين يعتقدون أن قوانين السبي واغتصاب السبايا هي تشريعات إلهية منزلة من عند الله ما هم سوى فئة ضالة جاهلة عالة على البشرية، فالله لا يشرع للاستعباد، والقوانين التي كانت موجودة قبل الإسلام بمئات وآلاف السنين وجِدت أكثر إيجابية ورحمة، والتشريعات الإسلامية كان المفروض بها أن تكون أكثر تقدماً، لكن يبدو أنها توقفت أو تراجعت للخلف.
بغض النظر عن التفاصيل، المجتمعات والحضارات القديمة التي لم تحرم العبودية في ماضيها حرمت ونست ومحت العبودية ومظاهرها، واليوم أصبحت أكثر مدنية، إلا المنهج الإسلامي فلا زال (مرغماً حسب القرآن وكتب الفقه) ينادي بالجواري والسراري والعبيد والغلمان وأمهات الأولاد، ويتحدث عن أحكامهم.
هناك أناس اليوم وللأسف بدلاً من أن يفكروا بطرق منطقية وجدية للخروج من أزمتهم وحالتهم المميزة كآخر شعوب العالم، يبحثون لتبرير الماضي بأي شكل، وليست لديهم الشجاعة للاعتراف بالأخطاء وليسوا مهيئين لتحمل نتائج التصحيح، وفي النهاية هم اليوم يعتبرون الحديث عن الجواري والسراري في الكتب والقصص والحكايات والمسلسلات أداة تسلية وضحك ومتعة وسعادة، وكأن ذلك يرمز للهوية القومية والدينية، ووضعهم التعليمي والثقافي لا يسمح لهم بأن يسألوا أنفسهم عن ماهية الموضوع، ولا عن أسباب الفساد الأخلاقي الذي كان لدى خلفاء وأمراء المسلمين الذين كانوا يمثلون الدين والرسول في قمة الهرم.
يــــتــــبـــع