الضمير الديني والضمير المدني !!!
عبد الرزاق عيد: الحوار المتمدن
الغرب قضى قرونا للانتقال من (الضمير الديني إلى الضمير المدني) ، فهو عندما يرفض الكذب والسرقة مثلا .. ليس بسبب التحريم الديني، والثواب والعقاب الإلهي، بل بسبب (الضمير المدني) الذي يرفض ببداهة الحس المدني السليم وعقده الاجتماعي والثقافي والحقوقي،يرفض الكذب والسرقة والكثير من الرذائل…
في مجتمعاتنا الإسلامية، توقف المجتمع المدني التنويري والنهضوي عن النمو منذ القرن الرابع الهجري، فحل الفقهاء والوعاظ محل الفلاسفة والحكماء …ولذا توقف فكرنا الفلسفي المنتج للأخلاق المدنية عند كتاب ( مسكويه ) …حيث المرجعية الأشعرية التسليمية ستحل محل السببية العقلانية المعتزلية …..
وسيحتل الإمام الغزالي عرش العقل العربي والإسلامي حتى اليوم بعد أن طرد الغزالي ابن رشد من فضاء الفكر العربي والأسلامي بكتابه (تهافت الفلاسفة )… حيث يضطر فيه الشيخ القرضاوي (بابا العالم الإسلامي ) أن يعتذر من الغزالي لاهتمامنا كمسلمين بعلوم الصناعة والميكانيكا، لأن أعداءنا يتحدونا بها ويغالبونا بمكرها ومكرهم ، فيجبرونا على الأخذ بأسبابها …
أي أن الأعداء هم الذين يجبرونا على تعلمها، وذلك على حساب أشرف العلوم وهي ( علوم الدين )، ولهذا فنحن مجبرون على تعلم الرياضيات وعلوم الآلة والميكانيا والطبيعيات مع أنها من العلوم المنحطة حسب الغزالي والقرضاوي ….
ولهذا شعرت بالذعر البارحة عندما سمعت أن وزيرا أخوانيا أو إسلاميا سيحتل منصب وزارة التربية والتعليم … ولهذا صرخت من ألمي الداخلي : فلنعط ولنرض الإخوان المسلمين كحلفاء بما يشاؤون من الوزارات الفنية والتقنية إلا التعليم والثقافة …وذلك مراهنة منا على ما ينقص مجتمعنا من الضمير المدني، وأهمية تنمية الضمير الديني كوازع ورادع أخلاقي بديل، وربما سيطلب ذلك عقودا أو قرونا لبناء الضمير المدني المحض كما هو في مجتمعات الحداثة والديموقراطية !!
وهذا ما نعول عليه في دور الإسلاميين ( كدعاة ورعاة) لترميم الضمير الديني : أي (الهداية ) على حد تعبير المفكر الإسلامي الليبرالي الكبير عباس محمود العقاد : “إن القرآن كتاب هداية وليس كتابا في العلوم والرياضيات ) :أي حاجة مجتمعنا للضمير الديني، هي حاجة للنزاهة والمناقبية في مواجهة الفساد والخراب الأخلاقي المرعب …وعلى هذا اختصر السيد أردوغان سبب انتصاره : (بأنه لم يسرق) ..